Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات كثيرة تواجه منطقة التجارة الحرة الأفريقية

يعمل الاتحاد القاري على تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لكن التحسن لا يزال نسبيا

منطقة التجارة الحرة دخلت حيز التنفيذ طبقاً لإعلان الاتحاد الأفريقي ولكن لم تلق اهتماما من الإعلام العربي ( أ ف ب)

دخلت منطقة التجارة الحرة الأفريقية حيز التنفيذ طبقاً لإعلان الاتحاد الأفريقي، ولكن هذه الخطوة على الرغم من أهميتها وانعكاساتها على الاقتصادات العربية بشكل عام، واقتصادات الدول الأفروعربية على وجه الخصوص، لم تلق الاهتمام المطلوب من الإعلام العربي.

وربما ذلك ما يدفعنا إلى طرح التساؤلات بشأن اتجاهات تأثير هذه الاتفاقية، وطبيعة التحديات التي لا تزال تواجهها. فمثلاً، هل يشهد أبناء القارة تطوراً في نوع حياتهم، هل يستطيعون بالفعل التمتع بعوائد عادلة لمواردها الطبيعية الضخمة، فيخرج نصف سكانها من الفقر المدقع إلى آفاق حراك اقتصادي واجتماعي يمكنهم من الإسهام بشكل فعال في مواكبة التقدم العالمي معرفياً وتكنولوجياً واقتصادياً؟

الأسئلة كثيرة والإجابات شبه مجهولة ومقرونة بتحديات ضخمة، من أهمها أن القدرات التصنيعية الأفريقية محدودة، وهو يجعل دول القارة عاجزة نسبياً عن تلبية احتياجات بعضها البعض. والتحدي الثاني، هو موقف العالم الغربي من هذا التطور، على اعتبار أنه يمكن أن يسفر عن أضرار غير قليلة بمصالحه الاقتصادية.

وقد انطلق العمل الأفريقي لتحقيق منطقة التجارة الحرة من خطة عمل "لاغوس" التي تبلورت عام 1980، مستهدفة حجماً من التبادل التجاري البيني لا يقل عن 50 في المئة بحلول عام 2050. وقد شجعت هذه الخطة على اتباع نهج إقليمي لزيادة التنمية الاقتصادية، وتشجيع التبادل التجاري بين دول القارة، وهو ما أدى في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين إلى انتشار منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمي، حيث اعتُمد عدد من التجمعات الأفريقية الإقليمية، هي: الكوميسا (COMESA)، والسادك (SADC)، والإيكواس (ECOWAS)، والسين صاد (CEN SAD)، والإيكاس (ECCAS)، والإيجاد (IGAD)، واتحاد المغرب العربي (UMA). وتجمع شرق أفريقيا (EAC).

تقدم نسبي

يمكن القول، إن هذه التجمعات حققت تقدماً نسبياً في عملية التكامل الاقتصادي الجهوي، إذ سجل الاتحاد الجمركي لأفريقيا الجنوبية، على سبيل المثال، تقدماً ملحوظاً في تحرير حركة عوامل الإنتاج من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد. كما نجح الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في إنشاء نظام لسياسات الاقتصاد الكلي من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة يُراجع بين الدول الأعضاء بانتظام، إضافة إلى إنشاء أسواق للأوراق المالية، حيث نجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 إلى 12.7 مليار دولار عام 2009 ثم إلى 17.4 مليار دولار عام 2010. كما ارتفعت التجارة البينية في تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49 في المئة، بعد إطلاق مشروع الاتحاد الجمركي داخل التجمع.

لكن يظل الاتجاه العام هو تواضع الإنجازات التي حققتها ظاهرة الإقليمية في أفريقيا، خصوصاً أن أرقام التبادل التجاري لم تحقق تقدماً خلال العقد الماضي إلا بمقدار 5 في المئة. وفي حين لم تتعد التجارة البينية الأفريقية 15 في المئة عام 2018، سجلت في أوروبا نحو 69 في المئة، وفي آسيا 60 في المئة.

ويمكن القول إن أهم التحديات التي تقف أمام الاندماج التجاري الأفريقي الواقعي هي حالة البنية التحتية المؤثرة على قطاع النقل البري، وهي مسألة تهتم أجندة الاتحاد الأفريقي (2013-2063) بمعالجتها. كما تعتبر أن الحوكمة والحكم الرشيد أحد أهم الروافع للتعاون الاقتصادي في القارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على المستوى الفني، تمت تسوية مسألة قواعد المنشأ وحماية المنافسة وقواعد الاستثمار. وهي المسائل التي يمكن أن تضمن عدم اعتماد الحركة التجارية الأفريقية على سلع غير أفريقية، وربما تكون مسألة تقنين قواعد المنافسة بين الدول هي الأكثر حساسية، إذ تستخدم الحكومات إجراءات حمائية لتخفيف العبء عن شركات الدولة، كما في خطوط الطيران الوطنية، إذ إن نحو 70 في المئة من الطرق الجوية، من أفريقيا جنوب الصحراء أو داخلها، تضم ناقلاً جوياً واحداً يُسيّرها.

ويضاف إلى سلسلة التحديات أن الأجسام الاقتصادية المهمة لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية لم تفعل بعد، على الرغم من اختيار أبوجا مقراً للبنك المركزي، وطرابلس مقراً لبنك الاستثمار، وياوندي مقراً لصندوق النقد. لكن تلك المؤسسات لم تخرج إلى النور حتى الآن، في ظل غياب التوافق بشأنها، وافتقار العديد من الدول الأفريقية للنظم المصرفية الحديثة. وهذا يمثل تأخراً في تحقيق أهداف أجندة 2063، التي حددت عام 2016 لإقامة بنك للاستثمار وسوقاً للأسهم الأفريقية، وكذا إنشاء صندوق النقد بحلول عام 2018. لكن أياً من تلك الأهداف لم يتحقق حتى الآن.

وفي الاتجاه ذاته، طرح البعض أفكاراً حول إنشاء مزيد من المؤسسات المالية الأفريقية مثل: البورصة المشتركة، وصندوق التضامن لتخفيف آثار ارتفاع أو انخفاض أسعار البترول، ومجلس تنسيق السياسات في مجال التبادل السلعي. وبالفعل، عقدت سلسلة من المفاوضات حول إقامة تلك المؤسسات، وانتهت إلى الموافقة على تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس محافظي البنوك المركزية الأفريقية والاتحاد الأفريقي لبحث سبل تأسيس البنك المركزي، وتقديم المشورة حول تشكيل كل من بنك الاستثمار وصندوق النقد.

العلاقة مع الغرب

على الصعيد الغربي، يشكل التبادل التجاري البيني في أفريقيا تحدياً للشركات العابرة للجنسيات التي اعتادت الحصول على الموارد الطبيعية الأفريقية في صورتها الأولية، وبعوائد غير عادلة. ولتحقيق أهدافها هذه، تلجأ إلى إفساد النخب الحاكمة، والتشجيع على ممارسة تسلطية أو ديمقراطية شكلية كالقبول الفرنسي، أخيراً، بتغيير من داخل النظام في النيجر، أو التغاضي عن تغيير الدستور في كل من غينيا وساحل العاج لصالح مدد حكم إضافية لكل من الحسن وتارا وألفا كوندي على التوالي. وقد تسهم بعض الشركات في إذكاء الصراعات المسلحة كما في الكونغو، للحصول على الماس.

كما سوف تواجه هذه الشركات تحدي توجه الدول الأفريقية نحو التصنيع سواء الجزئي أو الكامل، حتى تلبي احتياجات القارة من ناحية، وتواكب العصر الراهن من ناحية أخرى، طبقاً لما أفصح عنه الرئيس الجنوب أفريقي في القمة الأفريقية الألمانية عام 2019، بقوله إن حجب التكنولوجيا الغربية أو المساعدة في إنتاجها لم يعد مقبولاً من الأفارقة.

وفي هذا الاتجاه، بدأت بعض الدول الأفريقية بحظر تصدير سلعها الرئيسة في صورة أولية، كما هو الحال في إثيوبيا التي حظرت تصدير البن، أو بعض دول غرب أفريقيا التي تنتج الكاكاو وتسعى إلى تصنيع الشوكولا.

وفي السياق نفسه، تسعى الغابون إلى الاستفادة من ثرواتها الخشبية بتدشين مصانع تبخير الأخشاب باستثمارات مصرية. ولعل مجالات التصنيع الغذائي هي ما تركز عليه دول أفريقية أخرى كمصر والسودان، لتناسبها في هذه المرحلة مع مستوى دول جنوب الصحراء ونظراً لحجم الزراعة في اقتصاداتها. كما تشكل صناعة البتروكيماويات نقطة انطلاق أخرى، خصوصاً في دول منطقة خليج غينيا، وذلك بعد النجاحات التي أحرزتها مصر والجزائر في هذا المجال.

في هذا السياق، يبدو أن الإدراك الأفريقي العام شبه جاهز لتفعيل قدرات الدول الاقتصادية على نحو يدعم القدرات التنموية الأفريقية، لكن نجاح التعاون مرهون بشرطين، الأول، ممارسة النخب الحاكمة الأفريقية حكماً رشيداً يقاوم الفساد وينحو باتجاه الشفافية والتحول الديمقراطي.

أما الشرط الثاني، فهو القدرة على التفاعل الهادئ مع المصالح الغربية بشكل لا يسبب صدامات قد تقوض المشروع الأفريقي ذاته. ولعل ذلك مرتبط بضرورة بذل مجهود مضاعف من قبل دول القارة الكبرى، مثل مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وكذلك غانا والسنغال في غربها. وربما يكون وعي الشباب الأفريقي الراهن بضرورات التحرر من كل أشكال الاستعمار الغربي الجديد، هو الوقود الدافع في المرحلة المقبلة لخلق الاندماج الأفريقي على النحو الذي نتمنى ألا تنتهي أعمارنا قبل أن نراه واقعاً معاشاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل