في أي مرحلة تدهورت الأمور؟ ما زال الظلام يخيم فيما أقود سيارتي متجهة في رحلة العودة الطويلة إلى المنزل بعد انتهاء نوبتي الليلية. وحتى مع الجو القارس، فتحت كل نوافذ السيارة أملاً في أن تكفي نسمات الهواء التي تلفح وجهي كي تبقيني متيقظة.
بشكلٍ من الأشكال، وجدنا أنفسنا وقد عدنا إلى النقطة نفسها التي بلغناها في أبريل (نيسان) الماضي في هيئة الخدمات الصحية الوطنيةNHS . غير أن الوضع هذه المرة أسوأ بعد. إذ يقبع في مستشفياتنا البريطانية عدد أكبر من المرضى المصابين بكوفيد-19 من أي وقت مضى.
يا ليتني أستطيع أن أريكم ما يجري داخل مستشفيات مناطق الجنوب الشرقي (لإنجلترا)، هو وضع لا يشبه أي شيء شهدته خلال مسيرتي المهنية على الإطلاق. ولو قلت لكم إن أقسام الطوارئ تفيض بالمرضى، فذلك لا يكفي لوصف المشهد. المرضى في كل مكان. ينقبض قلبي حين أرى سيارات الإسعاف التي تصطف حول ناصية الشارع.
احتل كوفيد أقسام الإنعاش. علينا في أغلب الأحيان أن نؤمن أجهزة التنفس للمرضى في أقسام الطوارئ، بسبب عدم وجود أي شواغر في وحدة العناية الفائقة في الطابق الأعلى. يبذل فريق كامل كل ما في وسعه من أجل تخصيص أماكن لأعداد المرضى الإضافيين. لكن حتى هذه الأماكن قد امتلأت.
أدى ذلك إلى سعي محموم من أجل العثور على سرير عناية فائقة في أي مكان، لمحاولة نقل المرضى وتخفيف الضغط عن الجنوب الشرقي. طُلب من أطباء العناية الفائقة أن ينقلوا المرضى حتى إلى أماكن بعيدة مثل يوركشاير (في وسط إنجلترا).
لم يتسن لنا أن نعرف بعد، ما هو أثر الاختلاط الذي جرى في فترة عيد الميلاد. لكن طاقم هيئة الخدمات الصحية الوطنيةNHS يخشى ما سيأتي في يناير (كانون الثاني). وحتى من دون هذا، تزداد الإصابات فيما ينتشر الفيروس المتحور ويزيد الوضع سوءاً.
لكن أخيراً، ظهر بصيص أمل في نهاية النفق. بث الإعلان عن لقاح أكسفورد-أسترا زينيكا أخيراً الارتياح في هيئة الخدمات الصحية الوطنية. هذا إنجاز هائل بالفعل، تم خلال فترة قصيرة جداً، إلى جانب لقاح فايزر- بيونتك. بالنسبة لمن يعمل في الصفوف الأمامية مثلنا، نريده أن يصل بأسرع وقت ممكن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يفاجئكم أن تعرفوا أن العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية لا يشكلون حالياً جزءاً من المجموعة التي لديها الأولوية من أجل تلقي لقاح كوفيد-19.
هذا خطأ كبير يجب إصلاحه فوراً، لكي يكون لدينا أمل في مكافحة انتشار الإصابات في الأسابيع القادمة بفعالية. لا يمكننا أن نتحمل زيادة الضغط على القوى العاملة التي تعاني أساساً بسبب ارتفاع إضافي في نسبة المرض بين العاملين.
وصل النظام بالفعل إلى نقطة الانهيار، وكذلك الحال بالنسبة لموظفيه. يسود قلق حقيقي من أن إجراءات معدات الوقاية الشخصية المخففة أساساً لن تؤمّن لهم حماية فعلية من السلالة الجديدة للفيروس. فقدنا أكثر من 650 زميل عمل حتى الآن. والخوف والإنهاك واضحان.
لكن في الوقت الذي يحتاج إليه طاقم هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى الدعم أكثر من ذي قبل، يبدو أنه ينسل من بين أيديهم. لقد أزيلت بالفعل الإجراءات التي وضعت بهدف دعم العاملين.
والأسوأ بعد، أن الأطباء الذين يحاولون أن يتكلموا عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُقابلون بالمعلومات الكاذبة وحتى الإساءة. هذا الصباح، رأيت أشخاصاً يخططون لحفلات ليلة رأس السنة على وسائل التواصل الاجتماعي في حركة تمرد مكشوفة. كنت مرهقة واجتاحتني رغبة بالبكاء. لو رأى الناس ما أراه يومياً على الخطوط الأمامية لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، وشاهدوا بأم العين الضرر، الذي يمكن أن يتسبب به كوفيد-19، هل سيحصل هذا؟
لا يميز الفيروس بين الناس. يأتي إلينا جميعاً الصغير والكبير، والقوي حتى لمن يتمتعون بأجسام قوية وصحتهم جيدة، وهم يعانون بسبب التنفس (في المستشفيات)، ولا يكون لنا أي خيار سوى ربطهم بأجهزة التنفس الاصطناعي.
ينفطر قلبي حين أتذكر حديثاً أجريته مع طبيب في الولايات المتحدة عالج أفراد عائلة كاملة لإصابتهم بكوفيد-19. خالفوا التعليمات وأقاموا عزيمة للجميع لمناسبة عيد الشكر. قد يكون في منزلهم عدة مقاعد شاغرة العام المقبل.
كثير من زملائي منهارون. استقبلت العام الجديد عند منتصف الليل هذه السنة في وحدة العناية الفائقة. لكن على الرغم من كل أملنا بسنة جديدة في 2021، لا يسعني إلا الخوف من أن الوضع سوف يسوء قبل أن يعود للتحسن.
لكن الصحة النفسية للموظفين وصلت إلى الحافة بالفعل. في غياب مزيد من الدعم، سوف نواجه جائحة جديدة من الإنهاك والانهيار التام والأذى النفسي في صفوف العاملين في الرعاية الصحية في نهاية المطاف.
سوف تكون هذه السنة تلك التي يرغبون بنسيانها دون أن يمكنهم ذلك.
(تشغل الدكتورة سامانثا بات-راودن منصب كبيرة الأطباء في طب العناية الفائقة ورئيسة جمعية الأطباء في المملكة المتحدة)
© The Independent