قدم رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز الثلثاء، استقالته إلى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في سياق تجسيد مرحلة جديدة على أساس "توافق" في أعلى هرم السلطة يقضي باستقالة "الباءات الأربع". ويُفترض أن ينتج من استقالة بلعيز تعيين خليفة توافقي له، يتولى رئاسة الدولة لاحقاً بعد الاستقالة المفترضة للرئيس الموقّت عبد القادر بن صالح، وتالياً تعيين حكومة جديدة بعد استقالة رئيس الوزراء نور الدين بدوي.
وأتت استقالة بلعيز بعد أقل من شهرين على تعيينه على رأس هذه الهيئة، لتطلق مساراً "سياسياً" في ثوبٍ "دستوري" إذ إنه المخول حصراً، تولي خلافة رئيس الدولة في حال استقالته.
وأبلغ بلعيز أعضاء المجلس الدستوري أنه قدم استقالته إلى رئيس الدولة، بعد شهرين تقريباً على مباشرة مهماته وأدائه اليمين الدستورية في 21 فبراير (شباط) الماضي.
وتُفسَر استقالة ثالث شخصية في هرم الدولة دستورياً، ببداية تفكيك الأزمة السياسية من بعد تطبيق المادة 102 من الدستور (استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة)، كما تشكّل ترجمةً مباشرة لمطالب مسيرات الجمعة ( 12 أبريل) باستقالة "الباءات الأربع"، بلعيز، وبدوي، وبن صالح، ومعاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري) لكن كل هذا ضمن مخرج دستوري، تصر المؤسسة العسكرية على التزامه.
المسار السياسي في "ثوب دستوري"
تحدد المادة 81 من القانون الداخلي للمجلس الدستوري "في حالة وفاة رئيس المجلس الدستوري أو استقالته، يجتمع المجلس الدستوري برئاسة نائب رئيس المجلس، ويسجل إشهاداً بذلك ويبلَغ رئيس الجمهورية فوراً".
أما نص المادة 82 فهو "في حالة وفاة عضو في المجلس الدستوري أو استقالتـه أو حصول مانع دائم له، يجري المـجلس الدستوري مداولة تُبلّغ نسخة منها إلى رئيس الجمهورية، وحسب الحالة، إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني، أو رئيس مجلس الأمة، أو رئيس المحكمة العليا، أو رئيس مجلس الدولة".
ويُعدّ المجلس الدستوري "هيئة مستقلة"، من مهماتها السهر على احترام الدستور وصحة الانتخابات. ويشير الدستور في مادته 182 إلى أنه "يسهر على صحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية ويعلن نتائج هذه العمليات". كما "ينظر في جوهر الطعون التي يتلقاها بشأن النتائج الموقّتة للانتخابات الرئاسية والتشريعية ويعلن النتائج النهائية لكل العمليات المنصوص عنها في الفقرة السابقة".
ويتيح الدستور لرئيس الدولة صلاحية تعيين خليفة لرئيس المجلس الدستوري، لكنه غير مخوَّل إقالته، لذلك جرى التفاوض مباشرةً مع المؤسسة العسكرية، وفق مصدر رفيع لـ "اندبندت عربية"، على أن يستقيل بلعيز أولاً، ثم بدوي ثانياً، أما استقالة بن صالح فستكون تلقائية نهاية الأسبوع الحالي أو بعده.
هل يقبل أحمد طالب الإبراهيمي المهمة؟
وتقضي الخطة السياسية ضمن المسار الدستوري بتعيين شخصية توافقية خلفاً للطيب بلعيز، إذ يشير أول الترشيحات إلى أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الخارجية السابق، ألمع الشخصيات البارزة التي اعتزلت السياسية قبل عقدين تقريباً. ورفع المتظاهرون في المسيرات الشعبية اسم أحمد طالب الإبراهيمي (لا تربطه علاقة عائلية بالأخضر الإبراهيمي)، كشخصية تحظى بثقة الحراك الشعبي.
وتقترح المسيرات وجهات نافذة اسم طالب الإبراهيمي في رئاسة الدولة، رفقة وزير الحكومة السابق، إضافة إلى أحمد بن بيتور، وهو شخصية توافقية هادئة، واقتصادي بارع في مجاله، ليكون رئيس حكومة بدلاً من بدوي، في حين قد يُطرح اسم توافقي آخر لرئاسة المجلس الدستوري.
قايد صالح يوجه "آخر إنذار" لـ "توفيق"
في غضون ذلك، وجّه رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، إنذاراً شديد اللهجة، إلى الجنرال المتقاعد، محمد مدين (توفيق) المسؤول السابق لجهاز الاستخبارات، متهماً إياه بالعمل "ضد إرادة الشعب وفي حال تعنته سنتخذ ضده اجراءات قانونية صارمة".
وقال قايد صالح، بعد إشرافه على تنفيذ تمرين بياني بالذخيرة الحية باسم "النجم الساطع 2019"، في صحراء ورقلة جنوب شرقي البلاد الثلثاء، "تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس (آذار) 2019 إلى الاجتماعات المشبوهة التي تُعقد في الخفاء للتآمر على مطالب الشعب وعرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي واقتراحاته لحل الأزمة"، إلا أن "بعض هذه الأطراف وفي مقدمها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق، خرجت تحاول عبثاً نفي وجودها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، على الرغم من وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة". أضاف "أكدنا يومها أننا سنكشف عن الحقيقة، وها هم لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة، وعليه أوجه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة".
وحملت كلمة قايد صالح عبارات جديدة على علاقة بمتابعة المؤسسة العسكرية للوضع الراهن والإصرار على "ضرورة انتهاج أسلوب الحكمة والصبر، فالوضع السائد مع بداية هذه المرحلة الانتقالية خاص ومعقد". وتابع "التزام الجيش مرافقة المرحلة الانتقالية غير محدود، فكل الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة من أجل إيجاد حل للأزمة في أقرب الآجال". وأضاف "أؤكد مرة أخرى ضرورة انتهاج أسلوب الحكمة والصبر لأن الوضع السائد مع بداية هذه المرحلة الانتقالية يُعتبر وضعاً خاصاً ومعقداً، وهذا ما يستدعي تضافر جهود كل الوطنيين المخلصين للخروج منه بسلام، هذا وفاء من الجيش للعهد الذي قطعه على نفسه في تحقيق مطالب الشعب وطموحاته المشروعة في بناء دولة قوية وآمنة ومستقرة، دولة يجد فيها كل مواطن مكانه الطبيعي وآماله المستحقة".
وأوضح أن "قرار الجيش الوطني الشعبي بخصوص حماية الشعب قرار لا رجعة فيه ولن يحيد عنه ابداً مهما كانت الظروف". وتابع "نحن على يقين بأن الشعب الجزائري الأبي والمتحضر قادر على رفع التحديات والتغلب على الأزمات انطلاقاً من عبقريته المستلهَمة من مقوماته التاريخية وتجربته الطويلة في التعامل مع الأحداث، ونؤكد أننا نتفهم مطالبه المشروعة".
وفي ما بدا أنها إشارة لتعامل الشرطة مع بعض المتظاهرين الجمعة الماضية، وكان وصِف بـ"العنيف"،قال قايد صالح "أصدرنا تعليمات واضحة لحماية المواطنين أثناء المسيرات... وننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف وأن يحافظ على الممتلكات العامة والخاصة ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين. وأود الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة الاحترام التام لرموز الدولة وعلى رأسها العلم الوطني لما يمثله من رمزية مقدسة لوحدة الوطن والشعب وتضحيات الأجيال عبر التاريخ".
وختم قايد صالح كلمته" قيادة الجيش الوطني الشعبي لن تتخذ قرارات لا تخدم الشعب والوطن. ونحن حريصون على ألا تُراق قطرة دم جزائرية واحدة ... وأتمنى أن يلقى هذا النداء الصدى المنشود لدى كل مكونات شعبنا الأبيّ".