Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التصعيد السوداني الإثيوبي بين طبول الحرب وجهود العودة للحوار

اتصالات دبلوماسية تستهدف تهدئة الحدود بين البلدين

الميليشيات الإثيوبية تداهم الحدود السودانية وتقتل وتخطف بعض مواطنيها وتطالب بالفدية   (أ ف ب)

على الرغم من تأكيدات السودان وإثيوبيا عدم رغبتهما الدخول في مواجهات عسكرية مسلحة واستبعادهما الدخول في حرب لحل الخلاف الحدودي بينهما، لكن نُذر المواجهة المسلحة بقيت شاخصة وشبح الحرب ماثل أكثر من أي وقت مضى، إذ كان الأسبوع المنصرم حافلاً بالتراشق الإعلامي والدبلوماسي.

وفي الوقت الذي تشهد فيه فرص الحوار المثمر عبر لجنة الحدود المشتركة جموداً وتضاؤلاً، بلغ التصعيد على الأرض أعلى درجاته باختراق الطيران الحربي الإثيوبي الحدود السودانية منتصف الأسبوع الماضي، مما دفع السودان إلى التحذير من عواقب تكرار مثل ذلك الخرق، وتداعياته في المزيد من التوتر على علاقات البلدين وأمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، معلناً إغلاق أجواء ولاية القضارف ومنطقتي الفشقة الكبرى والصغرى شرق السودان، واستعداده للتعامل مع أي خرق جديد، في الوقت الذي تتواتر فيه الأنباء عن وصول حشود وتعزيزات عسكرية إثيوبية، تمركزت في مستوطنة "شاي بيت" داخل الأراضي السودانية ومنطقة تايا.

تحرشات وحرب تصريحات

ما يفاقم الأوضاع أكثر، استمرار الميليشيات الإثيوبية في التحرشات إذ كان أحدثها قبل يومين من نهاية الأسبوع الماضي، قتلت فيه أحد المزارعين السودانيين واختطفت اثنين مطالبة بدفع بالفدية للإفراج عنهما، بعد 48 ساعة فقط من اغتيال ست نساء سودانيات وطفلين بنيران إثيوبية أثناء عمليات الحصاد.

 في خضم حرب التصريحات والاتهامات والتصعيد المتبادل غير المسبوقة بين الجانبين، متزامنة مع نُذر مواجهة حربية تتراءى ملامحها في حشود عسكرية ضخمة للجانبين، مع مناوشات إثيوبية استفزازية عند المناطق الحدودية، تطل في أفق الأزمة بوارق أمل عبر تحركات واتصالات دبلوماسية مكوكية، بحثاً عن نزع فتيل التوتر والتصعيد وتبريد الأجواء الملتهبة، تمهيداً لطريق الحوار من جديد، فهل تنتصر الدبلوماسية أم طبول الحرب، وإلى أين تتجه الأوضاع؟

يبدو أن الأزمة تتجه إلى ذروتها بسرعة كبيرة، وسط هيمنة التصعيد الكلامي على المشهد، والتعثر الطويل للحلول الثنائية عبر لجان الحدود المشتركة بين الجانبين، إذ أقر مجلسا السيادة والوزراء في اجتماع مشترك بدء حملة دبلوماسية مكوكية واسعة لكل البعثات والمنظمات الدولية والإقليمية بالخرطوم، وجولات خارجية لدول الجوار والإقليم شملت حتى الآن كلاً من، "السعودية، والإمارات، ومصر، وجنوب السودان وتشاد"، بغرض شرح موقف السودان وموقفه الرافض للحرب والمتمسك بأرضه وسيادته.

ترحيب بالحلول الأفريقية ورفض الحرب

مع حملة الاتصالات والتحركات الدبلوماسية المكوكية، التي شملت التواصل مع الاتحاد الأفريقي، رحب رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بمبادرة رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت بشأن التوترات الحدودية بين البلدين.

 في الوقت نفسه وصل إلى جوبا عاصمة جنوب السودان مبعوث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، هايلي ماريام ديسالين والتقى ميارديت، في إطار تطورات حدود بلاده مع السودان.

وأعلن مجلس السيادة الانتقالي، أن السودان لم يتخذ قراراً بإعلان الحرب مع إثيوبيا حتى الآن، وأن كل ما حدث هو انتشار للجيش داخل حدوده.

 

 

وطالب محمد الفكي، المتحدث الرسمي باسم المجلس، في مؤتمر صحافي، الجيش الإثيوبي بالانسحاب من منطقتين لا يزال موجوداً فيهما داخل السودان، نافياً ضلوع أي أطراف خارجية في الأمر.

ودعا المجلس، الجانب الإثيوبي إلى ضبط خطابه الإعلامي والبحث عن حل سياسي، مشيراً إلى أن جولات أعضاء مجلس الأمن والدفاع الخارجية هدفت لإبلاغ رسالة واحدة، هي أن السودان لا يريد حرباً وجيشه موجود على أرضه.

وكشف الفكي، عن ثلاث لجان سيادية ووزارية مدنية الطابع، للتعامل مع ملف شرق السودان، سياسية ودبلوماسية وثالثة للعائدين.

بدائل الحل بالقوة العسكرية

في السياق، جدد رئيس المفوضية القومية للحدود السودانية، معاذ محمد أحمد تنقو أنه ومع عجز الوصول إلى حل ثنائي طوال السنين الماضية، لا مناص من لجوء السودان بما يمتلك من حجج وأسانيد ووثائق دامغة، إلى التحكيم الدولي كطرف ثالث، للحصول على أمر قضائي واضح، يلزم إثيوبيا بترسيم الحدود وفق الاتفاقيات المبرمة، ويوقف تغلغلها داخل أراضي السودان.

يشير تنقو، إلى أن إثيوبيا كانت تسعى من خلال مجمل تصرفاتها في الفترات السابقة إلى سياسة فرض الأمر الواقع، والسعي لتقنين وجودها على المدى الطويل بمبدأ وضع اليد، لكن السودان ظل متنبهاً ومدركاً لذلك المخطط.

واستهجن تنقو، الاتهامات والمزاعم الإثيوبية بخرق السودان اتفاقية 1972، مبدياً استغرابه أن يمتد الوضع الراهن الذي تحدثت عنه الاتفاقية آنذاك، لمدة 40 سنة، بينما لا يزال الطرف الآخر يطالب بالمزيد منه لممارسة التمدد.

تكثيف الجهود والاتصالات الدبلوماسية

في المنحى ذاته، كشف إبراهيم الشيخ، الناطق الرسمي باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، أن المجلس يعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومفوضية الحدود واللجنة الفنية المشتركة، على تكثيف الجهود الدبلوماسية والمفاوضات والاتصالات مع إثيوبيا، مشيراً إلى أن الاتحاد الأفريقي أبدى استعداده لتهيئة الأجواء لانعقاد عمل اللجان المشتركة بين الطرفين لطي الخلافات في هذا الجانب.

ولفت الشيخ، إلى أن المجلس يؤيد كل الخطوات التي اتخذتها القوات المسلحة، داعياً إلى تعزيز التماسك الوطني حول قضية الأرض باعتبارها لا تقبل المساومة أو التنازلات.

على الصعيد ذاته، أعرب أمين العلاقات الخارجية لحزب المؤتمر السوداني، فؤاد عثمان في حديثه لنا، عن تفاؤله بنجاح الجهود الإقليمية والدولية في وقف التصعيد ونزع فتيل الأزمة عبر اتصالاتها بقيادات البلدين وإقناعها بالعودة إلى الحوار والتفاوض مرة أخرى.

ورحب عثمان، بوساطة رئيس جنوب السودان في إطار مساعي تهدئة الأوضاع والحلول السياسية، مبيناً أن الدبلوماسية السودانية تتمتع بموقف قوي تسنده الأدلة الدامغة والموثقة، التي تثبت أحقيته في أراضيه وتعديات الطرف الآخر، مشيراً إلى أن التحكيم قد يكون من الأوراق الرابحة في هذا الصدد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن

من جهته، كشف مدير مركز الدراسات الدبلوماسية، التابع لوزارة الخارجية وأستاذ العلاقات الدولية عصمت محمد حسين، أن السودان أجرى اتصالات بالاتحاد الأفريقي لشرح موقفه، وأن ترتيبات داخلية تُجرى لرفع الأمر لمجلس الأمن الدولي تفادياً للحلول العسكرية أو الحرب، داعياً الاتحاد الأفريقي إلى سرعة التحرك والقيام بدوره في رأب الصدع والتهدئة لإتمام إنجاز الحل السلمي لقضية الحدود السودانية الإثيوبية، باعتبار المشكلة تخص طرفين أفريقيين عضوين.

ويستبعد حسين انجراف التصعيد إلى اندلاع حرب بين السودان وإثيوبيا، فكلاهما مثقل بالقضايا والهموم الداخلية التي تستدعي توجيه موارده وجهوده لمعالجة قضاياها الوطنية الملحة، ما يجعل التصعيد الراهن بينهما أشبه بالحرب الباردة في إطار تثبيت وتقوية المواقف من دون الدخول في مواجهة عسكرية كبيرة.

التحكيم ومخاوف المساومات

في المقابل يرى، أستاذ القانون الدولي بالجامعات السودانية، ياسر عمر عبد الله، ألا يبادر السودان إلى التحكيم الدولي بعد أن سيطر على أراضيه، لأن ذلك من شأنه أن يفتح عليه باباً من المساومات غير المرغوبة، فضلاً عن أنه يمارس سيادته على أرضه، بيد أن إثيوبيا لها حق اللجوء إلى التحكيم متى رأت أنها متضررة. 

يضيف، "ظلت إثيوبيا تنتهج المبدأ الدولي المعروف بسياسة (القضم الممنهج) تجاه الأراضي السودانية بالتوغل التدريجي والتوطن الطويل، لفرض سياسة الأمر الواقع بتغيير ديموغرافيا المنطقة، وكانت تخطط لتهيئة الأوضاع بذكاء قبل الوصول إلى التحكيم الدولي، إذ تعتمد الأمم المتحدة في بعض النزاعات على الاستفتاء أو العودة إلى الأصول التاريخية للوجود البشري بمناطق الخلاف، بما فيها الرجوع إلى المقابر لإثبات وجود الأجداد القدامى وتاريخ استيطانهم بالمنطقة".

وكشف عبد الله، أن لجاناً ميدانية سودانية أوضحت لهم وجود ما يشير إلى تزوير في تاريخ القبور، حيث وجدت قبوراً حديثة العهد لكن نقشت عليها حديثاً تواريخ وفاة ترجع إلى سنوات بعيدة خلت، وهو ما يعزز الشكوك حول المخطط الإثيوبي.

بداية حرب الاتهامات

بدأت حرب الاتهامات عندما وجه إبراهيم إندريس، عضو اللجنة المشتركة للحدود بين البلدين عن الجانب الإثيوبي، اتهامات للخرطوم بغزو الأراضي الإثيوبية وانتهاك الاتفاقية الموقعة عام 1972، التي تدعو إلى استمرار الوضع على الأرض كما هو عليه إلى حين توصل البلدين إلى حل ودي لمسألة الحدود. ودعا الحكومة السودانية إلى "الالتزام بالقانون الدولي والاتفاقية الموقعة عام 1972"، مشدداً على ضرورة حل المشكلة من خلال الحوار.

الاتهامات نفسها كررها السفير الإثيوبي بالخرطوم متهماً الجيش السوداني باستغلال انشغال بلاده بحرب التيغراي للتقدم في تسعة معسكرات خاصة به، داعياً الجيش السوداني للانسحاب إلى مواقعه السابقة حلاً للخلاف بين البلدين، فيما قالت الخارجية الإثيوبية، إن صبر أديس أبابا له حدود.

في المقابل، أكد قائد الجيش الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، أن بلاده لن تتورط في حرب مع الخرطوم، وشدد في تصريحات صحافية، أن إثيوبيا ليست بحاجة للحرب مع السودان بأي حال من الأحوال، متهماً من وصفهم بـ"من لديهم مصالح في إشعال الفتنة ودق طبول الحرب بين البلدين".

وظل السودان وإثيوبيا طوال عقود من الزمان، يديران مفاوضات ثنائية حول ترسيم الحدود، على خلفية الاتفاقيات المبرمة منذ 1902 مروراً بـ1903، وصولاً إلى مذكرة التفاهم المتبادلة في 1972 وحتى 2013، لكن الموقف الإثيوبي الجديد بالتنصل من تلك الالتزامات والاتفاقيات، اعتبره السودان محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو مئة عام من الزمان، وأن التصريح بعدم الاعتراف بأساس كل تلك المفاوضات يهدف إلى العودة بالحدود إلى مربع النزاع القانوني، وهو ما يرفضه السودان ويجعله يتشدد في إصراره على أن الأمر هو فقط ترسيم للحدود المعلومة والمعرَّفة بالأساس، وفق المرجعيات القانونية الموثقة والمعترف بها دولياً وإقليمياً.

وكان السودان أعلن نهاية الشهر الماضي أن قواته بسطت سيطرتها على كل الأراضي السودانية الواقعة في منطقة الحدودية التي كان يستولي عليها مزارعون إثيوبيون، بعد أسابيع من الاشتباكات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير