Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثابت والمتغير في قضية سد النهضة

جمود المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا ليس سببه النزاع في إقليم "تيغراي"

عناصر من ميليشيات الأمهرا الإثيوبية يتجهون للقتال في إقليم تيغراي (رويترز)

أثرت تطورات الأحداث في إثيوبيا، لا سيما الحرب في إقليم "تيغراي" الشمالي، على معطيات إقليمية عدة. ويأتي مشروع سد النهضة في مقدمة القضايا التي يرى البعض أنها ستتأثر بالأحداث، سواء سلباً أم إيجاباً، في مجمل التحولات المتوقع حدوثها.
ولا تزال مواقف الدول الثلاث؛ إثيوبيا، ومصر، والسودان، تجاه مفاوضات "سد النهضة"، تنتظر تقدماً في اتجاه التوصل إلى حلول للقضايا العالقة، وفي مقدمتها الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد والاتفاق القانوني بشأنه. فما انعكاسات الظروف الداخلية الإثيوبية على مفاوضات السد الذي يدخل عامه الثامن، وقطعت أديس أبابا في بنائه شوطاً بعيداً في إنجاز 76 في المئة من البناء والتشييد؟ وهل يؤثر مسار التطورات التي تشهدها إثيوبيا على المشروع؟ وما المستجدات المتوقعة على مسار المفاوضات؟

مستجدات وظروف

توقفت محادثات "سد النهضة" في دورتها الأخيرة منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، وبعد استئنافها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، اتخذ السودان موقفاً مطالباً بتجديد أسلوب المفاوضات باعتبارها عديمة الجدوى. وفي  نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت القاهرة، الفشل في التوصل لاتفاق حول منهجية استكمال المفاوضات، وذلك خلال اجتماع لوزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة الإطار الأمثل لإدارة المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الأفريقي.
وفي خضم الخلافات والتأجيل، دخلت إثيوبيا في ظروف جديدة بعد تمرد إقليم "تيغراي" على الحكومة الفيدرالية، ما دفع بالحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى إعلان الحرب على قيادة الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" المتمردة والاستيلاء على الإقليم.

أما بشأن تأثير هذه التطورات على مستقبل المفاوضات حول السد، فرأى المستشار القانوني، خالد عثمان طه أن "المشوار الذي قطعته مفاوضات سد النهضة جدير بالوصول إلى نهاياته الحتمية عندما تلتقي مصالح الأطراف الثلاثة في حلول قانونية توفر الوقت والجهد". وأضاف أن "ما يحدث في إثيوبيا أمر طبيعي تمر به كل دول الإقليم الأفريقي، ولا يؤثر على مشروع سد النهضة باعتباره مشروعاً قومياً تجمع عليه آراء الإثيوبيين بمختلف قومياتهم، وتياراتهم السياسية. كما أن إثيوبيا حريصة على إنجازه مهما كلفها الثمن باعتباره هدفاً قومياً".
وفي ما يتعلق بمسار التفاوض، قال المستشار القانوني، إن "إثيوبيا ظلت طيلة السنوات الماضية حريصة على اتباع التفاوض الإيجابي الذي يوضح الحاجات الوطنية، ويحفظ المصالح مع مراعاة حقوق الآخرين، ولذلك حرصت على عدم إغلاق باب الحوار على الرغم من الاختلافات في وجهات نظر الأطراف إلى بعض القضايا لسنوات عديدة". وأشار طه الى أهمية وصول الأطراف الثلاثة إلى صيغ قانونية تحفظ الحقوق وتشيع الطمأنينة لدى دول المصب، واصفاً ذلك بأنه مطلب طبيعي في قضية المياه.

وأكد طه أن "تجربة الاتحاد الأفريقي في إدارة الحوار تزداد حنكة في تقريب وجهات النظر الأطراف، ما يساعد في تحقيق الاتفاق الشامل، وهذا ما تسعى إليه الوساطة الأفريقية من خلال توفير المناخ الآمن بين الدول الأفريقية وحل مشاكلها بالطرق السلمية". وأضاف أن "قضية سد النهضة واضحة المعالم لشعب يريد الاستفادة من موارده، وهي كذلك ليست الأولى في مسار القضايا التي تعترض الدول الأفريقية من ضمن جملة المشاكل والتعقيدات التي تشهدها القارة السمراء، كما أنها ليست القضية الأولى التي يسعى الاتحاد الأفريقي إلى حلها". ورأى طه أنه "على الرغم من الظروف الأمنية المستجدة في إثيوبيا، فإنها لا ترقَ إلى التأثير في المسلمات القومية"، مضيفاً أن "التحدي الحقيقي يتمثل في قدرة الاتحاد الأفريقي عبر لجنة الوساطة الخاصة بسد النهضة، على تجديد آلياته وإحداث التوافق بين أطراف المفاوضات، وحل القضية في ظروف المتغيرات الأفريقية"، مشيراً إلى أن "نجاحاً كهذا سيعطي رصيداً سياسياً للاتحاد كمنظمة أفريقية معنية بحل مشاكل الدول الأفريقية وتحقيق السلام الإقليمي جملةً".

أما بشأن عزيمة ومواقف الدول الثلاث من الوصول إلى حلول على الرغم من التعقيدات السياسية، بناءً على اعتبارات الجوار والتاريخ المشترك، فيقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل، إن "ما يجمع الدول الثلاث من مشتركات تاريخية، وثقافات وعادات ينبغي أن تراعيها الحكومات كرصيد لشعوبها نحو السلام والتعاون في المنطقة".
وتطرق كامل إلى تأثير الأحداث على طبيعة الحل المرجو ومسار المفاوضات، فرأى أن "ما يجري في إثيوبيا في ظل التمرد الذي تقوده الجبهة الشعبية لتحرير (تيغراي)، لا يؤثر على حقوق إثيوبيا". وأضاف كامل أن "ما لمسه السودان من خلال التجارب السابقة خلال السنوات الماضية من بطء، ربما يكون سبباً وجيهاً للبحث عن آلية جديدة وطريقة مجدية لجني ثمار اتفاق يطوي السنين الطوال التي استهلكتها قضية سد النهضة، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة تعيد الثقة بين البلدان الثلاثة بناءً على علاقاتها التاريخية، والجغرافية التي ينبغي تنميتها لأجل الشعوب. كما يدفع ذلك إلى تحقيق التعاون المشترك الذي يصب لصالح هذه الشعوب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وجهات نظر

كانت آراء الدول الثلاث قد تباينت حول مسار الحوار. ففي الوقت الذي اجتمعت فيه وجهات نظر إثيوبيا ومصر على طريقة الحوار، اتخذ السودان موقفاً معارضاً من الآلية، وقرر عدم المشاركة في الاجتماع الوزاري حول السد الشهر الماضي.
وأكد وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، في رسالة بعث بها إلى نظيره الإثيوبي، سليشي بيكلي، على موقف بلاده الداعي إلى منح دور أكبر لمراقبي الاتحاد الأفريقي لتسهيل التفاوض وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة. وقال عباس "إن الطريقة التي اتبعت في التفاوض خلال الجولات الماضية أثبتت أنها غير مجدية". وجدد الوزير السوداني تأكيده تمسك السودان بالعملية التفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقى للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومُرضٍ للأطراف الثلاثة، إعمالاً لمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".
في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية السوداني بالوكالة، عمر قمر الدين، في تصريحات للتلفزيون الرسمي، على أن استخدام القوة في مفاوضات قضية السد "أمر مرفوض ولا ندعمه"، لافتاً إلى أن بلاده "لا تنوي تدويل قضية سد النهضة الآن، وهي مُصرَّة على استكمال طريق المفاوضات".

قدرة محدودة

كان بيكيلي قد أشار في الاجتماع الافتراضي حول تسريع تطوير الطاقة المتجددة لتلبية الحاجة العالمية إلى الطاقة في كلية لندن الجامعية بالمملكة المتحدة، وحضره ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الطاقة، وأكاديميون بارزون الشهر الماضي، إلى الخطوات الكبيرة التي تقوم بها إثيوبيا في مجال توليد الطاقة المتجددة وكيفية تسريع تطوير الطاقة المتجددة في إثيوبيا وشرق أفريقيا. كما تحدث سليشي عن مشروع سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا وتموله ذاتياً بطاقة 5150 ميغاواط، مشيراً إلى أنه في يونيو (حزيران) 2021 سيبدأ السد جولته الأولى من توليد الطاقة.
وتطرق سليشي في محاضرته إلى قضية نقص العملة الأجنبية لدى إثيوبيا، إلا أنه تحدث عن مجموعة متنوعة من الإجراءات والإصلاحات التي ستسمح بحل هذه المشكلة.
من جهة أخرى، وصفت الحكومة الإثيوبية، قدرة "جبهة تحرير تيغراي" على التمرد طويل الأمد بـ"المحدودة". وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الاثنين الماضي، إن "قوات الدفاع الإثيوبية استطاعت هزيمة قوات وميليشيات جبهة تحرير تيغراي". وأوضح أنه "بعد هزيمة جبهة تحرير تيغراي التي ألحقها بها الجيش الإثيوبي، فإن قدرتها على التمرد طويل الأمد ستكون مستحيلة ومحدودة".
وأكد أحمد أن "المهمة الحالية للحكومة الفيدرالية بشكل أساسي هي تقديم الهاربين إلى العدالة، واستعادة سيادة القانون في الإقليم".

ويرى مراقبون أن ما تشهده مفاوضات سد النهضة حالياً من جمود لم يكن بسبب عدم الاستقرار في الإقليم الإثيوبي الشمالي، بل على العكس فإن "نجاح إثيوبيا في القضاء على التمرد والاستيلاء على العاصمة الإقليمية ميكيلي يعطي دفعاً قوياً لاستكمال تنفيذ الأجندة القومية لحكومة آبي أحمد، وفي مقدمتها مشروع سد النهضة".     

المزيد من الشرق الأوسط