Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يبحث عن حاضنة سياسية واقتصادية دولية لرفع نير أزماته

عدم استقرار الحكومة الانتقالية يعيق الاتجاه غربا بينما تقف معرقلات عدة في طريق العودة إلى أحضان الصين

لجأ السودان في الماضي إلى الصين لتعويض النقص الذي نجم عن إحجام الاستثمارات الغربية (حسن حامد - اندبندنت عربية)

ينتظر السودان جني ثمار الاستحقاقات التي يُفترض أن تلي رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعلى رأسها حل الأزمة الاقتصادية عبر الإعفاء من الديون ودخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وغيرها من الخطوات، إضافة إلى حل الأزمة السياسية وإعادة التموضع السوداني ضمن المجتمع الدولي من خلال تسهيل إجراء الانتخابات وإقامة نظام ديمقراطي في الخرطوم. وفي الواقع، قد يطول الانتظار بسبب الاختلافات الناشئة من وقتٍ إلى آخر بين شركاء الحكم، ما قد يؤرجح الحكومة الانتقالية بين قوى الشرق والغرب. وكان هناك بُعد مهم في العلاقات الأميركية - السودانية قبل قطعها في عهد النظام السابق، يتعلق بالمصالح النفطية، إذ ظل اقتصاديون وسياسيون حتى في ظل "نظام الإنقاذ" (تحت حكم الرئيس السابق عمر البشير) يرغبون في عودة الشركات الأميركية ويعترضون على التعاون بين "حزب المؤتمر الوطني" الحاكم و"الحزب الشيوعي الصيني"، وتغلغل الشركات الصينية التابعة للدولة في الاقتصاد السوداني. وفي هذه الظروف، وبعد إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يرى هؤلاء أن الشروط السياسية تحققت، وبقي الجزء الآخر من المعادلة.
تعاون غير مشروط

وإذا كانت العقوبات الدولية حرمت قطاعات مهمة في السودان طيلة العقود الماضية، من قطع الغيار في قطاعَي النفط والنقل بأنواعه مثلاً، فإن هناك آثاراً أخرى مترتبة وهي الحرمان من التكنولوجيا والمعدات العسكرية الأميركية المتطورة. ولجأ السودان في تلك الفترة إلى الصين لتعويض النقص الذي نجم عن إحجام الاستثمارات الغربية. فالتعاون مع الصين لم يكن على درجة من الصعوبة. وعلى الرغم من الفائدة الاقتصادية التي جناها السودان من البديل الصيني، إضافة إلى عدم التشويش على عمل النظام السوداني السابق عبر وضع شروط سياسية من ضمن شروط أخرى تفرضها عادةً الدول الغربية، في ما يتعلَّق بحقوق الإنسان وإشاعة الديمقراطية والحريات؛ فإن الصين راكمت ديوناً على السودان جراء القروض التي تراكمت فوائدها، إضافة إلى مشاريع جاءت أولاً بشكل مِنح من "الحزب الشيوعي الصيني"، مثل القصر الرئاسي ودار حزب المؤتمر الوطني وغيرهما، دُونت الآن في بند القروض من دون فوائد. والسبب في ذلك على الرغم من الطفرة النفطية، هو عنصر الفساد وتواطؤ الشركات الصينية مع النظام السابق وتفشي الرشاوى بين الشركتين المملوكتين للدولتين الصينية والسودانية.


تهرب من الالتزامات

وظل النظام السابق يتهرب من التزامات سداد ديونه بشكلٍ عام وللصين بشكل خاص. وكان النظام السابق يسارع عندما تشتد مساءلة الصين، إلى عرض مزيدٍ من فرص الاستثمار في مقابل إيجاد تسوية وجدولة الديون محكومة بفترة زمنية تزيد نسبة فوائدها لبكين كلما زادت المدة. وأثرت تلك الإجراءات الملتوية سلباً على قيام مشاريع حيوية في السودان كانت مُجازة سابقاً. كما تراجعت الصين عن ربط الجنيه السوداني باليوان الصيني الذي كانت اقترحته كبديل للسودان بسبب حرمانه من التعامل بالدولار في ظل العقوبات الأميركية، كما كانت فرصةً للصين لتدويل عملتها. ولكن بعد دخول اليوان الصيني سلة العملات الأجنبية لم تعد بحاجة إلى ذلك، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان.
وتوالى رفض الصين تمويل وإقامة مشاريع جديدة في السودان، فضلاً عن توقفها عن تمويل مشاريع كانت شرعت في تنفيذها، وذلك بسبب عجز النظام السابق عن الإيفاء بالتزاماته في السداد. وأسهم في ذلك انفصال الجنوب عام 2011 وذهاب 75 في المئة من النفط لدولة الجنوب، بينما يقع ما تبقى من النفط في منطقة أبيي المتنازع عليها، وفاقم من صعوبة الاستفادة منه هو أن هذا النزاع الذي كان داخل دولةٍ واحدة بين قبيلتَي المسيرية ذات الأصول الشمالية، والدينكا الجنوبية، تحوَّل إلى نزاع بين دولتين.

حاضنة سياسية واقتصادية

 ما يهم السودان هو مقدار ما قد يحصل عليه بعد مخاض طويل نحو الديمقراطية باعتبارها مفتاح حلقات الانفتاح السياسي والاقتصادي على العالم. وبعد أن كان السودان قد تأقلم مع الصين إبان ذروة تشكيل دورها وفرض سيطرتها الاقتصادية، كانت الولايات المتحدة في الوقت ذاته قد توصَّلت إلى اقتناع بضرورة التكيُّف مع دورها الجديد والتعاون الاقتصادي مع بكين، مع الحفاظ على حالة التصادم بينهما بين فترة وأخرى في بحر الصين والمناطق الاستراتيجية حيث لأميركا مصالح مع خفوت الصدام حول الدول الأفريقية. وانشغلت الولايات المتحدة بصد تحالف الصين مع دول مؤثرة بإمكانها إعاقة التقدم الأميركي نحو إقامة علاقات دولية قوية. لذا لم تبالِ واشنطن كثيراً بتعاون الصين مع السودان، ولا مع أي من الدول الأفريقية، على الرغم من تحذير المحللين السياسيين الأميركيين من نهضة الصين وسيطرتها على أفريقيا.

ما يشغل الحكومة الانتقالية في السودان في سياستها الخارجية، هو البحث عن حاضنة سياسية واقتصادية أكثر من التفكير في النمو الداخلي الجذري أو إقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف. فما زالت ممارسة السياسة الخارجية، تعاني من التجاذبات والتطوع بتقديم الميول، من دون وضع سياسة متوازنة قائمة على المصلحة الوطنية. لذلك نجد أن السودان وفي حال اتجاهه نحو تنظيم انتخابات بعد انقضاء الفترة الانتقالية، مهيأ إلى الاتجاه غرباً بحكم أنه يحقق أحد مقتضيات التحول الديمقراطي، وبذلك يكون منسجماً مع الغرب. أما في ما أُثير من شكوكٍ حول احتمال تمديد الفترة الانتقالية وإعاقة التحول الديمقراطي من بعض القوى السياسية التي تتداول المناصب الآن، فستكفّ يد الغرب عن تقديم أي مساعدات، وفي ظل اشتداد الأزمات مع ما يمكن أن تقدمه الصين من تسهيلاتٍ فعليةٍ مبنية على تقاسم المنافع، فقد تضطر الخرطوم إلى التفكير في الميل نحو بكين مرةً أخرى، ولكن لا يُتوقع النجاح لتلك الخطوة المحتملة، إذ إنها محفوفة بمخاطر عدة.


ضبابية التوجه
وعلى الرغم مما يشوب توجه الحكومة الانتقالية من ضبابية، خصوصاً لدى "قوى الحرية والتغيير" التي تميل أكثرية قواها إلى اليسار، فإن ما يعضد اتجاهها نحو الغرب هو أنها عاشت في كنف المنظمات الغربية سواء عاملة أو لاجئة سياسياً. وتكمن الفكرة كلها في ما يمكن أن يحققه الغرب ومنظماته وما يمكن أن يقدمه للحكومة السودانية من منح ومساعدات. وتعتقد هذه القوى أن بمقدورها التأثير في النشاط السياسي لتحقيق هذا الهدف. وتذكر الأحداث القريبة أن أحد قياديي الصف الأول في "قوى الحرية والتغيير" والذي كان لاجئاً سابقاً قاد حملةً سياسيةً نشطة من أمام البيت الأبيض في أواخر عهد النظام السابق ضد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وصادف تلك الاحتجاجات تعنت وتحدي الرئيس السابق عمر البشير لكل التحركات الأميركية لإدانته بالجرائم المرتكبة في إقليم دارفور والتعديات على حقوق الإنسان، إضافة إلى شروطٍ أخرى مقابل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عوامل التوجه غرباً

وفي الوقت الحالي، هناك أربعة عوامل تعيق ترجيح السودان لخيار الصين، وميله إلى الغرب، أولاً، يمكن للغرب أن يمنح السودان قروضاً ويسهل له الاستثمارات سواء بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة من خلال علاقاته الإقليمية، ويجدول الديون بطريقة شفافة من غير أرباح إضافية. ثانياً، إن التعامل مع الصين وعلى الرغم من أنه كان مفيداً في بداياته لولا تعرض عائدات البترول لضرر كبير، فإنه في النهاية أورث السودان ديوناً ضخمة وكلف الاقتصاد السوداني الضعيف ثمناً باهظاً، إذ كانت نتيجة استخراج النفط واستيلاء "حكومة الإنقاذ" على عائداته هي، انفصال الجنوب وذلك عبر تنبيه شركاء الحكومة السابقة من قادة "الحركة الشعبية لتحرير السودان" إلى أن هذه الثروة تُستخرج أمامهم ومن أراضيهم، من دون أن يكون للجنوب نصيب منها في التنمية. ثالثاً، إن تجربة عمل الشركات الصينية المملوكة للدولة في السودان هو أنها أسست لنوعٍ من السيطرة الناعمة أو ما يشبه "اللوبي"، يصعب تجاوزه أو إبعاده عن ساحة الاستثمار النفطي والزراعي وفي البنية التحتية، وحرم ذلك شركات أجنبية أخرى من العمل في البلاد، كما حدد عمل الشركات المحلية. رابعاً، إن الصين وإبان دخولها الاستثمار في السودان، كانت متعطشة للموارد، والآن بعد اكتفائها النسبي ونجاحها في تنويع مصادرها، باتت تعتمد على الانتقاء والاختيار المضمون، ولن يكون السودان بوضعه الحالي خياراً مفيداً لها.

حدة التناقض

إن الوضع الحالي للحكومة الانتقالية التي تعاني من اللااستقرار وتفاقم الأزمة الاقتصادية، يساهم في زيادة حدة التناقض في العلاقات الأميركية- السودانية. وتحمل الفترة المقبلة تطوراً يمكن أن يعمل في اتجاهين، إما سلباً أو إيجاباً، بحسب الاستعداد للتحول الديمقراطي وتفعيله. والأهم من ذلك هو وجود نمطٍ صارمٍ لمنظومة قيم وسلوك حكم جديد، فالنظام الإسلامي لم يكن يجد حرجاً في التعامل مع الصين الشيوعية التي تستبعد أيديولوجيتها وتتعامل ببراغماتية مُطلقة عندما يتعلق الأمر بالاستثمار والتنمية، بينما تعقدت الأمور كثيراً في تعامله مع الغرب.
ما من شك في أن التقارب الصيني- السوداني يكتسب أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويقع في إطار التقارب الصيني- الأفريقي لأنه في داخل السودان يهتم بالموارد، التي مهما طال أجلها فهي في النهاية موارد ناضبة ويمكن للصين أن تكتفي منها أو تنوع مصادرها ببناء العلاقات مع أكثر من جهة. ولكن الشيء الأكثر أهمية، وما يشغل بال الصين وأميركا، هو المجال الحيوي للسودان، الذي قد يجري على مسرحه جزءٌ من التنافس المقبل بينهما.

المزيد من تحلیل