Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجلس العسكري الانتقالي في السودان يفاجئ الشعب وينقلب على مفاهيم البشير ونائبه

في بيان سياسي مغاير تماماً للبيان الانقلابي الأول، الزم الفريق البرهان نفسه بمطالب المواطنين، وقوى الحراك تتعامل إيجابياً معه

بصورة بدت مفاجئة تماماً للمراقبين، أطل الرئيس الجديد للمجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شاشة التلفزيون الرسمي السوداني، ليذيع بياناً بدا كأنه معاكس تماماً للبيان الانقلابي الذي أذاعه الرئيس السابق للمجلس نفسه، وزير الدفاع السابق عوض بن عوف، الذي قابله الشارع برد رافض وغاضب.

لذا، ليس غريباً أن لقي البيان موافقة من قوى أساسيّة في الحراك الشعبي، خصوصاً "تحالف الحرية والتغيير" الذي تضم صفوفه مجموعات حزبية ومدنية أبرزها "تجمّع المهنيين السودانيين"، إضافة إلى "الإجماع الوطني" و"نداء السودان" و"التجمّع الاتحادي المعارض". وأعلن "التحالف" تشكل وفد من قياداته للحوار مع الفريق البرهان، وهو ما يعاكس كليّاً موقفه من المجلس العسكري الانقلابي، مشدداً على اقتصار دور العسكر على "الحماية"، وترك بقية الأمور السياسية والتشريعية والاقتصادية للمدنيين.

وفي المقابل، بقيت قوى أخرى في موقف أكثر تحفّظاً تجاه دعوة الفريق البرهان للحوار، أبرزها الحزب الشيوعي السوداني وأحزاب متحالفة معه. وتطرح تلك القوى فترة انتقالية تدوم 4 سنوات، يقودها مدنيون بصورة حصريّة.

المفارقة، أن المفاجأة الإيجابية حتى الآن، للفريق جاءت قبيل اختتام مؤتمر صحافي لـ"تحالف أحزاب المعارضة السودانية" (يعرف أيضاً باسم "تحالف قوى الإجماع الوطني")، أعلن فيه رفض "البيانين الانقلابيين... بيان ابن عوف وبيان اللجنة السياسيّة للمجلس الانقلابي، عمر زين العابدين"، بل وصف الأخير بأنه "مسرحية ومهزلة"، وخلص إلى التشديد على استمرار التحرك في الشارع والاعتصام أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، إلى حين الاستجابة لـ"مطلب السودانيين بتشكيل حكومة مدنية تقود مرحلة انتقالية، وتتخلص نهائياً من نظام الرئيس السابق عمر البشير".

وجاء البيان التلفزيوني للفريق البرهان محملاً بالتباعد عن البيانين المذكورين آنفاً. وأرهص بذلك الفارق، إعلان وسائل الإعلام الرسمية في السودان، قبول الفريق محمد حمدان دقلو (المعروف بحمديتي)، المشاركة في المجلس العسكري الانتقالي، بعد ان آلت رئاسته إلى الفريق البرهان. ويذكر ان دقلو اعتذر تكراراً عن عدم المشاركة في المجلس العسكري الإنقلابي، معلناً أنه "يلتزم مطالب الشعب".

واستهل البيان- المفاجأة- بالإعلان عن إلغاء حظر التجوّل الذي فُرِض عبر البيان الانقلابي لابن عوف، وإطلاق سراح المعتقلين ممن أُلقيَ القبض عليهم أثناء الحراك الشعبي. وتكرر في البيان ذكر مصطلحات "قوى التغيير" و"الحراك الشعبي" و"الأحزاب السياسيّة"، التي غابت كليّاً عن بيان ابن عوف.

وفي تباين آخر، وعد البرهان بتشكيل حكومة مدنية بعد التشاور مع قوى التغيير والأحزاب السياسيّة، ما شكّل ابتعاداً كبيراً عن محتوى بياني ابن عوف وزين العابدين سويّة.

وفي البيان عينه، ألزم البرهان نفسه بأن لا تزيد الفترة الانتقالية على سنتين "كحد أقصى" تكون مكرسة لتهيئة المناخ السياسي لانتقال السلطة، مع التشديد على أنها تنتهي بـ"نقل السلطة كليّاً إلى حكومة مدنية".

وتضمن البيان وعوداً أخرى تشمل الاستمرار في "اجتثاث نظام البشير"، والتزام حقوق الإنسان والمعاهدات التي وقعها السودان في ذلك الشأن، و"الالتزام التام بمحاربة الفساد"، و"وقف إطلاق النار في السودان كله"، و"وقف العنف" و"سحب السلاح من الميليشيات" والطلب من المواطنين العودة إلى الحياة الطبيعية والمساعدة في توطيد القانون وغيرها.

وجاء البيان نفسه عقب الإعلان عن توقيع الفريق البرهان، بوصفه رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، على استقالة رئيس "جهاز الأمن والمخابرات الوطني" صلاح قوش (صلاح عبد الله محمد). وتولى قوش رئاسة ذلك الجهاز بين عامي 2004 و2008، ثم أُعيد إليه في فبراير (شباط) 2018.

وأعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي تشكيل المجلس يضم عشرة أعضاء. وبموجب مرسوم أصدره البرهان، سيتكون المجلس إضافة إلى الرئيس ونائبه، من سبعة ضباط بالجيش، ومدير الشرطة، ونائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات، وقائد قوات الدعم السريع الذي عين نائبا لرئيس المجلس.

وتحدثت مصادر إعلامية عن حالة رضا في الشارع السوداني، ابتدأت مع استقالة ابن عوف، وتسلم الفريق البرهان منصبه في المجلس  العسكري. ويعرف عن البرهان أنه "جندي مخضرم... وضابط رفيع المستوى"، وفق وصف تناقلته وكالات الأنباء.

وولد في قرية قندتو، شمال الخرطوم، في 1960، ودرس في الكليات الحربية في السودان، ثم مصر والأردن. ولفترة وجيزة عمل ملحقاً عسكرياً في سفارة بلاده في الصين. وفي الآونة الأخيرة، تولى البرهان تنسيق علمية إرسال جنود سودانيين إلى اليمن ليكونوا جزءاً من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، ضد المتمردين الحوثين المدعومين من إيران، بحسب ما نُقِل عن وكالات إعلام سودانية.

وأوردت البريطانيّة ويلو بيردج، مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل، أنه بمجرد توليه الملف اليمني، عمل البرهان عن قرب مع "قوات الدعم السريع" السودانيّة التي قد تكون أسهمت في وصوله إلى السلطة الآن، وهو ما يتفق مع مشاركة رئيس تلك القوات في المجلس العسكري تحت قيادة البرهان.

المزيد من الأخبار