Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرب كانوا أوثق أصدقاء روسيا

في وقت فرحت فيه واشنطن والغرب بانتصار الأولى في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي أسهمت مصر والسعودية بالمساعدات الإنسانية

الملك فيصل في أول زيارة سعودية رسمية إلى الاتحاد السوفياتي السابق عام 1932 عندما كان وزيرا للخارجية ( ويكيبيديا) 

تتمتع روسيا بتاريخ عريق شهدت على مره ثورات وحروباً وفترات عصيبةً، وأخرى من الانتصارات المجيدة.

وبالنسبة لمعظم سكان روسيا، اليوم، فإن أكبر انتصار كان ذلك الذي حققته البلاد في حرب 1941-1945 ضد ألمانيا النازية، التي غزت واحتلت مجمل أوروبا تقريباً قبل أن تهجم على الاتحاد السوفياتي، الذي حرر بولندا وتشيكوسلوفاكيا ودولاً أوروبية أخرى، وخسر 27 مليون شخص في الحرب؛ أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم، لذا كان انهياره بمثابة كارثة عظمى، لأنه كان سقوطاً لإحدى القوتين العظميين إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية.

فما سبب انهيار تلك الدولة القوية؟

يقول البعض إن ذلك كان نتيجة مؤامرة أميركية، ويلوم الآخر غورباتشوف، في حين يلقي الكثيرون بالمسؤولية على النظام السوفياتي نفسه الذي كانت له عيوب واضحة.

ربما يكون من الأسهل بالنسبة لي تكوين رأي حول هذا الأمر، لأنني أمتلك شهادات مهمة استقيتها من أفراد عائلتي، الذين نظراً إلى مناصبهم، كانوا على اطلاع جيد بالوضع الحقيقي في البلاد آنذاك.

كان جدي الأكبر، نيكولاي باكلانوف، مديراً عاماً للجنة بورصة موسكو، وكان جدي، فلاديمير، يمتلك أكبر مصنع نسيج في روسيا. في حين، كان والدي، الذي عاش في عصر مختلف، أحد قادة الجيش باعتباره عقيداً وبطلاً سوفياتياً. كما أصبح عضواً في البرلمان، المسمى مجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية. وبالنظر إلى شهاداتهم، كانت ثورة عام 1917 نتيجة طبيعية لتفاقم التناقضات داخل الدولة الروسية. ففي ذلك الوقت، لم تتخذ إجراءات كثيرة لتحسين وضع غالبية السكان التي كانت من الفلاحين والعمال.

وفي عام 1917، وضع الناس ثقتهم في البلاشفة، وانضموا إليهم، حيث وعدوا بإقامة دولة مساواة لن يكون فيها غني ولا فقير. بعد الثورة، تم تشكيل الاتحاد السوفياتي في عام 1922، وتم تأميم جميع المشاريع التي باتت ملكاً للدولة، لكن منذ البداية لم يكن هناك انسجام في قيادة البلاد والهيئات الإدارية والمناطق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولقد تشكلت النخبة الجديدة المتمثلة في قيادة الحزب البلشفي من فصيلين رئيسين، أمضى بعض البلاشفة، بينهم لينين نفسه، سنوات عديدة بالمنفى في أوروبا وأميركا، وكانت لديهم اتصالات واسعة مع الدوائر السياسية لهذه البلدان وفي أوساط الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ومجتمع الأعمال.

في المقابل، حارب الفصيل الآخر الذي ينتمي إليه ستالين ضد القيصرية داخل البلاد، وتم قمعهم وسجنهم وإرسالهم إلى مناطق بعيدة من روسيا، لذا كانت نظرة هذين الفصيلين لمستقبل البلاد مختلفة.

اعتقد الأول أن هناك حاجةً إلى "سياسة اقتصادية جديدة"، أو ما يمكن أن يسمى "الانفتاح" في ذلك الوقت. وطرحوا مسألة السماح لتشغيل رأس المال الخاص، لأن ذلك يمكنه أن يؤدي إلى إنشاء "برجوازية جديدة" من شأنها أن ترتبط بالدوائر البرجوازية في الغرب، لكن الفصيل الآخر بقيادة ستالين عارض هذا الطرح بشكل قاطع، وانطلق من الحاجة لحفظ كل ثروات البلاد في أيدي الدولة. لم يكن الشعب السوفياتي على دراية بتفاصيل هذا الصراع، لكنه كان صراعاً محتدماً.

مع توالي السنوات، عزز ستالين ومجموعته مواقعهم في دواليب السلطة. وكانت لهم سياسات اقتصادية واجتماعية ناجحة، حيث شيد الاتحاد السوفياتي المئات من المؤسسات الصناعية، ووسع نطاق البحث العلمي وخدمات الرعاية الصحية المجانية، فإن جزءاً كبيراً من الشعب المتحمس والنشط لم يرغب في فرض قيود على تطور ريادة الأعمال، وعملت هذه الفئة بشكل سري، ولكن على نطاق واسع.

سأعطيكم مثالاً.

في عشرينيات القرن الماضي، شكلت مجموعة من مديري المصانع الضخمة التي تم بناؤها حديثاً لإنتاج السلع الغذائية والأطعمة المعلبة، مجتمعاً من المافيا، واقتطعوا أكثر من نصف الأرباح، ووضعوها في حساباتهم الخاصة. وعندما تم الكشف عن هذا المخطط صدم الجميع من حجم المشاريع السرية الخاصة بالبلاد في عهد ستالين.

في فترة ما بعد الحرب، وخصوصاً خلال سنوات بريجنيف، تعززت مواقع هذه العناصر، وفي كثير من الأحيان عمل رجال الأعمال السريون تحت عباءة هياكل الدولة. في أوائل الثمانينيات، تم الكشف عن مخطط مافيوي عملاق لتصدير الأسماك التي يصطادها الصيادون السوفيات بشكل غير قانوني إلى الدول الغربية.

كان الكثيرون على قناعة بأن آليات المافيا الخاصة تلك تنشط في مجالات اقتصادية أخرى، وأنها بدأت في رشوة المسؤولين في المؤسسات الحكومية على نطاق واسع. اعتقد هؤلاء الناس أنهم لم يرتكبوا أي خطأ، وأنهم يبحثون فقط عن حرية ممارسة الأعمال التجارية.

ولقد اكتسبت هذه الظاهرة حيزاً واسعاً جداً في جمهوريات الاتحاد السوفياتي، في جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وأوزبكستان، حيث كان هناك المئات من الشركات الخاصة غير القانونية لإنتاج سلع الاستهلاك العام مثل الأحذية والملابس والعطور، وما إلى ذلك.

وهكذا، تم تشكيل قاعدة قوية لتغيير النظام في الاتحاد السوفياتي وإعادته إلى حضن الرأسمالية.

تقدمت العملية الاجتماعية والاقتصادية بالتوازي مع نمو المشاعر القومية في جمهوريات الاتحاد، مثل أوكرانيا ومولدوفا وأذربيجان، وبخاصة في جمهوريات البلطيق؛ إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا.

في هذه الجمهوريات الوطنية، أرادت القوى البرجوازية الجديدة الوصول إلى السلطة بشكل مستقل واتخاذ القرار في جميع الأمور، بغض النظر عن موسكو. جميع هذه الظواهر اشتدت مع وصول غورباتشوف إلى السلطة، وهو الذي سلك طريق اللا مركزية والسماح للهياكل الغربية بالدخول بحرية إلى الأراضي السوفياتية. في غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ترغب في انهيار جمهوريات الاتحاد كدولة اشتراكية، وكقوة منافسة رئيسة. في النصف الثاني من الثمانينيات، نسجت عناصر المعارضة الداخلية والغرب علاقات مباشرة وعملوا معاً لإسقاطها.

كل هذا يشير إلى أن انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن نتيجة "أخطاء غورباتشوف"، على الرغم من أنها لعبت دوراً بطبيعة الحال، والأهم هو أنه كان يتم الاستعداد داخل البلاد، تحت شعارات البيريسترويكا، لتغيير السلطة، والعودة إلى الرأسمالية مصحوبةً بالانهيار، وتفكك الاتحاد إلى 15 دولة مستقلة.

شارك في هذه العملية الآلاف من الأشخاص الذين كانوا نشيطين للغاية سياسياً واقتصادياً، وكانت لديهم بالفعل موارد مالية قوية. وفي الوقت نفسه، لم يتقاسم غالبية السكان هذه المشاعر، حيث صوتوا في استفتاء مارس (آذار) 1991 للحفاظ على الاتحاد السوفياتي والنظام الاشتراكي بنسبة 77.8 في المئة، لكن نتيجة لصراع سياسي معقد، انتصر معارضو الاتحاد السوفياتي الذين قدموا شخصية يلتسين المثيرة للجدل كرمز لهم. وتميزت السنوات الأخيرة للجمهورية بأزمة اقتصادية متفاقمة، حيث اختفت من المتاجر العديد من السلع التي يحتاج إليها الناس.

خلال تلك الفترة العصيبة، تصرفت دول مختلفة بأشكال مختلفة. فبينما لم تخفِ الولايات المتحدة والغرب فرحتها وسط توقعات "النصر" في الحرب الباردة، لم تكن دول أوروبا الشرقية ميالة لمساعدة الاتحاد، متناسيةً بذلك ملايين الجنود السوفيات الذين حرروها من ألمانيا النازية.

في ضوء هذا، بدا موقف العرب، وتحديداً مصر، نبيلاً جداً.

في 1990-1992، أرسلت مصر كميات كبيرة من المساعدات الغذائية إلى الاتحاد السوفياتي وأهالي موسكو عن طريق الجو. ثم وافقت القيادة المصرية من جانب واحد على السماح بتصدير البضائع المصرية إليه، حتى في الوقت الذي لم تعد فيه موسكو قادرة على سداد تكلفتها عن طريق المقايضة. وفي عام 1997، قدمت مصر، وهي التي ليست بأكبر وأغنى دولة في العالم، مثالاً للآخرين من خلال الاستثمار في إنتاج الطائرات الروسية من نوع TU-134 الشهيرة.

كما اتخذت السعودية، حيث كان لي شرف العمل سفيراً لروسيا، موقفاً ودياً. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 1991، قدمت مساعدة ضخمة من حيث إمدادات السلع لإزالة النقص في السلع الذي عاناه سكان الاتحاد السوفياتي.

يقول البعض إن السعودية بحسب المزاعم أسهمت في انهياره، ما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار النفط، لكن الحقائق لا تدعم هذا، حيث إن السعوديين لا يحبذون التوافقات التي يخسرون فيها هم أنفسهم عائدات النفط. إضافة إلى ذلك، حذر ممثلو السعودية في أوائل الثمانينيات من احتمال حدوث انخفاض في أسعار النفط، وعرضوا على دول أخرى، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي، الدخول في اتفاقية في شأن الأسعار لمنع التطورات السلبية في أسعار النفط، لكن موسكو رفضت، وكان ذلك خطأ استراتيجياً.

اليوم، تغلبت روسيا على سلسلة من الصعوبات، وأعادت بناء قوتها العسكرية والصناعية. ويتمثل أحد التوجهات المهمة لسياسة روسيا في تعزيز العلاقات مع الدول العربية، خاصة مع السعودية، حيث لدينا آفاق جيدة للمستقبل. ومن المهم جداً أن تستند صداقتنا وتعاوننا إلى الثقة المتبادلة والتضامن، وكذا إلى ذاكرة الموقف النبيل الذي اتخذته الدول العربية خلال الأيام الصعبة التي مرت بها روسيا في أزمة الثمانينيات.

  • أندريه باكلانوف نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس وأستاذ - رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجامعة الوطنية للبحوث - المدرسة العليا للاقتصاد، ومساعد نائب رئيس مجلس الاتحاد.
اقرأ المزيد

المزيد من آراء