بريطانيا تختبر عقار هلوسة في علاج الاكتئاب

في دراسة أولى من نوعها، أعطت جهات تنظيمية تُعنى بالصحة في المملكة المتحدة الضوء الأخضر للشروع في تجربة سريرية على عقار يُسمى "ثنائي ميثيل التربتامين" dimethyltriptamine  (اختصاراً "دي إم تي" DMT) بغرض اختبار مدى فاعليته في علاج مرضى الاكتئاب.

والمركّب الذي يندرج ضمن العقاقير ذات التأثير النفسي والعقلي التي تعمل على تحوير الإدراك والاستيعاب وتُسمى عادة عقاقير الهلوسة، ويُشار إليه بأنّه "جزيء الروح"، يحفز المستخدم على الدخول في تجربة من الهلوسة الشديدة. علاوة على ذلك، يعد أحد المكونات الفاعلة الرئيسة في "الآياهواسكا" ayahuasca، مشروب يشيع تناوله في دول أميركا الجنوبية خلال ممارسة الطقوس "الشامانية"، يمكن العثور عليه في كثير من النباتات.

يسبب الدواء هلوسات واختلالات في إدراك الوقت والمكان والصوت واللون لدى المُستخدم، لكن تبقى هذه التأثيرات قصيرة الأمد مقارنة بأنواع أخرى من عقاقير الهلوسة من قبيل "ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك" Lysergic acid diethylamide  (اختصاراً "إل أس دي") والفطر السحري، التي يجنح تأثيرها إلى الاستمرار ساعات.

سيتولى إجراء التجربة "مركز بحوث الهلوسة" في "إمبريال كوليدج لندن" Imperial  College London بالتعاون مع "سمول فارما" Small Pharma، شركة لتطوير أدوية للأمراض النفسية والعصبية، وقد وصفت الأخيرة موافقة الجهات التنظيمية على إجراء تجربة على الدواء بـأنها "بحق، لحظة رائدة" في علاج الاكتئاب.

تقتضي المرحلة الأولى من التجربة، إعطاء الدواء لمشاركين أصحاء، ولكن من المرتقب أن تتبعها دراسة ثانية يشارك فيها متطوعون يكابدون الاكتئاب، سيحصلون أيضاً على استشارات في العلاج النفسي.

وصفت كارول روتليدج، كبيرة الموظفين الطبيين والعلميين في "سمول فارما"، موافقة الجهات التنظيمية بأنها "لحظة رائدة حقاً في السباق لعلاج الاكتئاب بشكل فاعل وآمن، إذ يعاني المزيد والمزيد من الناس نتيجة الجائحة (كورونا)".

في مقدور "دي أم تي" أن يؤدي إلى حالة تغيير مؤقتة للوعي في غضون 20 دقيقة، وفق كلام بيتر راندز، الرئيس التنفيذي لشركة "سمول فارما"، بالإضافة إلى أنه يتمتع بـ"خصائص فريدة أخرى يمكن استخدامها سريرياً". يحتوي المركّب الطبيعي على تركيبة دوائية مماثلة للمركب الكيماوي "سيلوسيبين" psilocybin الموجود في الفطر السحري و"أل أس دي".

استخدام العقار محظور، ويصنف على أنه من الفئة الأولى، بمعنى أنه من ضمن العقاقير الأكثر خطورة وضرراً، وتترتب على حيازته عقوبة أقصاها السجن سنوات، أما الترويج له فعقوبته السجن مدى الحياة. معنى ذلك أن على وزارة الداخلية البريطانية أيضاً منح الإذن بالمضي قدماً في التجربة الطبية، بعدما أعطت "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" (اختصاراً "إم إتش آر أي" MHRA) الضوء الأخضر للتجربة يوم الاثنين الماضي.

تأمل شركة تطوير أدوية الأمراض النفسية والعصبية أن تغير التجربة المرتقبة الآراء في الإمكانات التي تنطوي عليها "المركبات الموصومة التي عرفت بأنها سيئة السمعة" كعلاجات طبية مفيدة.

"باعتماد البحث والتطوير المسؤولين والقائمين على أدلة في مجال طب الهلوسة، نأمل في المساعدة في إعادة تصنيف تلك المركبات التي ارتسمت عنها صورة غير مرفوضة كعلاجات طبية شديدة الفاعلية في المستطاع دمجها في أنظمة الرعاية الصحية المعمول بها راهناً، وإتاحتها لملايين الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب"، قال راندز في تصريح له.

يأمل الفريق في بدء التجرية الأولى في يناير (كانون الثاني) 2021.

تأتي التجربة بعد بحث رصد نتائج إيجابية وطويلة الأمد في الصحة العقلية والنفسية لمتطوعين يستخدمون "السيلوسيبين" psilocybin، علماً بأنه مركب مهلوس موجود في أنواع من الفطر. في يناير الماضي، وجدت دراسة أن جرعة واحدة منه، يمكن أن تؤدي إلى "تحسينات كبيرة" في خفض التوتر والقلق لدى مرضى السرطان لمدة طويلة تصل إلى خمس سنوات بعد تناوله.

قال الباحثون إن "الغالبية الساحقة من المشاركين (71 إلى 100 في المئة) عزوا التغيرات الإيجابية التي طرأت على حياتهم إلى تجربة العلاج بـ"السيلوسيبين"، وصنفوها على أنها بالنسبة إليهم من بين أكثر التجارب ذات القيمة والأهمية الروحية التي مروا بها".

تأتي موافقة الهيئة التنظيمية أيضاً في أعقاب تقرير صدر في يوليو (تموز)، عن مركز البحوث النيوليبرالي مؤسسة "آدم سميث" في المملكة المتحدة، حث الحكومة البريطانية على تخفيف القيود المفروضة على "السيلوسيبين" للسماح بإجراء بحوث إضافية حول ما إذا كان يمكن استخدام تلك المادة في علاج الاكتئاب.