Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الجزائري يستحضر شبح الأزمة الاقتصادية... لإرهاق الحراك

جهات عدة في السلطة لا تنفك تحذر من أن البلاد مقبلة على سنوات عجاف

تحاول السلطة في الجزائر إبعاد الحراك الشعبي عن مساره السياسي، وإغراقه في الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، من خلال التخويف من الحالة الاقتصادية التي أفرزتها الاحتجاجات التي بدأت منذ 22 فبراير (شباط) 2019. فجهات مختلفة في النظام لا تنفك تحذر من أن البلاد مقبلة على سنوات عجاف ثقيلة على الجزائريين، داعية إلى الاسراع في إيجاد حلول.

تغيير مطالب الشارع

استمرار الحراك الشعبي وضع السلطات في الجزائر تحت الضغط والارتباك. وهذا ما دفعها إلى البحث عن مخرج ينهي غضب الشارع أو يربكه ويُبعده عن مطالبه. وقد لجأت السلطة إلى استخدام العنف في التعامل مع المسيرات خلال الجمعة الثامنة. غير أن التصرف لم ينجح بعد توسع الغضب إلى رؤساء البلديات الذين عبّروا عن رفضهم المشاركة في تنظيم الانتخابات، بالإضافة الى معاناة حكومة نور الدين بدوي، ميدانياً، بعدما أصبحت غير قادرة على التحرك جراء الحصار الشعبي المضروب على تحركات الوزراء.
كما أن الاضرابات باتت تمس جميع القطاعات والمجالات.

ولتجاوز "العطل" الذي تعانيه السلطة، وبات يهددها، مع تمسك الشعب بمطالبه السياسية، لجأت "الجهات التي تدير البلاد من وراء الستار"، إلى حيلة جديدة لتوجيه الشارع وتغيير مطالبه من السياسة إلى الاوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، مستغلة اقتراب شهر رمضان الذي يتزايد خلاله طلب المواد الاستهلاكية فترتفع الأسعار.

ويشدد الخبير الاقتصادي عمر قاسمي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، على أن البلاد مقبلة على أزمة اقتصادية ومالية خطيرة. لكن، ليس بسبب الحراك الشعبي. ويقول إن سياسات الحكومات خلال السنوات الماضية تتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، مرجحاً لجوء السلطات إلى استغلال الوضع لانهاء الحراك الشعبي، أو حرفه عن مساره في الاقل.

المأكل والمشرب

وأكد وزير الفلاحة شريف عوماري أن برنامج تموين السوق باللحوم يلبي الطلب المتزايد على هذه المادة خلال شهر رمضان المقبل إلى حد كبير، واعطى تعليمات تتعلق بضرورة التعامل مع كل الانشغالات في زمن قياسي.

وقررت وزارة التجارة وضع حد لأسعار بعض الخضر والفواكه الواسعة الاستهلاك، لمنع ارتفاعها خلال شهر رمضان 2019، حفاظاً على القدرة الشرائية للمواطنين. ووعدت بتشديد الرقابة من أجل احترام الأسعار.

قرار طبع النقود يعود للواجهة

وفي سياق جذب اهتمام الشارع، فجّر بنك الجزائر، أعلى هيئة مالية في البلاد، قنبلة من العيار الثقيل، بعد إصداره تقريراً يتبرأ فيه من مسؤولية قرار التوجه نحو التمويل غير التقليدي، وإلقاء تبعاتها على الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، الذي استقال بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية.

وقال البنك إنه كان ضد التوجه الخطير وتفضيل الحلول الآنية بعيداً من التفكير في انعكاسات تلك الخطوة على اقتصاد البلاد، كارتفاع معدلات التضخم وانهيار قيمة الدينار، مشيراً إلى رفض أويحيى الحلول البديلة التي تقدم بها البنك.

وبحسب آخر توقعات صندوق النقد الدولي، تسير الجزائر نحو أزمة اقتصادية حقيقية، ومن المتوقع أن تتراجع نسبة النمو خلال العام الحالي إلى 2.3 في المئة، وإلى 1.8 في المئة في 2020. ورأى أن إفراط الجزائر في الاعتماد على التمويل غير التقليدي باستمرار طباعة النقود، يجعلها تتجه مباشرة نحو أزمة مالية، خصوصاً عقب طبع ما يعادل 40 مليار دولار من العملة المحلية في العام الماضي، مع توقع فقدان الدينار نحو 25 في المئة من قيمته خلال الشهور المقبلة.

رحيل المتسببين

على الرغم من أن قرار طبع النقود قديم، جرى التستر على سلبياته ومخاطره، ليتم الكشف عنه في خضم الحراك الشعبي بهدف توجيه الرأي العام الداخلي نحو مخاوف اقتصادية تكون أثارها قوية على الجانب الاجتماعي. ويفسر المحلل السياسي إسماعيل موسوني، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، ذلك بمحاولة السلطات جر الحراك الشعبي إلى المطالبة بعناوين اجتماعية واقتصادية، لتجاوز المطالب السياسية التي وضعت وجوه النظام أمام واقع مر.

ولاحظ أن الحديث في "وسائل الإعلام المعروفة بانبطاحها لنظام عبد العزيز بوتفليقة وفتح أبوابها لمن يدفع أكثر، بات لافتاً بعدما كان الحراك سيد الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع. ويقول إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تروج السلطات لخطره، يتحمل تبعاته المسؤولون الذين يطالب الشعب برحيلهم. وعليه، فإن توجيه الحراك الشعبي عن مساره السياسي نحو الاقتصادي والاجتماعي غير ممكن، لكن تحويله نحو الفوضى والعنف بات وشيكاً بعد أحداث الجمعة الثامنة.

واصبح المشهد الاقتصادي في الجزائر ضبابياً مثل المشهد السياسي. فعلى الرغم من رحيل الرئيس بوتفليقة عن السلطة، فإن استمرار رموز نظامه يهدد الشارع بمزيد من الاضطرابات التي ستنعكس على الوضع الاقتصادي الذي يتحمل مسؤولية هشاشته الأشخاص الذين خرج الشعب الجزائري مطالباً برحيلهم.

على الرغم من أن ستة أسابيع من التظاهرات كانت كافية لإطاحة الرئيس بوتيفليقة، فإنها لم تنجح في تفكيك نظام سياسي "فاسد يتلاعب بثروات البلاد لمصلحة فئة من رجال الأعمال". ومع استمرار المسيرات والاضرابات خلال الأيام المقبلة فمن شأن ذلك أن يدفع الاقتصاد إلى السقوط الحر. لذا يتطلب تجنب الأزمة الاقتصادية حكومة متخصصة تتمتع بالدعم الشعبي، وحسب الوضع الذي تعيشه الجزائر فان ذلك لن يتحقق قريباً.

المزيد من العالم العربي