Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "ذو القرنين" الإندونيسي أيضاً قصة... هل كتبت نهايتها؟

الاطاحة به بعد عقدين من المطاردة وتخصيص الولايات المتحدة جائزة 5 ملايين دولار لمن يعثر عليه جرى إعلان

كثفت إندونيسيا جهودها واعتقلت عددا من قادة الجماعات الإرهابية على أراضيها (غيتي)

في وقت ذهل العالم من "ذي القرنين" الأميركي الذي ظهر في عملية اقتحام الكونغرس، كان الاندونيسيون يتوجسون أكثر من "ذي القرنين" آخر، ظل عنواناً للرعب في بلادهم منذ حين، وهو الذي كان يقود العمليات المسلحة ضد الأهداف الغربية والحكومية، لحساب "الجماعة الإسلامية" في جاكرتا.

ولئن كانت القرون أمام مؤسسة التشريع الأميركية، قروناً حسية أحدثت هولاً وتذمراً، فماذا عسى أن تكون قرون الإندونيسي "أريس سومرسونو" التي كانت قنابل ومتفجرات ورشاشات، حصدت أرواحاً مرات عدة؟ على غرار ما كانت تقوم بها تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، التي تنتمي جماعته المحلية إليها. هنا تروي "اندبندنت عربية" قصة "سونو" رجل بن لادن القوي عشرين عاماً في آسيا، خصوصاً في ماليزيا والفلبين واندونيسيا، وأقاليم "جاوه وسومطره وبالي".  

  إذا كان الأميركيون تمكنوا من إلقاء القبض على "ذي القرنين" الكونغرس في غضون ساعات، فإن الإندونيسيين، ظلوا عقدين من الاستنفار الحكومي بحثاً عن "ذي القرنين" بالي. هذا الرغم من كونه أكثر الشخصيات المطلوبة في إندونيسيا بتهمة الإرهاب، وكذلك في أميركا التي صنفته ضمن المطلوبين عالمياً، منذ حين، بوصفه أحد قادة الجماعة الإسلامية في إندونيسيا والعقول المدبرة لتفجير الكنائس في بالي وغيرها من التفجيرات، قبل أن تُظهر لقطات بثها التلفزيون الإندونيسي الرسمي قبل أسابيع نجاح السلطات في القبض عليه.

بداية الجماعة

تأسست الجماعة الإسلامية في أوائل التسعينيات على يد عبد الله سونجكار وأبو بكر باعشير، انطلاقاً من ماليزيا. وتهدف الجماعة إلى إقامة خلافة إسلامية في جنوب شرقي آسيا. وارتبط اسم الجماعة بعدد من العمليات التفجيرية في إندونيسيا والفيليبين وماليزيا منذ عام 1999. ومنها تفجيرات عيد الميلاد في عام 2000، التي استهدفت عدداً من الكنائس في أقاليم مختلفة في إندونيسيا. ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، فإن معظم أعضاء الجماعة من الإندونيسيين كانوا يعيشون في ماليزيا واشتركوا في الحرب ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. وربطت الجماعة علاقات وثيقة مع تنظيم "القاعدة"، إذ كان مدير العمليات في الجماعة الإسلامية المعروف بالحنبلي قريباً من شخصيات عدة في "القاعدة"، وسهل زيارات عدد من أعضاء "القاعدة" مثل خالد المحضار ونواف الحازمي إلى ماليزيا عام 2000. وكان المسؤول العسكري لتنظيم "القاعدة" محمد عاطف أحد الأعضاء الرئيسيين في تخطيط الجماعة الإسلامية للتفجيرات التي اكتشفتها السلطات في سنغافورة عام 2001 ومدها بالتمويل.

واستطاعت الجماعة جذب الشباب ذوي العرق الجاوي من الإندونيسيين والماليزيين، وعُرفت باستهدافها الغربيين المقيمين في الأرخبيل، لإضعاف الحكومة الإندونيسية وتوجيه رسائل مخيفة وواضحة إلى الدول الغربية والأجانب. وكان للجماعة عدد من المدارس الإسلامية في إندونيسيا، منها مدرسة المكمن التي تخرج منها "ذو القرنين" وعلي جفرون وآمروزي وعلي عمرون الذين ارتبطوا بتفجيرات في إندونيسيا.

ويشير الصحافي الأسترالي غريغ شيرين إلى امتناع إندونيسيا، في البداية، عن حظر الجماعة في البلاد، على الرغم من تصنيف عدد من الدول والمؤسسات الأممية الجماعة الإسلامية منظمة إرهابية. ورفضت إغلاق شبكة المدارس المرتبطة بها. وهو ما عرّض السلطات الإندونيسية للانتقاد. ولم تُحظر الجماعة في إندونيسيا إلا بحكم من المحكمة عام 2008 باعتبارها منظمة تسمح بالإرهاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقاد عبد الله سونجكار الجماعة حتى وفاته، وتولى من بعده القيادة أبو بكر باعشير، الذي اعتقلته قوات الشرطة الإندونيسية عام 2002 بعد تفجيرات بالي. ومن المفترض أن تنتهي عقوبته عام 2025. وأعلن باعشير في محبسه عام 2014 مبايعته تنظيم "داعش". ففي يوليو (تموز) من ذلك العام، أعلن ولاءه لأبي بكر البغدادي قائد التنظيم في وقتها، وأكد دعمه الخلافة وحث أتباعه على تأييد التنظيم.

وفي السنوات الماضية، داهمت القوات الإندونيسية بالتعاون مع الولايات المتحدة وأستراليا، شبكات الجماعة الإسلامية، وقتلت العديد من قادتها وصانعي المتفجرات، واعتقلت المئات من مقاتليها. وفي ديسمبر (كانون الثاني) 2020، ألقت السلطات القبض على ثلاثة وعشرين متهماً بالانتماء إلى الجماعة الإسلامية. وقضت محكمة إندونيسية في يوليو 2020 على أمير الجماعة الأسبق، عام 2009، بارا ويجايانتو بالسجن سبع سنوات لتحريضه على ارتكاب أعمال إرهابية.

من "ذو القرنين"؟

بعد نحو عشرين سنة من البحث والمطاردة، ألقت الشرطة الإندونيسية القبض على "ذي القرنين" قائد "الإرهاب الأسود"، واسمه الحقيقي أريس سومرسونو. ويطلق عليه بعض أتباعه داود. ويشير الجيش الأميركي والسلطات الإندونيسية إلى كونه مدير العمليات في الجماعة الإسلامية منذ اعتقال سلفه رضوان عصام الدين المعروف بالحنبلي، عام 2003 في تايلاند. 

"ذو القرنين" من القلائل في إندونيسيا الذين تربطهم علاقة مباشرة مع تنظيم "القاعدة". وحصل على شهادة في البيولوجيا عام 1980، وكان من بين أوائل الإندونيسيين الذين سافروا إلى أفغانستان للتدريب حتى صار خبيراً في الأعمال التخريبية وقائداً لفريق من المقاتلين يطلق عليهم "عسكر خوص" أو القوات الخاصة التي تضم نحو 300 مقاتل من الإندونيسيين الذين تدربوا في أفغانستان والفيليبين.

ويُوصَف "ذو القرنين" من قبل من يعرفونه بكونه رجلاً ضئيل الحجم وقليل الكلام. غير أن القيادة الأميركية تصنفه بأخطر قادة الجماعة الإسلامية الإرهابية في جنوب شرقي آسيا. وهو من ضمن قادة الجماعة الذين أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عام 2005 أسماءهم كمطلوبين، ووصفته برئيس العمليات العسكرية في الجماعة، وخصصت جائزة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يعثر عليه، وهو الآن الإندونيسي الوحيد الموجود ضمن قائمتها.

ويُعتقد أن "ذا القرنين" كان يرأس الفرقة التي ساعدت في تنفيذ التفجير الانتحاري في فندق ماريوت في جاكرتا في 2003، وأعد لتفجيرات بالي في 2002، كما أنه مسؤول عن هجمات إرهابية على الكنائس في عدد من المناطق في ليلة عيد الميلاد عام 2000.

وقال رئيس قسم العلاقات العامة في الشرطة الوطنية في إندونيسيا، كومباس أحمد رمضان، إن "ذا القرنين" هو "العقل المدبر لحادثة تفجير مقر إقامة السفير الفيليبيني في جاكرتا عام 2000 والتي قُتِل فيها شخصان، إضافة إلى هجوم انتحاري في 2004 على السفارة الأسترالية تسبب في مقتل تسعة أشخاص، وتفجيرات بالي في 2005 التي راح ضحيتها عشرون شخصاً.

ومنذ عام 2005، وُضِع "ذو القرنين" في قائمة عقوبات مجلس الأمن، لعلاقته بأسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة".

إندونيسيا تحارب الإرهاب

كثفت إندونيسيا جهودها واعتقلت عدداً من مخططي العمليات الإرهابية وقادة الجماعات الإرهابية على أراضيها. فقد تمكنت الشرطة في 2002 من القبض على علي عمروزي أحد منفذي تفجير بالي، وحُكم عليه بالإعدام. وفي يوليو 2016 قضى الجيش الإندونيسي على "أبي وردة" سانتوسو، قائد "جماعة مجاهدي إندونيسيا الشرقية".

وفي الفترة الماضية، شددت السلطات الإندونيسية إجراءاتها لمكافحة الإرهاب. فمنذ عامين تمت مراجعة قانون مكافحة الإرهاب وصادق البرلمان الإندونيسي على قانون مكافحة الإرهاب المُعدل، بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية استهدفت شرق جاوة وسومطرة. ومنح القانون الجديد السلطات التنفيذية مزيداً من السلطة. وصار التخطيط للعمل الإرهابي وفقاً للقانون جريمة يُعاقب عليها. ويحث القانون الجديد على حبس المشتبه في ارتباطه بالإرهاب لمدة تصل إلى أربعة عشر يوماً من دون توجيه تهمة إليه. وخصص القانون فصلاً لحماية ضحايا الإرهاب.

وفي ديسمبر 2020 حظرت الحكومة الإندونيسية "جبهة المدافعين عن الإسلام" المُتشددة، والتي يقودها رجل الدين رزيق شهاب العائد من منفاه منذ أشهر قليلة. ووفق القانون الذي حظر الجبهة، تُمنع أنشطة الجماعة وتُوَقف كل الفعاليات التي تنظمها. وأعلنت السلطات أن منع الجماعة يعود لرغبة جاكرتا في الحفاظ على عقيدة الدولة المدنية وحمايتها. وجمدت السلطات الإندونيسية حسابات الجبهة وأصولها.

تمويل وعودة

وقبضت الشرطة، أخيراً، على نحو ثلاثين شخصاً من المتهمين بالتورط مع "جماعة مجاهدي شرق إندونيسيا". وذكرت صحيفة "بيرنار نيوز" أن الجماعة الإسلامية تمتعت خلال السنوات العشر الماضية بتمويل خاص ومتخصصين يدربون في مدارسها على الرغم من كونها محظورة. ويظهر سعي الجماعة إلى استعادة النشاط من خلال استمرارها في جمع التمويل، وذكرت صحيفة "جاكرتا جلوب" نقلاً عن الشرطة الوطنية في أوائل ديسمبر الحالي أن الجماعة نشرت بعض صناديق التمويل والتبرعات في متاجر ومحطات وقود ومساجد في عدد من الأقاليم لجمع التمويل. وأكدت الشرطة أن الجماعة استخدمت هذا التمويل في تهريب الإرهابيين إلى سوريا للتدريب العسكري وشراء الأسلحة المستخدمة في الهجمات الإرهابية.

ويذكر محللون أن الاعتقالات في السنوات الماضية كانت ترتبط بشكل دائم بمن يُشتبه في انخراطه بتدريب غير قانوني على الفنون القتالية، وبممولي سفر أعضاء من الجماعة الإسلامية إلى سوريا، خصوصاً بين 2013 و2018، ولكن الوضع تغير في الوقت الحالي.

ويشير المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية الإندونيسية محمد توفيقو روهمان إلى أن الاعتقالات صارت ترتبط باحتمال استخدام العنف في المستقبل، إذ ينتاب الحكومة خوف من أن يُترَك أعضاء الجماعة من دون فحص، مما قد ينتج حدثاً كبيراً في المستقبل مثل استهداف الأجانب، خصوصاً أن لدى أعضاء الجماعة خبرة في التهرب من الشرطة، ولدى بعضهم خبرة في تصنيع المتفجرات كونهم تدربوا في سوريا.

ويعتقد سيدني جونز، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية في إندونيسيا، أن الجماعة حالياً في حالة من السبات، سواء في أنشطتها التعليمية أو التجنيدية، ويصعب عليها إعادة تنظيم نفسها. ولكنه يرى أن في إمكانها العودة في غضون 5 أو 10 سنوات مقبلة، مما يعني أن القبض على "ذي القرنين" على الرغم من أهميته إلا أنه قد لا يعني أن قصته هو وجماعته قد كتبت نهايتها!

وشهدت إندونيسيا البلد المتسامح، خصوصاً في إقليم سولاويسي الوسطي، أحداثاً طائفية بين مسلمين ومسيحيين في نهاية التسعينيات من القرن العشرين.

المزيد من تقارير