Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسرح العربي بين ارتباك الفتح الجزئي والإغلاق التام وعروض "الأونلاين"

غياب الجمهور أفقد "أبا الفنون" أساسه ومسرحيون يصرخون: "نحن في خطر"

من عرض عيلة الفقري أو المسرح الحي في القاهرة (موقع المسرحية)

المسرح ابن اللقاء الحي المباشر بين الممثل والجمهور، من دون الجمهور يفقد ضلعاً مهمّاً من أضلاعه الثلاثة (عرض ومكان وجمهور)، ولا يستقيم في غير وجوده، أو بمعنى أدق يخرج عن كونه مسرحاً، ويكون عليه البحث عن مسمّى آخر له.

تاه المسرح، أو كاد، في معظم البلدان العربية خلال العام المنقضي، واختفت تلك الحيوية التي كانت المهرجانات الإقليمية والدولية تعكسها خلال فعالياتها، سواء من حيث العروض، أو المحاور الفكرية، أو الورشات التدريبية أو غيرها من الأنشطة المصاحبة لها.

عانت غالبية المسارح في الوطن العربي من الإغلاق الكلي أو الجزئي بسبب جائحة كورونا، وحتى عندما عادت، كان ذلك على استحياء، وخسر المسرح أكثر من نصف جمهوره نتيجة الإجراءات الاحترازية التي فرضت التباعد الاجتماعي، إذ لم يكن مسموحاً بجلوس فردين في مقعدين متجاورين.

ربما لم يشهد المسرح في الوطن العربي عبر تاريخه، هذا القدر من الارتباك الذي شهده خلال 2020، حتى في ظل الحروب والمشاحنات كان المسرح حاضراً، ويكفيه وجود الجمهور الذي يتابع ويتفاعل ويدفع الممثلين إلى الإجادة، كونه أمامهم وملتحماً بهم ومراقباً لأدق انفعالاتهم.

المسرح في خطر، هكذا صاح مسرحيون إبان الإغلاق التام له وتعطّل العمل فيه، ليس لأنه هش إلى هذه الدرجة، ولكن لأن أصواتاً أخرى ارتفعت مطالبة بالبديل في ظل الجائحة، وهو عروض "الأونلاين"، معتبرين أن شيئاً أفضل من لا شيء، وغضوا الطرف عن فكرة "المسرح الكامل"، أي تلك الخشبة التي يتفاعل فيها جمهورها مع الممثلين داخل قاعة عرض أو حتى في الهواء الطلق، واعتبروها مجرد فرصة للتشغيل بدلاً من الجلوس في البيت، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين لا عمل لهم سوى المسرح، وإن بقيت غصة في حلوق هؤلاء المدافعين عن "الأونلاين" لإدراكهم كم النقصان الذي تعاني منه هذه النوعية من العروض، التي تأتي في الغالب باردة وكأن لا حياة فيها.

غير مرضية

فكرة "الأونلاين" لم تكن مرضية للحالمين بمسرح والسلام. في مصر على سبيل المثال، ذهبت عروض "الأونلاين" في الطريق الخطأ، إذ ظن القائمون عليها أن إنتاج نوعية من العروض الكوميدية الخفيفة من شأنه أن يجذب الجمهور القابع في بيته، متناسين أمرين مهمين، أولهما أن جمهور المسرح لا ترضيه هذه النوعية، ولا تشبع حاجته من المسرح حتى لو قُدّم أعظم العروض افتراضياً، وثانيهما أن الجمهور العادي الذي لا تربطه علاقة وثيقة بالمسرح، لن يسعى إلى مشاهدة عروض "الأونلاين" في وقت تطارده مئات الأفلام والمسلسلات وبرامج المسابقات التي تبثها على مدار اليوم فضائيات باتت تصل إلى أبعد قرية حتى لو كانت داخل مغارة في حضن الجبل.

ومن متابعة نسبة المشاهدات لهذه المسرحيات التي بثتها قناة وزارة الثقافة المصرية على "يوتيوب"، يتأكد فشل التجربة وعدم قدرتها على أن تكون بديلاً للمسرح الحيّ، وربما لهذا السبب لم تكرر قناة الوزارة التجربة على الرغم من وجود أكثر من عشر مسرحيات أخرى تم تصويرها للغرض ذاته.

حتى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي كان يمثل عيداً مسرحياً في مصر، بدا ممسوخاً ومشوّهاً عندما اكتفى بعرض بضع مسرحيات مصرية للجمهور، وعرض العربية والأجنبية منها على "يوتيوب". وتساءل متابعون أين المسرح أين المهرجان؟، وكانت الإجابة "ما باليد حيلة، المهم أننا أقمنا دورة المهرجان".

تأثير مقبل

لم تكن مصر استثناء في فكرة "الأونلاين"، فالمغرب وتونس والعراق والجزائر ولبنان والسعودية والأردن، أقامت عدداً من الفعاليات المسرحية بالتقنية ذاتها، سواء كانت عروضاً أو لقاءات ومنتديات فكرية تتعلق بالمسرح، وكان آخرها هذا العام مهرجان "كازبلانكا" للمسرح الجامعي الذي عقدت دورته الـ32 افتراضياً تحت عنوان "المسرح والحلم"، وانتهت في 27 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بينما أوقفت دول أخرى النشاط كلّياً، وأجلت الهيئة العربية للمسرح الدورة الـ13 لمهرجان المسرح العربي، الذي يعدّ أكبر مهرجان للمسرح في العالم العربي، وكان مقرراً عقده في المغرب في الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، ليس فقط لعدم استعداد المملكة لاستقبال المهرجان وضيوفه في ظل جائحة كورونا، ولكن لأن المهرجان، الذي تشارك فيه عروض من الدول العربية كافة، لم يكن بمقدوره اختيار هذه الأعمال، نظراً إلى أن لا إنتاج مسرحياً قد حدث في غالبية الدول العربية. واكتفت الهيئة هي الأخرى ببعض الأنشطة الافتراضية وإصدار عدد من الكتب أتاحتها إلكترونياً كذلك، أي أن العام المنقضي امتدّ تأثيره إلى العام المقبل.

وقال الأمين العام للهيئة إسماعيل عبد الله في تبريره التأجيل: "لقد عشنا في حالة رصد لكل العوامل الصحية التي سببتها جائحة كورونا في مدّها وجزرها، ورصد لارتباك الإنتاج المسرحي في الوطن العربي والعالم، وكذلك رصدنا كل الآراء والمقترحات التي قدّمت إلينا والتي كانت تصب كلها في حرص الجميع على عقد المهرجان، لكن الوقائع الصحية والوقائية والفنية كلها تؤكد صعوبة إقامة المهرجان الذي كان يستضيف حوالى 500 مشارك عربي، إضافة إلى مئات المشاركين من البلد المضيف بما يشمله الأمر من سفر ووقاية وشروط حجر وصعوبات الإقامة وتعدد الفضاءات المغلقة أمام الفعاليات. من هنا وبعدما صار الأمر في باب الصعوبة الشاملة، نتأسف أن نعلن هذا التأجيل، مؤكدين لكل المسرحيين أننا معاً سنصنع فرح المسرح من جديد ونمضي إلى آفاق تليق بأحلامنا وطموحاتنا جميعاً".وفي بيروت سعت مجموعة من المسرحيين بمبادرة من المخرجة لينا أبيض إلى إحياء تظاهرة مسرحية عبر الأونلاين يعود ريعها إلى المسارح المتضررة جراء انفجار مرفأ بيروت الرهيب، بالتعاون مع جمعية مسرحية بريطانية، وشارك في الأعمال القصيرة التي عرضت ،ممثلون لبنانيون من أجيال مختلفة.

نصف الطاقة

في مصر التي تعاني اقتصادياً، وفي ظل السماح بعودة الحياة العامة حتى الآن، استمر العمل المسرحي وإن بموازنات إنتاج أقل، إذ خُفّضت إلى النصف، ما أثر في حجم الإنتاج ومدى جودته، لكن المسارح فتحت أبوابها بعد أشهر عدة من الإغلاق، وأقيم مهرجان المسرح القومي بعدد أقل من العروض، نظراً إلى أن جهات الإنتاج المسموح لها بالاشتراك في المهرجان لم تنتج عدداً كافياً من الأعمال تستطيع إدارة الحدث الفني اختيار الصالح منها للمشاركة. وأقيم كذلك مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي بنصف طاقته، وألغيت المهرجانات الجامعية الختامية، نظراً إلى اكتفاء معظم الجامعات بالدراسة "أونلاين"، بالتالي لا وجود لطلاب يمكنهم تقديم أعمال مسرحية، وحتى لو قدِموا، فإنه لا جمهور من الطلاب يمكنه المشاهدة في ظل وقف الدراسة في معظم الجامعات. وأقيم مهرجان المعهد العالي للفنون المسرحية ولم يسمح سوى بنصف العدد من الجمهور، وكذلك مهرجان نقابة المهن التمثيلية، وبعض المهرجانات المحلية، ومنها مهرجان سمنود المسرحي، وهي مدينة تابعة لمحافظة الغربية، شمال القاهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إجمالاً، أربك فيروس كورونا العمل المسرحي في معظم الدول العربية، بإجراءات المنع التام، أو العمل الجزئي، وأربكه كذلك بتخفيض مخصصات الإنتاج، لم يكن أمامه سوى عرض أعماله إلكترونياً وهو ما انصرف الجمهور عن مشاهدة غالبيته، فما الذي يمكن للمسرح والمسرحيين عمله في ظل هذه الحالة، التي لا يعرف أحد إلى متى ستستمر. هل يفقد المسرح عافيته تماماً، أو أن بمقدوره البحث عن حلول أخرى أكثر عملية وأكبر قدرة على تلبية حاجة الناس من المسرح، الذي لا يرونه بغير عرض مسرحي في مكان ما يشاهده جمهور.. ثلاثة أضلاع إذا غاب واحد منها، اشتكى الآخران من الوحدة وعدم التحقق.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة