Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحيوانات الأليفة ملاذ نفسي خلال الحجر الصحي

أربابها يعتبرونها مثل الأبناء وينفقون عليها بسخاء فيما يجدونها سنداً وقت الضيق

اقترن الحجر المنزلي بسلسلة من التغيرات في سلوك العائلة، وشاعت تربية الحيوانات في أوساط العائلات اللبنانية. توجّه البعض نحو إحياء هواياتهم القديمة، فيما تمسّك آخرون بتربية الكائنات الأليفة التي تمنح راحة نفسية. فتحدث المربون عن "ترميم العلاقة مع البيئة والحيوان" في ظل أزمة كورونا، فيما أغدق البعض الكثير من المال والعاطفة على الحيوانات من باب المكافأة.  

في بادئ الأمر، كانت العلاقة مضطربة بين الشاب العشريني كريم صابونة والحيوانات، ويكشف عن حالة "فوبيا من الكلاب أثناء الطفولة". ولكن منذ حوالى ثماني سنوات، حصلت شقيقته على كلب صغير، فبدأ بملاطفته. كان لتفاعل الكلب معه، أثر كبير في نفسه، وامتد إلى تقرير مستقبله المهني، إذ وضع نصب أعينه دراسة الطب البيطري في روسيا.

يشير صابونة إلى ضغوط على الكلاب والمربين في زمن كورونا، لأن الكلب يحتاج إلى المشي لحوالى ثلاث ساعات يومياً على خلاف القط الذي يألف الجلوس في المنزل. ويلفت إلى أن الأزمة الصحية وضعت الجميع في الحبس، وشكّلت خطراً على سلوك كلاب الأشخاص المصابين والمضطرين للحجر لأن "كلاب الحراسة تحديداً يستشعرون التغيير الطارئ على حياة أصحابهم".

يتحدث صابونة إلينا عن هوس بفصيلة الكلاب "الراعي الألماني"، لذلك فهو يكرّس الكثير من وقته لكلبه "إيفان". لذلك، يدرّبه على مرحلة ما بعد الحجر وشم الروائح ورؤية السيارات في الشارع، مؤكداً ضرورة ذلك حتى لا يهاجم الكلب الآخرين بعد فترة طويلة من الحبس، وهذا يسهم في "ازدياد الشراسة لدى الكلاب الصغيرة بسبب الحجر".        

يساعد الكلب برأي المتحدث في تجاوز فترة الحجر، لأن "تصفح الإنترنت غير كافٍ لتجاوز حالة الملل"، ومن هنا يدرّبه على حركات اللياقة والرشاقة لتطوير المهارات وملء أوقات الفراغ. ويستهجن الحديث عن نقل الكلاب لفيروس كورونا لأن ذلك تحريض كاذب، ويناقض ذلك لأن "الكلب يساعد على كشف الفيروس بدقّة متناهية من خلال شم عرق الجسد".

تربية الحيوانات الأليفة كعلاج

خلال السنوات القليلة الماضية، انتشرت ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة في المنازل اللبنانية. كما تشكّل رأي عام متعاطف مع الحيوانات وحقوقهم، ويستهجن أي تعرّض لهم. تقدّم الناشطة رانيا حمزة نموذجاً عن العلاقة بين الجيل الجديد وحيواناتهم الأليفة، فهي تكرّس جزءًا كبيراً من وقتها لتربية عدد كبير من القطط والكلاب المنزلية. تختصر حمزة علاقتها بهم بعبارة "حيواناتي كل حياتي". وتنطلق من خبراتها الشخصية لتصف علاقة الحب الحقيقية بين الإنسان والحيوان، التي تزداد في الظروف العصيبة مثل جائحة كورونا، وتقول "عندما يتخلّى عنك الجميع، يبقى كلبك وقطتك إلى جانبك".  

تنصح حمزة عبر مقتني الكلاب والقطط بمراعاة مشاعرهم خلال فترة الحجر والأوضاع الاقتصادية الصعبة، لأن الإفراط بالعدوانية سيؤدي إلى مرضهم. وتعتقد أن وجود الحيوانات الأليفة في المنزل يساعد في تربية الطفل على تحمّل المسؤولية والألفة وعدم الخوف ويمنح "حصانة نفسية".

وتشير إلى أن أصحاب الكلاب يمكنهم "خرق التجول" لأن السير معهم في الطريق لا يؤدي إلى "توقيع مخالفة بسبب المشي، نظراً إلى أنه أحد حقوق الحيوانات التي ترعاها القوانين الدولية". لذلك يساعد الكلب على تجاوز الضغط الذي يسببه الحجر المنزلي وهموم الحياة، كما يدفع إلى تنشيط جسد المربي لأنه "يسهم في إخراج صاحبه من الخلية المنزلية وبالقوة، ويخلق وقتاً للرفاهية والسعادة والاكتفاء العاطفي". من هنا، تنصح حمزة بإدخال الحيوانات إلى كل منزل، لأن "مصروفه قليل"، ومن أجل تخفيف حالات الاكتئاب والصحة النفسية والجسدية.

"سوسة الحمام"

تربط الإنسان علاقة وطيدة بالطيور، ويترسخ هذا الرابط على أسطح البيوت القرميدية في الأحياء الشعبية لمدينة طرابلس اللبنانية، حيث يحافظ أبناء الرعيل الأول على مملكتهم التي تسودها قوانين خاصة بهم. يُعدّ وليد القلاوون ("أبو منصور") واحداً من هؤلاء المربين، فقد تسللت إليه هذه "السوسة والهوس" منذ نصف قرن وتزداد مع مرور الوقت. كرّس جزءًا كبيراً من شبابه لتربية سربه الخاص الذي يرتقي في أدبياته إلى "مستوى العائلة".

بعد مضي نصف قرن، يستغني عن كل شواغله ليعتني بعشرات الطيور النادرة التي أحضرها إلى محله في سوق الخضار. ويتعامل "أبو منصور" مع طيوره بدقة متناهية، فهو يعرفها بالتفاصيل والأسماء والصفات "لأنه يعلمها كما يعلم أبناءه فهو بمثابة الأب لها".

يصنّف القلاوون في حديثه معنا العلاقة بينه وطيوره بـ"الحميمة"، وهو إذ يرفع الطيور إلى مستوى الأولاد، يقدّم إليها العناية الطبية المفرطة والرعاية المستمرة. يؤكد أنه يشتري لها سنوياً قرابة الطن ونصف الطن من الحبوب من أجل الغذاء والنمو.  كما لا يبخل عليها ببذل المال، لأن "من يحب أمراً لا يبحث عن كلفته، ولا مشكلة لديه في قضاء كل عمره معها"، كما لن تحدّ أزمة الدولار عشق هاوي الطيور ويمكن أن يدفع ألف دولار كثمن لبعض الطيور الجميلة، ممشوقة القوام. 

بكثير من الحب والفرح، يحكي الحاج "أبو منصور" عن طيور الحمام التي يربيها منذ طفولته وشبابه. وعندما يسكت، تتحدث عيونه البارقة عن تعلُّق شديد بهذه الفراخ البريئة والوفية له. ويعود بالذاكرة إلى "قهوة الحمام" حيث كان يلتقي هواة الطيور، ليتباحثوا بشأنها وتنمية قدراتها، لا سيما أنها تأتي بغالبيتها من سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقرن طيوره بصفات الصدق والوفاء، مستذكراً اضطراره في إحدى المرات إلى التخلي عن فرخ مشاكس، عذّبه أثناء تربيته. يروي أنه لم يتمكن من ذبحه فعاطفته لم تسعفه. فحمل "أبو منصور" الطير وقصد حمص في سوريا وتركه هناك ليحلّق، إلا أنه صُدم عندما عاد إلى طرابلس شمال لبنان، ليجد أن الطير قد سبقه إلى منزله. وهذا الأمر ليس نادراً، فالطيور تغيب لساعات فوق الغيوم وتقصد البحر والجبال، قبل أن تعود في المساء إلى مرتعها الأصلي بعد إنهاء جولاتها الفضائية.

يصف القلاوون حرفة تربية الحمام بـ"العلاج النفسي"، فهو عندما يشعر بضغط أو "تعصيب"، يقصد الطيور التي تتجمع حوله وتبادله الحب وينفي أن تكون سبباً لأي مرض رئوي ويعتقد أنها "علاج لمن يحبها". ولا يتأخر المهووس بالطيور ببذل أمواله من أجل الحصول على طير نادر وجميل، أو شراء الحلي وأحلاق الزينة للجميل منها. في المقابل، يتحدث عن حالة من القلق يعيشها المربي عندما يطلق الطير في الفضاء، فهي معرضة للاقتناص من المحترفين.

يؤكد محترفو مهنة تربية الحمام أنها مرّت بين زمنين، ففي الماضي كان عصرها الذهبي يمارسها علية القوم، أما الآن فقد انحدر مستواها. ويشير "أبو منصور" إلى أن ثمة قواعد تسود بين المربين، فهناك اتفاق مسبق يحدد مصير الطير الذي يتم اقتناصه من الغير، فإما أن يتم افتداؤه إذا كان "صلح"، أو ذبحه أمام صاحبه إذا كان الاتفاق "قص". يؤدي ذبح الطير أمام صاحبه إلى الكثير من الألم والأسى، تحديداً عند رميه أمامه. لذلك يحاول المربي حمايتها قدر الإمكان والحوؤل دون فقدان النادر منها، أو الوقوع في مشكلات والثأر بين أصحاب الحمام التي يمكن أن تختلط وتغيب.

تعويض نفسي

يربط الدكتور أحمد العلمي، أستاذ علم النفس بين ظاهرة تربية الحيوانات وظهور المجتمعات المعاصرة المترفة التي تراجع فيها "وجود العائلة"، إلى جانب توفير شعور بالأمان، لأن من يقطن وحيداً في منزله يحتاج إلى مساعد ومؤنس كبديل عن غياب الأولاد.

  ويرى العلمي أن لوجود الحيوانات الأليفة "أثراً إيجابياً على المربي وأهل المنزل، تحديداً من يوشك على الاكتئاب، لأنه يمنحه شعوراً بالرضى والتكيّف، وهو بشكل عام وقاية من الاكتئاب، وقد يكون أيضاً علاجاً منه"، كما يسهم في تخفيف الشعور بالعزلة.  

المزيد من منوعات