Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون وطاقمه لا يتعلمان من أخطائهما التي ندفع ثمنها

بريطانيا مكان يملؤه الخوف، لكن ينبغي أن نقلق من الخليط الكارثي الذي تقدمه الحكومة من الشعور بالرضى عن نفسها بالإضافة إلى الجائحة 

الحكومة كانت بوضوح تفقد السيطرة على الأزمة منذ سبتمبر فصاعداً (أ ف ب وغيتي)

وصل الخوف إلى ذروته في بريطانيا حالياً ولسبب جيد جداً. فهناك الكثير مما ينبغي أن نخشى منه طالما بات من الواضح أن كوفيد- 19 كان قادراً على التعلم من تجاربه على نحو أسرع من بوريس جونسون المتلعثم وفريقه الذي يضم وزراء ومسؤولين من الدرجة الثالثة، خلال عام مأساوي تأرجحوا فيه بين الذعر والشعور بالرضى عن الذات.

أفرزت عملية التحوّل الشبيهة بالانتخاب الطبيعي أقوى نسخة للفيروس أشد ضراوة من سابقاتها في غزو مضيفيه من البشر. وهذا التحسن السريع  في قدرة الفيروس على الانتشار تتناقض مع  التعثر المتكرر لحكومة جونسون منذ قلّلت أول الأمر من أهمية الوباء في فبراير (شباط) ومارس (آذار).

وأدى ذلك إلى ضمان تعرض البلاد لإغلاق استمر 11 اسبوعاً كانت له آثاره المدمرة اقتصادياً. مع ذلك، كان من الممكن تسويغه جزئياً بسبب الطبيعة غير المسبوقة للأزمة، لو أن الحكومة لم ترتكب الغلطة نفسها بالذات في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، مسببة في المرتين نتائج كارثية متشابهة (إضافة إلى الإغلاق العام الثالث الذي بدأ العمل فيه هذا الأسبوع). وكانت السمات المشتركة الوحيدة في نهجها خلال العام اتّباع أساليب الهواة الذين تنقصهم الخبرة والاحترافية من جهة، وعدم الانسجام من جهة ثانية.

الخوف جزء لايتجزأ من أي وباء يمثل تهديداً للحياة. هكذا كان الوضع دوماً في حالات تفشي الأمراض في الماضي من الطاعون الدبلي إلى الكوليرا وشلل الأطفال. إن خطر الموت والإصابة بأذى خلال الجائحة أكثر شيوعاً منه في أوقات الحرب.

الشعور بالخوف الذي ينتاب المرء في ظروف كهذه يتعرض للقدح في وسائل الإعلام التي تعتبر أنه يقف قاب قوسين أو أدنى من الجبن، بيد أنه أساسي لكونه الطريقة الوحيدة لتعبئة مجموعات السكان كلها للمساهمة في العمل المشترك ولإقناع الأفراد بتقديم التضحيات لخدمة الصالح العام.

ويشكل التلاعب الركيك، وعلى نحو يؤدي إلى نتائج معاكسة، بمشاعر الخوف لدى الجمهور، الشطر الأكبر من الملحمة المؤسفة للاستجابة المخزية للجائحة من جانب الحكومة. هكذا سعت في أوائل العام إلى التقليل من شأن المخاوف العامة لأنها استخفت بالتهديد. وباعتبارها حكومة لاتفعل شيئاً بالتزام وهِمة كاملين بل تتعامل مع كل شيء بشكل يفتقر إلى الحماسة، فقد اختارت "مناعة القطيع" ولم تخترها في الوقت نفسه. هكذا حضر جونسون مباراة الركبي بين فريقي إنجلترا  وويلز في 7 مارس، كما سمح لمهرجان تشلتنهام الذي حضره جمهور مؤلف من 250 ألف شخص بالانطلاق بعد ثلاثة أيام من المباراة.

والواقع أن الترويج لـ"مناعة القطيع" يستدعي التقليل من أهمية مخاوف الجمهور من خطورة المرض. وعليه فقد وجهت هذه التجمعات الكبيرة في مارس للناس رسالة مفادها أن كل شيء على مايرام وليس هناك ما يدعو إلى القلق. ولحسن الحظ فإن الناس لم يصدقوا ذلك، لا سيما أنهم كانوا يرون الحكومات كلها منهمكة في تطبيق الإغلاقات في شتى أنحاء أوروبا. وبحلول الوقت الذي أخذت الحكومة تشعر فيه بالهلع جرّاء التنبؤ بوقوع مئات الآلاف من الوفيات، وفرضت الإغلاق في 23 مارس، كان الناس عموماً قد أعربوا قبلها عن الرغبة( في إغلاق البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تلك اللحظة بالذات ارتكبت الحكومة خطأ فادحاً في تصور المزاج العام، كما أعتقد. فقد كان المعدل المرتفع للامتثال لقواعد الإغلاق بين الناس ناجماً عن شعور حقيقي لديهم بالخوف من الفيروس. وكلما خرجت لأمارس رياضة المشي كنت أسير عبر شوارع مهجورة بالكامل، فيما كانت السيارات المركونة تدل على أن الناس كانوا يلزمون بيوتهم. وقد ذكرني ذلك الهدوء الذي يشبه صمت القبور بالجو المخيم على بيروت وبغداد قبل ساعة أو اثنتين من تعرضهما لقصف مدفعي أو غارة جوية.  

في هذا السياق، أعطى الامتثال الواسع للقيود على نحو غير متوقع جونسون  ووزراءه انطباعاً كاذباً بأن كان بمقدورهم التحكم في سلوك الناس على نحو أكبر مما يستطيعون في الواقع، لا سيما أن الدافع الحقيقي وراء التقيد بالإغلاق لم يكن تبنّي الحكومة له. غير أن الوزراء لم يروا الأمر بهذه الطريقة، فمضوا في المبالغة بإبراز مشاهد الموت الذي كان يحصل فعلاً على نطاق واسع في المستشفيات، وكأنها تمهد لأهوال مقبلة أشد سوءاً ولانهيار وشيك للخدمات الصحية.

مع أن الوضع كان سيئاً فعلاً، فهو لم يكن تماماً من نوع الانهيار الشامل خلال حرب القرم والذي كان يُعرض أمامنا ليلة تلو أخرى. لم تكن هناك حاجة لبث المزيد من الخوف في نفوس الناس الذين كانوا يشعرون سلفاً بالهلع الشديد. كما أن المبالغة في تصوير الأهوال تلك انطوت على المجازفة بتجريد عامل الخوف نفسه من الصدقية إذا طالت مدة الحملة الهادفة إلى احتواء الفيروس. وكما كان عليه الأمر، فإن التضامن على المستوى الوطني قد تضرر بصورة كبيرة جراء الكشف في أواخر مايو (أيار) عن رحلة دومينيك كامينغز (كبير مستشاري رئيس الوزراء حينذاك) السيئة الصيت إلى بلدة "برنارد كاسل"، وهي الحادثة التي كانت عبارة عن نقطة تحول سُلّط الضوء عليها بقوة بسبب رفض جونسون إنهاء خدماته.

إلا أن الخطأ الأكبر كان يكمن في الاستهتار الذي حمل الحكومة على تغيير توجهها في 4 يوليو (تموز) برفع القيود طوعياً وإعطاء الانطباع بأن فيروس كورونا قد احتُوي بصورة دائمة. هكذا سُمح للناس بالسفر إلى الخارج بشكل كاد يخلو من المعوّقات، كما قُدم الدعم للراغبين في التمتع بوجبة بعيداً عن بيوتهم من خلال برنامج "تناول الطعام في الخارج كي تساعد الآخرين". لاعجب إذن في انحسار الخوف من الفيروس بين الناس، كما قدّر عديدون، خصوصاً في المناطق المحرومة، إن خطر فقدان وظائفهم وعدم العثور على وظائف بديلة كان يفوق خطر العدوى الآخذ بالتراجع. كان الخوف مازال مخيماً، لكن مصدره لم يعد الفيروس بشكل حصري.

الآن، تريد الحكومة أن تلقي بمسؤولية كل ما جرى -بشكل خاطئ على نحو مذهل، وأدى إلى الموت لكثير من الناس- على الارتفاع غير المتوقع للسلالة الجديدة لفيروس كورونا. بيد أنها كانت بوضوح تفقد السيطرة على الأزمة منذ سبتمبر فصاعداً، في أعقاب رفض جونسون فرض إغلاق يكون بمثابة "قاطع الدارة" circuit breaker لتفشي الوباء، وهو ما أوصى به كبار المسؤولين العمليين ولجنة "سايج" الاستشارية.

في غضون ذلك، تركز المؤتمرات الصحافية التي تجريها الحكومة، ووسائل الإعلام، كثيراً على القيود الحكومية في الوقت الذي تولي اهتماماً ضئيلاً بما إذا كان الناس يتقيدون بها أم لا. مع ذلك، فالأدلة تؤكد أن الالتزام في الوقت الحالي محدود. وخلص استقصاء أجرته جامعة "إمبريال كوليدج لندن" إلى أنه فيما يقول 70 في المئة ممن سُئلوا إنهم سيعزلون أنفسهم عند الحاجة، فإن نسبة من  يفعلون ذلك حقاً لاتتعدى 20 في المئة.

ونظراً لفشل الحكومة في تطوير نظام اختبار وتتبّع وعزل فعال، على الرغم من إنفاقها 22 مليار جنيه إسترليني (حوالي 29 مليار دولار أميركي)، فإن كبح جماح الفيروس إلى درجة كبيرة ينبغي أن يتم بواسطة أداة الإغلاق الصارمة التي تؤدي الى إلحاق الأذى الاقتصادي الكبير بمن يطبقها. غير أن تأثيرها قد تراجع بشكل خطير بسبب إخفاقات الماضي وما شهده من استدارات في الاتجاه المعاكس، علاوة على إحساس لدى الكثيرين بالإرهاق الذي دفعهم إلى الاستسلام لقدرية تجعل المرء غير مبال انطلاقاً من الاعتقاد بأن "ما سيحصل، سيحصل" شاء أم أبى.

إن للخوف من نوع مختلف للفيروس عواقب وخيمة. وقد خضعت إخفاقات حكومة جونسون للتمحيص والمراجعة من مطبوعات معروفة جيداً ووكالات حكومية  فضلاً عن معاهد أكاديمية ولجان برلمانية. وجاءت أحكام هذه الجهات لتدينها في كل جوانب عملها تقريباً، كما في تقرير ذكر على سبيل المثال أن عقوداً بقيمة  8 مليارات جنيه إسترليني من أصل 16 مليار جنيه مرصودة لشراء معدات الوقاية الشخصية قد مُنحت إلى شركات لها صلات بشخصيات في حزب المحافظين الحاكم. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الفضائح الموثّقة جيداً نادراً ما تتصدر الأخبار، والمدهش أيضاً أنها تكاد لا تلحق أي ضرر بصدقية الحكومة.

ثمة تفسير قد يوضح بشكل جزئي أسباب ذلك، فعلاوة على ما تقوم به الحكومة من محاولات لا تنتهي بغرض إدارة الأخبار في الوجهة المناسبة لها، ليس هناك من يريد الآن أن يكتشف وسط أزمة لم تشهد بريطانيا مثلها منذ 1940، مدى افتقار الحمقى الذين يمسكون بزمام الأمور في البلاد إلى الكفاءة ويدسّون وجوههم عميقاً في المعلف. لكن، لم يتوقع أحد مهما بلغ به الشك في قدرة جونسون وطاقمه، أن يكونوا على هذه الدرجة من الرداءة التي تبين أنهم يتسمون بها فعلاً.

إن الاحترام التقليدي الذي يكنّه الإنجليز للقوى التي تتولى مقاليد الأمور بدأ ينفد. ومع ذلك فإن العديدين يتجنبون مواجهة القصور الذي تعاني منه القيادة البريطانية، وهي أشبه بأوبرا كوميدية، في وقت يحدق الخطر الشديد بنا على المستوى الوطني. ومن المفهوم أنهم يتجنبون النظر إلى ما يجري، فالمشهد مخيف حقاً.

© The Independent

المزيد من آراء