Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتفاعل المسرح السوداني مع الحراك الشعبي ويستعيد ازدهاره؟

ضرورة الخروج من العزلة والتواصل مع العالم للتعبير عن تحولات المجتمع وتقديم الفرادة المحلية

من الاحتفالات المسرحية الشعبية في السودان (اندبندنت عربية)

عرف السودانيون المسرح مطلع القرن العشرين، فقد عرضت أول مسرحية  عام 1902، كتبها الكاتب المسرحي السوداني عبد القادر مختار، وكانت تعبر عن ثقافة المجتمع السوداني، كما أسهمت في حل قضاياه ومشكلاته، ومن ثم توالت أعمال المسرح من خلال محاولات عديدة، كان من أبرزها مسرحية (عروة وعفراء) كتبها إبراهيم العبادي بالشعر العامي عام 1910، استمد مادتها من التراث العربي القديم. فيما يؤكد المؤرخون في هذا المجال، أن بدايات الحركة المسرحية نبعت من وسط الجمهور، وصنعها جمهور احتفالي منذ طقوس الزراعة، والحصاد، والأفراح، والأتراح، إلى تتويج الملوك، والسلاطين على مر الأزمان والحقب من حضارة كوش إلى السلطنة الزرقاء. لكن لماذا لم يزدهر هذا الفن في الفضاء السوداني الواسع كغيره من الفنون الأخرى، على الرغم من بداياته المبكرة، وما واقعه اليوم ومستقبله في ظل المشهد الماثل.

الرقابة القبلية

 بحسب المسرحي السوداني محمد السني دفع الله، فإن "أهل السودان عرفوا المسرح بشكله الأرسطي مع دخول قوات الاحتلال التي جاءت بفرقها الموسيقية، حيث قدمت فقرات من عروض قصيرة ضاحكة، وكذلك مع افتتاح المدارس قدم طلاب مدرسة الخرطوم الأميرية قراءات مسرحية، وكان وقتها يشرف عليها رفاعة رافع الطهطاوي، وبعدها قدم المخرج السوداني بابكر بدري من خلال طلاب مدرسته مسرحية في المولد النبوي الشريف، وكان مسرحه داخل خيمة في ساحة المولد، حيث ناقشت المسرحية مسألة التعليم، ولفت نظر المجتمع لأهميته للبنات والأولاد ليكون الجمهور متفاعلاً ومحاصراً بصراع نبيل معه أو ضده".

وأضاف: "واضح أن المسرح السوداني وضع الجمهور من أول عرض له أمام أسئلة تثير الجدل بالنسبة إلى المتعلمين ورواد الحركة الوطنية، لهذا ربطوا فنهم بالفعل السياسيي والاجتماعي والفكري، ليشاركوا في نهضة الوطن، ويكون الفكر له رأي خاص، من هنا ظهر الفنان الفريد والممثل الفذ خالد أبو الروس، الذي استعان بالمخرج بابكر بدري ليخرج له أول أعماله )تاجوج( وهي مسرحية مستقاة من التراث الشعبي، وقد جذب جمهوراً عريضاً في مسرحه السوداني، الذي انتبهت له قوات الاحتلال ومارست معه الرقابة القبلية لتجيز له أعماله، وهذا يؤكد مدى تلاحم الجمهور مع هذا المسرح الوليد، ودعمه مخرج وممثل كلية غردون صديق فريد في مسرحه، الذي اعتمد على المسرحيات العربية والسودانية المكتوبة لشعراء أفذاذ".

وتابع السني دفع الله: "وفي ظل هذه الأعمال انطلقت الحركة المسرحية في السودان، ليكون كل ناد رياضي فرقة مسرحية، فقد مارس المخرج صديق فريد نشاطه المسرحي في نادي الهلال، وخالد أبو أروس في نادي الزهرة، وتوزع باقي المخرجين على نادي الكوكب والحديد، وانتهى هذا العصر بظهور الفرقة الخاصة للمسرحي مسيرة السراج، وهي فرقة السودان للتمثيل والموسيقى، وعلى اسمها انتشرت فرق في كل أنحاء السودان، وكونت لها داراً، وتعاونت مع الإذاعة في تقديم الأعمال الدرامية، ومن خلال الإذاعة زاد عدد الجماهير الذين أحبوا الدراما السودانية ووجدوا فيها أحلامهم وآمالهم وحلول قضايهم".

فرق الجاليات

وواصل المسرحي السني دفع الله سرده التاريخي، متناولاً النشاط المسرحي للجاليات الأجنبية كونها لعبت دوراً مهماً في هذا الجانب، قائلاً: "نشط مسرح الجاليات في البلاد خلال الفترة من 1905 إلى 1915، حين ظهرت الفرق الأجنبية، مثل فرقة المحبة للتمثيل والموسيقى (السورية)، وفرقة النادي الإنجليزي، وفرقة النادي المصري، وفرقة النادي الإيطالي، وعلى الرغم من أن هذه الفرق كانت تمنع حضور الجمهور السوداني أول الأمر، إلا أن هناك عدداً من طلاب كلية غردون (جامعة الخرطوم حالياً) كانوا يتسللون مع أصحابهم ويشاهدون العروض التي كانت تعتمد على الأزياء والديكور والموسيقى والنصوص العالمية المكتوبة ليتأثروا بها، ويحاولوا أن يقلدوها، وبعد ذلك فتحت هذه الفرق أبوابها للسودانيين بشرط أن يجلسوا في نهاية الصالة بأجر زهيد لمشاهدة المسرحيات".

وأضاف: "حدث ذات مرة في مدينة القطينة (جنوب الخرطوم) أن عرضت مسرحية اسمها المرشد السوداني للتعليم، لكن الجمهور غير اسمها إلى (نكتوت)، وهي بائعة الخمر الشهيرة وقتها، وكان دورها في العرض أن أشرار المسرحية يتجمعون في موقعها، ولا يهتمون بالتعليم، والأخلاق، وكان بطل المسرحية فتى متعلم يرتاد الزراعة لمساعدة أهله في العمل، ويدرس في المدرسة، ويصلي صلواته في المسجد، حيث كانت رسالة المسرحية فريدة من نوعها، كونها أسهمت في ترغيب مجتمع المدينة في التعليم، ورفعت نسبته بدرجة كبيرة".

التنوع الثقافي

في حين يعتقد الأديب والدرامي جمال حسن سعيد، بأن واقع المسرح السوداني فيه فروع ورؤى مختلفة، لكن لابد من التركيز على جانب إدارة التنوع الثقافي في البداية، لأن السودان فيه تنوع كبير، ولايوجد مدخل يعالج القضايا الاجتماعية والسياسية غير الثقافة، فهي مهمة جداً في صياغة علم اجتماع الشعوب، باعتبارها الماعون الذي يعبر فيه كل الشعوب، والمسرح القومي السوداني واحد من الشرايين الرئيسة في الحركة الثقافية السودانية، وله تاريخ طويل جداً، وقدم كثيراً من الأعمال المفيدة للمجتمع، وكان مربوطاً بتوثيق الحركة الثقافية منذ الاستقلال، فقد أسهم في معالجة مشكلات كثيرة كانت تمثل ظواهر سالبة في حياة المجتمع اليومية.

ومضى قائلاً: "الثقافة بشكل عام أسهمت في نشر الوعي وإزالة الأمية، وأي حركة فنية أوسياسية لا تحترم الثقافة والفنون، هي خارج إطار فعل التغيير الحقيقي، وبالنظر لنا كمسرحيين لسنا غائبين عن الساحة الثقافية، وأنا شخصياً أعد للمرحلة المقبلة، سيما أن الفترة الآنية صعبة جداً، فهي تعج بعديد من القضايا والمشكلات، فهناك جائحة كورونا وتأثيرها على المجتمع من نواحي عديدة، كما أن بلادنا تمر بمرحلة إعادة تكوين، أي نحن داخلون على عهد جديد، ونتمنى أن ينهض السودان بشكل قوي جداً، بخاصة وأنه صاحب الثروات والأرض البكر التي يمكن أن توفر الغذاء لكل العالم، فضلاً عن توفر المعادن بكميات كبيرة، كذلك لنا ثروة كبيرة من البترول، وثروة ثقافة وتراث وتنوع وموروث شعبي ضخم".

وعن تحديات وغياب المسرح السوداني، يوضح سعيد: "غياب المسرح له مشكلات اقتصادية معلومة، فما تعانيه بلادنا من هذه القضية انعكس على هذا الفن، وأناشد المسؤولين في الدولة إعادة الزخم والقوة للمسرح السوداني باعتبار أن عودة الحركة المسرحية تساعد على نهضة كل المسارح الصامتة في السودان، ونحن مبادئنا مبادئ أي فنان وهي السلام، وهو مهمة أي سوداني، ونحن ضد أي حرب وأي نزاع، والفنون دائماً تدعو إلى المحبة والاستقرار في ما يخص الحياة عموماً، ونحن مجتمع متنوع والآن كل المسارح متاثرة، وفي قلق مستمر بسبب كورونا، لكن المسألة الآن ليست عودة المسرح فحسب، إنما عودة النهضة في السودان، وعودة الجمهور، وإزالة هذا الوباء في كل العالم، فسنة 2020 كانت مخيفة ومرعبة وفقدنا الكثير".

التواصل الخارجي

ويلفت إلى أن "مهمة الفنون والفنان، أنهما مصلحان اجتماعيان، في ما يقدمانه من أعمال تدور حول المشكلات الفكرية والصحية التي يعاني منها المجتمع. وحتى المسرح في أوروبا تجده يسهم في الدفاع عن التعليم مثلاً، وفي إزالة الأمية، ونشرالوعي المسرحي والثقافي، وفي مناهضة السلوك غير الإيجابي في الحياة. والفن هو من يستطيع أن يغير عبر التأثير، فمثلاً أنا أشتغل كوميديا فيها دراما وسخرية وضحك، ونحن في الغالب نشتغل في أفريقيا الكوميديا السوداء في آخر القهقهه نشعر بالألم، فنحن نعبر عن ألمنا، ولكن نناهض في كل المشكلات الاجتماعية، والمشهد السوداني الآن يحتاج إلى عودة المسرح بقوة، وعودة الحراك الثقافي بصورة مشرفة يحترمها المجتمع، ويحتاج عودة التواصل المسرحي بين الدول، وكانت لنا مشاركات في مهرجانات خارجية، فالمسرح في كل العالم يدافع عن الإنسانية والحق والجمال ونحن ضد الحرب، والفنان الأفريقي يحمل ملامح المجتمع، وأعتقد أن النهضة ستعود للسودان من داخل المسرح القومي بأم درمان ويجب أن يعود كل المسرحيين من المهجر حتى ننهض في هذا المجال".

وعن إسهاماته في هذا المجال، يقول سعيد: "لدي إسهامات مع اليونسيف عن الدراما ومكافحة أمراض الطفولة بمسرح العرائس، لننشر الوعي تجاه الأمراض الصادرة من المياه، التي تعرض الطفولة والإنسان والحيوان للتلوث، فمن المهم استخدام الدراما في حل المشكلات الاجتماعية والصحية، والآن مع السوشيال ميديا، أصبحت الدراما أكثر انتشاراً وترويجاً، وأقرب من التلفزيونات، لكننا نحتاج الآن إلى التواصل مع العالم للتعبير عن ملامح المجتمع السوداني وتقديم الشخصية السودانية".

الوقت والتسلية

في حين يشير الناقد السوداني أبو طالب محمد، إلى أن المسرح السوداني منذ بداياته الباكرة امتثل أمام واقع الإنسان السوداني في بقاع ربوعه المتنوعة، كما ناقش قضاياه في التعليم والصحة والتوجهات القومية والخدمة المدنية والمسائل الاجتماعية في مستويات أشمل، وظل لصيق الصلة بمجتمعاته ومازال، والآن ينشد المسرح خطاباً حديثاً لمسرح ما بعد الثورة، وبلا شك فإن حضوره واضح خلال مسيرته الطويلة بتركيزه على قضايا مجتمعاته المختلفة، مؤكداً أن اهتمامه الآن وفي المستقبل سيصب في قوة دفع متسارعة تستقطب تحولات المجتمع في صورة موجبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أبو طالب: "لأي مسرح وسيلة اتصال مباشرة مع جمهوره. أما مسرحنا السوداني فعلى الرغم من المعضلات التي واجهته في فترة الـ 30 عاماً الماضية، استطاع أن يخلق قاعدة شعبية في القرى والمدن، وللجمهور أمزجة وميول مختلفة على حسب فوارق الثقافة المسرحية، فهناك جمهور يميل إلى قضاء الوقت والتسلية، ولا يحبذ الدخول في فك دلالات الرسالة المسرحية، فهذه الفئة اهتم بها المسرح خلال عقود. وهناك فئة أخرى تميل إلى الرسالة المسرحية الحاضنة للمفاهيم الآيديولوجية. كما قدم المسرح السوداني تجارب وأعمال مختلفة من أبرزها مسرحيات (المك نمر، وتاجوج، ومحلق، وخراب سوبا، وسفر الجفا، وخطوبة سهير، ونبتة حبيبتي) وغيرها من المسرحيات الرائدة التي قدمت خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الـ20، ووجدت تجاوباً ومتابعة من الجمهور، ومازال المسرح السوداني بكراً يعطي جمهوره أروع المشاهد".

لكنه يرى "أن الممارسة الفنية المسرحية ليست سلطة قضائية تحسم في حل المشكلات بالتراضي أو بالقانون، إنما يجب أن تركز هذه الممارسات على طرح الموضوعات البناءة الهادفة، وتقدم مسارات الحلول المتنازعة، وعلى الفئتين المتشاجرتين تلمس الحلول من الرسالة الفنية المقدمة. أما الثقافة فهي ماعون أوسع إذا وظفت بصورة إيجابية ستقود إلى حل المشكلات التي تتفجر هنا وهناك، لذا يجب استغلال الثقافة في حلها والاستفادة من الموروث الثقافي وبثه عبر مهرجانات شعبية واحتفالات، فقطعاً سوف تقدم المفيد بدلاً من الأطروحات السياسية، التي تنادي بالسلام للمجتمعات السودانية في فنادق خارج إطار جغرافيتنا وثقافتنا. سلام مثل هذا ليس له مستقبل لأنه انطلق من أبراج بعيدة، القصد منها التكالب على المناصب. والثقافة بمفهومها الواسع تسهم في حل أي مشكلة ما، والدراما السودانية تتطلب ثقافة إنتاج إذا بلغتها سوف تجوب الآفاق فناً".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة