Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تتجاهل تحذيرات داخلية من موردي معدات الوقاية متهمين بالاسترقاق

حصري: دوائر "وايتهول" حددت الشركات المشتبه فيها منذ نوفمبر 2019

قالت شركة "توب غلوف" إنها "تمتثل لقوانين العمل المحلية" (غيتي)

علمت صحيفة "اندبندنت" أن المملكة المتحدة اشترت إمدادات معدات الوقاية الشخصية من شركات متهمة بممارسة العبودية الحديثة، خلال فترة تفشي وباء "كورونا"، على الرغم من تحذيرات تلقتها في هذا الصدد من داخل الحكومة.

وتظهر وثائق مسربة أن دوائر وايتهول حددت قبل فترة طويلة وتحديداً في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2019، أسماء شركات يشتبه في أنها تشغل عمالة بطريقة قسرية، في حين أعرب ديبلوماسي بريطاني خلال الصيف الفائت عن مخاوف متزايدة تتعلق بالموردين.

في غضون ذلك، كان ما زال يُشترى عشرات الملايين من المعدات من تلك الشركات معظمها في ماليزيا لاستخدامها من موظفي "الخدمات الصحية الوطنية" NHS، أثناء فترة الوباء في ظل ارتفاع الطلب عليها من المستشفيات التي ترزح تحت وطأة التزايد المستمر في أعداد المصابين بـ "كورونا".

حزب "العمال" البريطاني المعارض قال إن هناك "أسئلة جدية" مطروحة بشأن ما إذا كان المسؤولون قد تجاهلوا تلك التحذيرات وسط حمأة الاندفاع إلى شراء معدات الوقاية الشخصية نتيجة النقص في ألبسة الحماية والقفازات في المستشفيات على امتداد المملكة المتحدة، خلال الموجة الأولى.

في هذا الإطار، تبين ضلوع المصانع الماليزية في توظيف مهاجرين فقراء من بنغلاديش والنيبال بشكل غير قانوني مع بروز اتهامات بأنهم أجبروا على العيش والعمل في ظروف بائسة. وقد اتهمت بعض الشركات بسوء معاملة العمال من خلال مصادرة جوازات سفرهم وجعلهم عرضة لعبودية الدين، بحيث تقوم بتوريطهم في قروض لا يمكن سدادها.

كانت وزارة الداخلية البريطانية قد أصدرت في نوفمبر من العام الماضي - أي قبل فترة طويلة من انتشار الوباء - تقريراً عن قطاع تصنيع القفازات في ماليزيا تبين من خلاله أن "الفساد متوطن في أنظمة التوظيف فيها مع الدول المصدرة للعمال المهاجرين ويطاول أيضاً كل جزء من سلسلة التوريد العاملة في قطاع التوظيف".

ولفت التقرير إلى وجود "أدلة قوية" تشير إلى أن غالبية الشركات الماليزية المصنعة للقفازات التي تزود مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" في بريطانيا، تظهر مؤشرات إلى انتهاكات مرتبطة بالعمالة القسرية".

في المقابل، بعث تشارلز هاي المفوض السامي للمملكة المتحدة في كوالالمبور، برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى وزارة التجارة الدولية، يسلط الضوء فيها على مخاوف مستمرة مرتبطة بالعمالة القسرية في مجال صناعة القفازات في البلاد ورأى أن نظم التدقيق التي تعتمدها المملكة المتحدة في تقييم الشركات لا تفي بالغرض.

في الرابع والعشرين من أغسطس (آب)، كتب هاي إلى السير كريس وورمالد وهو كبير موظفي وزارة الصحة البريطانية، منبهاً إياه إلى وجود شبهات مرتبطة بالعمالة القسرية تتعلق بخمس شركات لتصنيع القفازات هي: WRP وAnsell وSupermax وKossan وHartalega. وأعرب مرةً أخرى عن مخاوف متعلقة بالتدقيق الذي يجرى في تلك الشركات، مطالباً الوزارة بالعمل جنباً إلى جنب مع وزارة الخارجية ووزارة التجارة الدولية لمعالجة مسألة اعتماد الحكومة على هذه الصناعة التي تعرضت لانتقادات شديدة.

ويرى مطلعون أن التهافت للحصول على معدات الوقاية الشخصية - التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها بأكثر من ألف في المئة في بعض الحالات - أدى إلى حدوث بلبلة وسوء في التواصل وإلى نشر الذعر في أوساط الدائرة المختصة بمعدات الوقاية الشخصية التي قامت الحكومة بإنشائها على وجه السرعة. 

يوضح أحد المصادر في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" أن "الأفراد المسؤولين عن الحصول على معدات الوقاية الشخصية لم تكن لديهم الخبرة الكافية أو المعرفة اللازمة بالمنتجات التي يشترونها ولم يكونوا على دراية بالتعقيدات التي تشتمل عليها سلاسل التوريد والمصانع ذات الصلة". وقال: "لقد تهافت المسؤولون على شراء ما أمكن لهم الحصول عليه من هذه المواد. ولم يكن أمامهم خيار آخر غير الحصول عليها من تلك المصانع المثيرة للجدل، وغض الطرف عن سجلها".

وأضاف: "قالوا إما حياتنا أو حياتهم، فقد أصبحت حياة مواطنينا في مقابل حياة مواطني بلد ربما لم نزره من قبل".

في المقابل، قال آخر إن "شخصاً في أحد المكاتب طلب شراء تلك القفازات ولم يفكر حتى في الأمر".

وكانت وزارة الصحة قد اشترت في بداية تفشي الوباء مخزوناً كاملاً من القفازات شمل 88.5 مليون قطعة من فرع شركة "سوبرماكس" في المملكة المتحدة، التي مقرها في بيتربورو وتستورد عدداً كبيراً من إمداداتها من مصانع الشركة الماليزية. وقد زعم عاملون في مصانعها في العام 2019، أنهم أجبروا على العمل مدة تصل إلى 12 ساعة في اليوم على مدى نحو 30 يوماً على التوالي.

إلا أن "سوبرماكس" نفت هذه الادعاءات ورفضت عندما اتصلت بها صحيفة "اندبندنت" إعطاء مزيد من التوضيحات في ما يتعلق بتقرير وزارة الداخلية للعام 2019.

يشار إلى أن إدارة NHS Supply Chain (المسؤولة عن تأمين مستلزمات المرافق الصحية وتوصيلها إليها)، أبرمت صفقة حالية بقيمة 85 مليون جنيه استرليني (112 مليون دولار أميركي) مع موردين دوليين بمن فيهم شركة "أنسيل" الإسترالية التي تمتلك ثلاثة مصانع ماليزية، لتأمين مواد مثل معدات الوقاية الشخصية وملابس المرضى وأغطية الأسرة والستائر. ومن المقرر أن ينتهي العقد الذي بدأ في مايو (أيار) العام 2017، في السنة المقبلة.

هذه الشركة التي لطالما سُلّط الضوء عليها في موضوع شراء قفازات من مؤسسات أخرى، تواجه ادعاءات بممارسة العبودية الحديثة. إلا أن ريكارد فروبرغ كبير المسؤولين التجاريين في "أنسيل" يقول إن عمليات شركته "تنسجم مع حقوق الإنسان على المستوى الوطني ومع معايير تشغيل العمالة"، تضمن "الامتثال الكامل للقوانين المحلية" وإن كانت تقر بأن ذلك كان يشكل تحدياً لها في الماضي.

ودعت راشيل ريفز وزيرة شؤون مجلس الوزراء في حكومة الظل "العمالية" رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت" إلى التحقيق في "النتائج المقلقة للغاية"، قائلة إنها أثارت "أسئلة جدية بشأن ما إذا كانت هذه الحكومة قد تجاهلت تحذيرات من مسؤوليها وديبلوماسييها".

أضافت "إننا نحض الحكومة على التحقيق في ذلك على الفور وتحديد كيف أمكن عمليات الشراء أن توصل بالمعنيين إلى وضع يمكن لهذا النوع من التدقيق في سلسلة التوريد أن لا يحدث!".

وكانت "إدارة سلسلة التوريد في الخدمات الصحية الوطنية" قد بعثت برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الموردين في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، اطلعت عليها صحيفة "اندبندنت"، تطلب منهم الحرص على تجنب منح عقد إنتاج قفازاتهم إلى شركة Top Glove وهي أكبر مصنع للقفازات في العالم أو إلى شركة WRP. وتواجه المؤسستان اتهامات بإساءة معاملة الموظفين ومصادرة جوازات سفرهم.

لكن طيلة فترة الوباء، وقع العاملون في المجال الطبي على منتجات لهاتين الشركتين في المستشفيات. وأكد أحد الأطباء الجراحين في جنوب شرقي إنجلترا أن قاعة التخزين كانت مليئة بمنتجات "توب غلوف" الموضبة داخل صناديق وزارة الصحة، فيما تلقى موظفون أيضاً قفازات تحمل علامة شركة WRP لاستخدامها.

وفيما أوضحت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أنها لم تشترِ القفازات مباشرة من "توب غلوف"، إلا أنها اعترفت بأن كميات قليلة منها صنعتها الشركة، وردَت من خلال عدد من الشركات الوسيطة. وأصرت الوزارة على أن أياً من الموردين الذين تتعامل معهم في مجال معدات الوقاية الشخصية لم يعقد صفقات مع شركة WRP.

شركة "توب غلوف" أكدت أنها "تمتثل لقوانين العمل المحلية" وأنها اتخذت "تدابير صارمة" في جميع مصانعها. أما شركة WRP فامتنعت عن الرد بعد توجيه طلبات إليها بالتعليق على الموضوع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت وزارة الداخلية البريطانية قد أدرجت شركتي "كوسان" وهارتاليغا" ضمن "أكبر الشركات المصنعة للقفازات التي تزود مرافق "الخدمات الصحية الوطنية". وواجهت كلتاهما اتهامات بشأن ممارسات التوظيف التي يضطر معها العمال الأجانب إلى دفع مبالغ كبيرة لتأمين فرص عمل لهم. وقالت شركة "هارتاليغا" إن تأمين الرفاه لموظفيها كان يشكل "أولوية قصوى" لديها وإنها تعكف على مواصلة التقدم "في مسارها المتعلق بالامتثال الاجتماعي". أما شركة "كوسان" فامتنعت من جانبها عن الرد على طلبات وجهت إليها بالتعليق على الأمر.

البروفيسور محمود بوتا المؤسس المشارك لمجموعة Medical Fair and Ethical Trade Group في "الرابطة الطبية البريطانية"، رأى أن توفير القفازات الطبية "ينبغي أن لا يكون على حساب حقوق الإنسان وسلامة العمال في المصانع".

وقال لصحيفة "اندبندنت": "لطالما كنا على علم منذ أعوام بأن مصانع كثيرة لإنتاج القفازات في ماليزيا تعرض العمال لديها إلى ظروف عمل قاسية ومعيشة سيئة. من هنا فإن التدابير التي تقوم بها الحكومة لوقف ممارسات صرف أموال دافعي الضرائب التي ترقى إلى مستوى العبودية الحديثة، هي غير كفؤة وفي غير محلها".

أضاف بوتا: "إن ’الرابطة الطبية البريطانية‘ تقر بوجود تحديات لوجستية في توريد مواد كالقفازات المطاطية بكميات ضخمة. لكن يتعين في المقابل على جميع الهيئات المعنية في قطاع المشتريات - بما فيها "الخدمات الصحية الوطنية" والإدارات الحكومية الأخرى - أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية المعتمدة في هذا القطاع وتخضِع الموردين للمساءلة عند اكتشاف أي انتهاكات".

آندي هول وهو عامل مهاجر مستقل يركز على متابعة القضايا المرتبطة بالعمالة القسرية للأفراد في سلاسل توريد القفازات المطاطية، قال لصحيفة "اندبندنت" إن "حكومة المملكة المتحدة و"إدارة سلسلة التوريد في الخدمات الصحية الوطنية"، قد فشلتا في نظام التدقيق المعتمد لديها الذي أثبت عدم فاعليته في توثيق معالجة موضوع التشغيل القسري للعمال الأجانب في سلاسل توريد القفازات المطاطية الماليزية ومنعها".

وأضاف هول أنه على الرغم من التعهدات التي قطعتها وزارة الداخلية البريطانية في العام 2018 لتحقيق مقدار أكبر من الشفافية لسلاسل التوريد في المملكة المتحدة والمساهمة في الجهود المبذولة لمكافحة العبودية الحديثة، لم تقم الحكومة إلا بتغذية هذه الممارسات "بشكل غير أخلاقي وغير مقبول"، من خلال تقاعسها عن اتخاذ خطوات فاعلة وميلها إلى غض الطرف عما يحصل".

متحدث باسم الحكومة قال: "إننا نتعامل مع جميع الادعاءات المتعلقة بالعبودية الحديثة بجدية بالغة ويجب على جميع الموردين اتّباع أعلى المعايير القانونية والأخلاقية المعتمدة. أما جميع أولئك الذين يقومون بإجراء اتفاقيات تعاقد من الباطن على الطلبات المتعلقة بمعدات الوقاية الخاصة بهيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، فيتعين عليهم أن يكونوا على دراية كاملة بآليات عمل سلاسل التوريد التي يتعاملون معها وأن يتحلوا بالمسؤولية المهنية، لأننا لن نمنح عقوداً لمن لا يستوفون هذه المعايير".

وأكدت الحكومة أن وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية طلبت من جميع موردي القفازات المطاطية إجراء تقييم للمصانع بشأن العبودية الحديثة، مشيرة إلى أن الشركات التي يتبين أنها تنتهك "نظام ضمان معايير العمل" في "الخدمات الصحية الوطنية" - الذي يسعى إلى ضمان ممارسات عمل عادلة ما بين الموردين - ستسحب من قائمة سلسلة التوريد في المملكة المتحدة.

ختمت قائلة، إن "المفوضية البريطانية السامية" في كوالالمبور، تعمل بانتظام مع الحكومة الماليزية لتحسين حماية العمال المهاجرين المستضعفين.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات