Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعطل الحركة التجارية أكبر مما توقع مؤيدو بريكست

إن تعقيد المعاملات المرافقة لحركة الاستيراد والتصدير يبدو أنه فاجأ حتى الشركات الكبيرة التي كان يعتقد بأنها تملك ما يكفي من الموارد للتغلب عليه

طوابير الشاحنات تصطف في ميناء دوفر الإنجليزي مع ظهور تداعيات بريكست (غيتي)

يُطلَق على المعاملات التجارية اسم الحواجز غير الجمركية، ونحن نشهد تراكمها بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. من الناحية التقنية، ثمة تجارة حرة بين الجانبين من دون رسوم جمركية، لكن في الواقع، تُعرقَل تجارة البضائع في حين تمنع الإجراءات البيروقراطية المفرطة تجارة الخدمات (من أعمال تجارية ومصرفية غير المغطاة باتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين). وهكذا تحصل عراقيل في كاليه (الفرنسية) ودوفر (الإنجليزية)، ولا يمكن تصدير الأسماك الاسكتلندية إلى أوروبا، ووقعت حادثة السندويش الشهيرة حين صادر مسؤولو الجمارك الهولنديون الغداء الخاص بسائق بولندي، وتطرأ مشكلات (أيضاً) في تسليم الشحنات إلى إيرلندا الشمالية.

وتقع أيضاً موانع مالية، أقل وضوحاً لكنها لا تقلّ تعطيلاً. فبعض التجارة ينتقل من لندن إلى عواصم أوروبية، لكن يبدو أن كثيراً من الأعمال (المالية والمصرفية) تحوّل إلى نيويورك، ويعود السبب إلى اعتبار الاتحاد الأوروبي التنظيمات الأميركية "معادلة" لتنظيماته، في حين أنه لم يتفق على إجراء مماثل مع لندن.

وثمة جانب إضافي لهذا كله. لقد أصبح على الشركات البريطانية الآن أن تؤسس مكاتب أوروبية لها لتسهيل عملية التصدير، وتختار سفن الصيد الاسكتلندية تفريغ الأسماك في موانئ القارة الأوروبية، وتتقدم الشركات المالية الأوروبية بطلبات للحصول على تراخيص من المملكة المتحدة لتنفيذ أعمالها هنا.

ماذا يعني هذا كله إذا نظرنا إليه نظرة أشمل؟

من غير المستغرب أن نشهد ردَّي فعل مختلفين تماماً. يقول معارضو "بريكست" إن هذا الوضع يبيّن مقدار ضلال مؤيديه (وتضليلهم) حين توقعوا الاحتفاظ بمنافع العضوية بعد ترك الاتحاد الأوروبي.

 ويعتقد مؤيدو "بريكست" أن ما يجري يظهر كيف أن أوروبا ترغب في إذلال بريطانيا من خلال عراقيل بيروقراطية سخيفة وأن هؤلاء ليسوا أصدقاءنا وأننا الأفضل مقارنة بأي منهم.

وكل من الطرفين على حق بطريقة ما. ستكون هناك علاقة مختلفة وستأخذ بعض الوقت لتستقر. وفي الوقت ذاته، أخشى بروز بعض البغضاء. لكن استخدام الحواجز غير الجمركية لتقييد الواردات لصالح المنتجين المحليين يمثّل ممارسة راسخة منذ فترة طويلة. ولفرنسا على وجه الخصوص تاريخ في هذا المجال. تعود أشهر خطوة في هذا الصدد إلى أوائل ثمانينيات القرن العشرين حين رغبت فرنسا في منع اليابان من إغراق السوق بمسجلات الفيديو. وعندما فشلت رسوم الاستيراد في الحد من الطلب، فرضت فرنسا فحص المسجلات هذه كلها في مستودع للجمارك في مدينة بواتييه، حيث كان ضابطان فقط يعملان ووظيفتهما فحص الأرقام المتسلسلة على كل مسجلة. ومن غير المستغرب أن تتراكم المسجلات المستوردة – لكن فرنسا لم تنجح قط في تحقيق هدفها المتمثل في تأسيس منافس تملكه الدولة يصنع مسجلات الفيديو، وفي نهاية المطاف رُفِعت الحواجز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمغزى من القصة هو أن الحواجز التجارية قد تنجح لبعض الوقت لكنها ليست ناجحة للغاية في الأجل البعيد. غير أن هذا لن يمنع البلدان من المحاولة. وفي حادثة شهيرة، حظرت اليابان لحوم الأبقار الأميركية بدعوى أن اليابانيين يملكون أمعاء مختلفة عن أمعاء الأميركيين، وحظرت زلاجات الثلج المستوردة (بما في ذلك الفرنسية) بأن زعمت أن ظروف تساقط الثلوج لديها مختلفة.

 أما الصين، وعلى الرغم من كونها عضواً في منظمة التجارة العالمية منذ عام 2001، فتستخدم الحواجز التجارية ليس فقط لردع المنافسة الأجنبية بل أيضاً لمعاقبة البلدان التي تنتقد سجلها في مجال حقوق الإنسان – والشاهد على ذلك نزاعها الحالي مع أستراليا.

ما هي إذاً الدروس التي يمكننا استخلاصها في شأن العلاقة التجارية البعيدة الأجل بين بريطانيا وأوروبا من تجربة "بريكست" في الأسابيع الأربعة الأولى؟

أعتقد أن الدرس الأول هو أن تعطل حركة الأعمال كان أكبر مما توقعه مؤيدو "بريكست". من الصعب أن نفصل بين التشوش الناجم عن كوفيد والفوضى المترتبة على "بريكست". لكن تعقيد المعاملات يبدو حقاً أنه فاجأ حتى الشركات الكبيرة التي كان يُعتقَد بأنها تملك ما يكفي من الموارد للتغلب عليه. فبالإمكان إلحاق كثير من الضرر بالتجارة مع تنظيمات زائفة في مجالي الصحة والسلامة. أتذكر قبل سنوات مصادرة دجاجة فرنسية مرباة في حقل (يراعي تربيتها بشكل طبيعي) عندما غادرنا العبارة في المملكة المتحدة، على الرغم من أن ضابط الجمارك تمتع بالكياسة اللازمة ليعتذر ويقر بأن الدجاجة ربما كانت في صحة أفضل من الدجاجات البريطانية المرباة في خِمَمَة.

ثانياً، على الرغم من أن العلاقة التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ستستقر، ستتحول تجارة بريطانيا بعيداً من أوروبا. هي كانت تتحول بالفعل. والآن سيحدث الانتقال إلى أسواق أخرى وموردين آخرين بسرعة أكبر. وسيعاني بعض المصدّرين، لكن المنتجين المحليين سيستفيدون، لسبب بسيط وهو أن ارتفاع التكاليف في المملكة المتحدة ستقابله سلاسل إمداد أقصر وأبسط. وسترتفع التكاليف في الإجمال، لكن في إطار المخطط الأوسع نطاقاً لا أعتقد أن العرقلة التجارية ستشكل مساهمة ضخمة في ذلك. فهناك أسباب أخرى تجعلنا نتوقع ارتفاعاً في مؤشر التضخم، بما في ذلك الطلب الإضافي الذي سيلي تخفيف الإغلاقات.

ثالثاً، ليس من مصلحة أي من الجانبين ألا يشجع التجارة. وإذا كان الناس راغبين في شراء البضائع وبيعها بين بعضهم بعضاً، لا بد من أن يُسمَح لهم بذلك. وأظن أن المزايا العملية للتجارة عبر الحدود ستصبح أكثر وضوحاً مع مرور الأشهر، وأن المصلحة الذاتية ستتفوّق على الغرائز الحمائية. أتمنى ذلك لأنني إذا كنت مخطئاً، ستكون مصادرة الجمارك للسندويشات أقل مشكلاتنا.

© The Independent

المزيد من آراء