Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يحتجز أردوغان المعارض صلاح الدين دميرتاش؟

زعيم سياسي لغالبية الأكراد وشعبيته تهدد الرئيس التركي

الرئيس الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش القابع في سجون أردوغان  (أ ف ب)

بادئ ذي بدء أود التأكيد على أن صلاح الدين دميرتاش الرئيس الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي والمسجون حالياً، يأتي على رأس قائمة السياسيين الذين يحسب لهم الرئيس أردوغان ألف حساب من بين منافسيه في الحلبة السياسية التركية الحالية. وكما هو معلوم فقد قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أخيراً بأنه ينبغي إطلاق سراحه مع رجل الأعمال الناشط عثمان كافالا على أساس انتهاك حقوقهما.

ولا ننسى أن أردوغان نفسه، الذي بدأ يندد بقرار المحكمة ويصفه بالازدواجية بل النفاق، وأن قرارها غير ملزم لتركيا، سبق أن تقدم إلى المحكمة ثلاث مرات في قضايا تخصه، حيث قام في عام 1999 بطلب المحاكمة العادلة في تركيا، وفي عام 2002 طلب إلغاء سجله الجنائي، وكذلك طلب إلغاء قرار المجلس الأعلى للانتخابات القاضي بمنع ترشحه في الانتخابات لعضوية البرلمان.

يذكر أن قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة لجميع الدول التي وقعت على اتفاقيتها، ما يعني أن قول أردوغان "إن القرار لا يلزمنا" هو موقف سياسي لا وزن له في معيار القانون.

تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي وقعت تركيا عليها، على "تعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتثال للقرارات النهائية للمحكمة في الحالات التي تكون طرفاً فيها". علماً أن أنقرة صادقت عليها عام 1954. وفي عهد الرئيس الثامن تورغوت أوزال، تمت الموافقة على قرار تقديم الطلبات الفردية أيضاً إليها.

عام 2004، في عهد حكومة أردوغان، أضيفت إلى الدستور مادة تنص على أن تعريف الحرية في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يتفوق على القوانين المحلية التركية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنه في الاستفتاء الذي أجري عام 2010، أي خلال فترة حكمه أيضاً، تمت الموافقة على قبول حق "الطلب الفردي" أمام المحكمة الدستورية التركية.

وفي عهد أردوغان أيضاً، قامت أنقرة بخطوة أخرى، حيث أضافت مادة إلى قانون الإجراءات الجنائية، تنص على أنه إذا اتخذت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً مختلفاً بشأن شخص مدان في تركيا، فيجب أن تُعاد محاكمته، ويُتخذ قرار يوائم قرار المحكمة الأوروبية. على هذه الأرضية القانونية قدَّم كل من صلاح الدين دميرتاش وعثمان كافالا شكواهما إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقررت المحكمة الإفراج عنهما.

كانت تركيا قد جذبت 220 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، بفضل الثقة التي جاءت بها هذه الإصلاحات القانونية. ولا تزال حكومة أردوغان تحصد اليوم بقايا ثمار تلك الفترة (2004-2011). ولا يزال هو نفسه يملك الفرصة لتحويل مسار الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد، متى اتخذ خطوات نحو الوجهة الصحيحة. لكن يبدو أنه لا يريد اتخاذ تلك الخطوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعلم أردوغان جيداً أنه إذا أفرج عن صلاح الدين دميرتاش الذي يحظى بشعبية كبيرة، فسيؤدي إلى مضاعفة خسارة حزب العدالة والتنمية للأصوات. فهناك تسعة أحزاب كردية في تركيا، لكن ليس لها وزن ملحوظ في الساحة السياسية باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي، ولم يحصل أي واحد من رؤساء هذا الحزب على الشعبية بين الأكراد بل والأتراك أيضاً مثل ما وصل إليه صلاح الدين دميرتاش، الذي من المرجح أن يجذب أصوات الأتراك أيضاً، طبقاً لما تشير إليه استطلاعات الرأي.

وطالما أن أردوغان لا يشكل تحالفاً مع حزب الشعوب الديمقراطي، فإنه سيواصل وضع خطط لإبقائه في السجن حتى الانتخابات. لكن الاتحاد الأوروبي بالتأكيد سيطرح على الطاولة قضية الإفراج عنه وعن كافالا كأحد الشروط لعدم تنفيذ قرارات العقوبات الاقتصادية التي اتخذها ضد تركيا.

قبل الانتخابات البلدية الأخيرة، تلقى أردوغان دعم عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الجناح المسلح للحركة الكردية، لكنه أصيب بخيبة أمل فيها. وهذا يدل على أن غالبية الأكراد لم يعودوا يؤيدون الكفاح المسلح، بل النضال السياسي. وقد أصبح صلاح الدين دميرتاش، بطبيعة الحال، الزعيم غير المعلن لهذا الجناح السياسي، لذلك يواصل أردوغان احتجازه خوفاً من شعبيته التي لا تقاوم.

ويبدو أن خوفه هذا بلغ به حد الجنون عندما بدأ يَجمع السياسيين والنشطاء والفنانين الأكراد البارزين من مختلف مناحي الشرائح، على أمل أن يدفع بهم إلى تأسيس حزب كردي يمكن أن يتحالف مع حزب العدالة والتنمية ويقف ضد حزب الشعوب الديمقراطي ودميرتاش.

نعم، هذا ما يدور في الكواليس السياسية. ولكني شخصياً لا أعتقد أن أردوغان سينجح في هذه المحاولة اليائسة. فهو أمام خيارين؛ فإما يتصالح مع الأكراد أو يقاتلهم، فإذا تصالح وتحالف معهم، فعليه أن يفارق شريكه الحالي حزب الحركة القومية، وإذا واصل طريقه مع حزب الحركة القومية فلن يحصل على أصوات الأكراد بالقدر الذي يريد، ما ينذر بخسارته في الانتخابات المقبلة. كما يعني أنه سيواصل البحث عن طرق غير قانونية للخروج عن هذا المأزق.

كمواطن من أصل تركي بقدر ما أنظر بعين الرضا إلى كل من أكرم إمام أوغلو، وعلي باباجان، وميرال آكشنر، لا أمانع التأييد لصلاح الدين دميرتاش الكردي أيضاً. وهناك شريحة جادة من الأتراك يفكرون مثلي ويمكن أن تؤثر توجهاتهم في نتائج الانتخابات.

إن تركيا على أعتاب عهد جديد. وأعتقد أنه قد اقتربت الأيام التي سيأخذ فيها الناخبون بالاعتبار شخصية المرشحين، ويعطون الأولوية للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية للأحزاب بدلاً من التوجهات الدينية أو الأيديولوجية. وإذا لم يتمكن أردوغان، الذي يتغذى على فكر الإسلام السياسي والقومية، من تقسيم الأكراد، أو تشكيل تحالف معهم فستكون انتخابات عام 2023 الأخيرة التي سيخوضها حزبه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل