Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انقلاب البيت الأبيض!

"نردُ على من يقول، إن في آخر النفق نوراً: نعم إنه قطار يتجه نحونا" (سلافوي جيجك)

أحد أنصار ترمب يرتدي قناع غاز ويمسك تمثالاً نصفياً له بعد أن اقتحم مع مئات آخرين مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة (أ ف ب)

حقائق الإنسان غامضة، ورد فعله غير متوقع، هذا ما تقريباً يعرفه كثر، لكن هذا أيضاً يغيب عن كثر آخرين، ولهذا بدا مفاجأة لأنه مستبعد، ما حدث في واشنطن من اقتحام لمجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركيين. وما حدث وصفه مسؤولون أميركيون بالإرهاب أو بمحاولة انقلابية فاشلة، واعتبره الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بأن هذا كما حدث في دول الموز، هذا هو التقييم الأولي للحدث الأول، في السنة الجديدة 2021، ما جعل العالم لساعات، ينسى قنبلة كورونا الأكبر في تاريخ البشر الحديث.

على أي حال، لقد كان الرئيس المنتخب جو بايدن أكثر فصاحة، حين أشار إلى هشاشة الديمقراطية في أميركا وكل دولة، حيث هذه الملاحظة، توضح أمراً مهماً، أنه ليس من دولة لا يمكن فيها الانقلاب على ديكتاتورها، خصوصاً في الوقت الذي فيه الديمقراطية في حال خطر، انتبه له مفكرون في المركز الديمقراطي الغربي، وفي غير المركز.

إذاً، ما حدث تعبير صارخ عن هشاشة الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى أن أعداء الديمقراطية، نجحوا في الدولة العظمى في توصيل رئيس مثل دونالد ترمب، وهو الشخص الذي يمكن أن يُذكر بهتلر، مع فارق الزمن والمكان. ومحاولات الانقلاب على الديمقراطية، أسهمت فيه الولايات المتحدة في العالم طوال تاريخها، كما ألا أحد ينسى "ووترغيت"، كمحاولة تزوير كبرى في الانتخابات في العالم.

وهناك جانب آخر يؤكده الحدث، الذي جاء كما كورونا الانتخابات، إذ برزت حقيقة تخص كل البشر وكل الدول، وهي الانقسام، في ما هو جانب بنيوي في الدولة الحديثة، وهذا بغض النظر، عن تقدمها أو تخلفها، وقد كان أفضل حل لهذا المشكل البنيوي هو الديمقراطية، التي كما كانت حلاً هشاً، كانت من الممكن أن تسهم في الانقسام. ولهذا كان ترمب في تقديري تعبيراً فجاً عن الانقسام في أميركا، التي ليست دولة مثالية، لكنها تطمح إلى ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولذا فإن ترمب الشعبوي كان نجاحات مطردة للرأسمالية الأميركية التي تستبيح وتوظف الديمقراطية لتحقيق مكسبها، من دون اعتبار لدستور أو قيم إنسانية، وهي في الأخير تقدم أرقى نموذج لها، ما تمثل في الـ"ترمبية" الانقلابية، ما لها نماذج قبل في أوروبا القرن الـ20 من فاشية نازية، ما حدث في أميركا، الأربعاء الأسود، يقول إنه كما البشرية في خطر، فإن الديمقراطية الهشة في وقت خطر.

ودائماً كان الخطر يتلبس لبوس الديمقراطية، فالدفاع عنها والمحافظة عليها، وقد قام بذلك عتاة الفاشية، من انقلبوا على الديمقراطية، كان ذلك بدعاوى ديمقراطية، وحجة ترمب، ومن سماهم أعضاء مجلس الشيوخ العصابة، تزييف الانتخابات، وهذه الحجة رددها انقلابيون كثيرون في العالم من قبل، وهو ما يبين أن الديمقراطية أسلوب حياة مقدس، كل من يريد التنصل منها يكون بحجة الحفاظ عليها.

والدرس الذي يقدمه الانقلاب الـ"ترمبي"، أن الديمقراطية هشة حقاً، لكنها كذلك لأن المحافظة عليها أصعب من نيلها أو كما يقال. كذلك تؤكد أن البشر حين يكونون في خطر، تكون أفضل إنجازاتهم في خطر أكبر.

وحين تابعت ردود الأفعال، حول انقلاب ترمب، أجمع كثيرون على أنهم لم يباغتوا، وكشف آخرون عن أن أميركا ليست دولة كبرى حصينة، لكن ما يحدث محبط، لأن هؤلاء الذين يقفون ضد سياسات أميركية كثيرة، في الوقت نفسه يعتبرون أن هناك إنجازات إنسانية تمت في أميركا يأمل البشر في نجاحها. ومن هذا اعتبر ما حدث مفاجئاً، من ناحية أنه يهدد أمل البشر في المساواة والديمقراطية، ما لم تكن الولايات المتحدة نموذجها المثال، لكنها في حال تجاوز دول الموز، ما أسهمت الولايات المتحدة في أن تكون الدول اللاديمقراطية.

وعلى أي حال، إن الناظر الى حال العالم اليوم، سيلاحظ تراجع الديمقراطية، وهذا ليس مكسباً بل انتكاساً، وهذا تمثل في نماذج، هي كما أيقونة واحدة، وإن تعددت الأسماء: ترمب، بوتين، أردوغان.

حدث أميركا انقلاب البيت الأبيض في زمن كورونا، هذا أيضاً يوضح أن الجائحة، كالحروب توفر الفرص للانقلابيين وتجار الكوارث، وما حدث في أميركا، قد يكون جرس الخطر الذي يحيق بالبشر ما بعد كورونا.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء