Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقد "ستاتيكو" الكبار وقوى "التغيير" الإقليمية

هل الحفاظ على الاستقرار مع الظلم والتغيير من السيّء إلى الأسوأ هما قدر البشرية؟

كانت الدول الصغيرة والمتوسطة تأمل في تراجع أميركا عن الانسحاب من قضايا العالم (أ ف ب)

الزمن لا يقرأ أوراق الروزنامة. ولسنا في تسليم وتسلّم بين عامين بل في مجرى زمن جارف، لا يمكن رسم خط على سطح طوفانه. فلا سنة 2020 التي سُمّيت "سنة كورونا" و"أم الكوارث" انتهت، بمقدار ما هي مستمرة في سنة 2021، كما كانت استمراراً لسنة 2019. ولا ما نستشرفه هو مجرد "حول" على طريقة زهير بن أبي سلمى الذي سئم الحياة بعد "80 حولاً"، بل حقبة كاملة هي الثالثة في القرن الـ21. الحقبة الأولى شهدت انتصار الديمقراطيات، الثانية شهدت التراجع عنها إلى السلطوية والشعبوية. ولا أحد يعرف إن كنّا سنشهد في الحقبة الثالثة تطوراً إلى الأمام أو مزيداً من التراجع على طريقة الحقبة الثانية.

ذلك أن التطور المؤكد هو إنتاج اللقاحات ضد كورونا وبدء التطعيم بها. والتغيّر الملموس هو تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أقوى منصب في العالم يوم 20 يناير (كانون الثاني). والكل ينتظر ما يمكن أن يغيّره بايدن في سياسات الرئيس دونالد ترمب، ويستعد للتعامل مع المتغيرات المفيدة له ومواجهة المتغيرات المضرة به. الكبار قبل الصغار. وإذا كانت الدول الصغيرة والمتوسطة تأمل في تراجع أميركا عن الانسحاب من قضايا العالم، وبعضها يراهن، مثل طهران على العكس، وهو دفع أميركا إلى الانسحاب من "غرب آسيا"، فإن ما يراهن عليه الكبار هو الشراكة مع أميركا من دون التخلي عن التنافس والخلاف. وإذا كان بايدن يشكّل إدارة متنوعة الأعراق والألوان على "صورة المجتمع الأميركي"، فإن ما فعله الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين هو ترتيب حكومة على صورة كل منهما. أولويات بايدن هي "الانحباس الحراري ومكافحة كوفيد-19 والتعافي الاقتصادي والعدالة اللاعنصرية". وهي في رأي وزير الدفاع سابقاً روبرت غيتس "مواجهة تحديات الصين وبلدان أخرى والتهديدات العابرة للدول وإعادة الانخراط مع أصدقاء أميركا وحلفائها وتجديد مشاركتها في المؤسسات الدولية والاعتماد أكثر على وسائل القوة غير العسكرية". وأولويات شي وبوتين هي تثبيت المواقع على قمة العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"قوة تغيير"

لكن القاسم المشترك بين أميركا والصين وروسيا هو أنها صارت عملياً "قوى ستاتيكو". الصين كانت ولا تزال قوة حفاظ على الاستقرار الذي يضمن مصالحها في العالم. روسيا، حتى بالتدخل العسكري في حرب سوريا، تلعب دور "قوة ستاتيكو" وحفاظ على النظام. وأميركا التي لعبت دور "قوة تغيير" أيام رهان الرئيس الأسبق باراك أوباما على "الإخوان المسلمين" في ثورات ما سُمّي "الربيع العربي"، عادت بعد فشل الرهان مع أوباما نفسه ثم مع ترمب، وستكون مع بايدن "قوة ستاتيكو".

أما من يلعب دور "قوة التغيير"، فإنها القوى الإقليمية، خصوصاً إيران وتركيا وإسرائيل، إذ هي تستغل تراخي الكبار أو تلجأ إلى التراضي معهم لمدّ النفوذ خارج حدودها. إيران تلعب في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة. تركيا تلعب في سوريا والعراق وليبيا وقطر وشرق المتوسط والقوقاز. وإسرائيل تقدم لها أميركا "اتفاق ابراهيم" للسلام مع الإمارات العربية والبحرين والسودان والمغرب، بحيث صارت على الحدود مع إيران، رداً على وقوف طهران على الحدود مع إسرائيل في سوريا ولبنان وغزة. والواقع أن الشرق الأوسط لا يزال مهماً بالنسبة إلى الصين وروسيا وأميركا. فالحاجة، لا سيما الصينية والأوروبية، إلى النفط لا تزال كبيرة ولوقت طويل. واتفاقات السلام لن تكتمل في أسواق مزدهرة من دون تسوية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس "حل الدولتين"، وفق قرارات الشرعية الدولية. ومدّ النفوذ الإقليمي خارج الحدود سيقود حتماً في النهاية إلى مقاومة وانفجارات، ولا يمكن أن يستمر. لا في ليبيا ولا في العراق وسوريا ولبنان.        

 الحرب الباردة     

أيام صراع الجبارين، مارست ألمانيا مع روسيا مقاربة عنوانها "تغيير ضمن التقارب" لكسر حدة الحرب الباردة. وعام 2008، دعا وزير الخارجية الذي هو اليوم رئيس الدولة فالتر شتاينماير إلى "نظام سلام أوروبي من الأطلسي إلى فلاديفوستوك". وهذا لم يحدث طبعاً.                         

في كتاب "نفق الحمام" لـجون لو كاريه، واسمه الأصلي ديفيد جون مور كونويل، يستذكر المؤلف مغامرة والده في مونتي كارلو. يتذكّر "أنفاقاً صغيرة في النادي الرياضي تندفع فيها أسراب حمام نحو البحر كأهداف لرجال الرياضة الصيادين، والحمائم التي تبقى حية تعود إلى مكان ولادتها على سطح الكازينو حيث ينتظرها الفخ نفسه". أليس مثل هذا ما تفعله بالشعوب "قوى الستاتيكو" و"قوى التغيير" معاً؟ وهل الحفاظ على الاستقرار مع الظلم والتغيير من السيّء إلى الأسوأ هما قدر البشرية؟                  

نهر الزمن كفيل وحده بأن يجرف الكثير. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل