Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يرسم الأطفال ولهذه الأسباب

هناك وسائل عديدة لجعل الأولاد يعبرون عما يعيشونه ويشعرون به

الرسم لغة خاصة يعبر بها الأطفال على ورق من دون الحاجة إلى الشرح (اندبندنت عربية)

أقدم أثر من صنيعة البشر هو الرسم، التعبير الأول ما قبل النطق واللغة عبر التاريخ، ففي الكهوف، رسم الإنسان الحيوانات البرية التي كانت العدو الأول والصيد الثمين في آن واحد.

بعض الرسوم تعود إلى 16 ألف سنة حتى 38 ألف سنة قبل الميلاد في شمال إسبانيا وجنوب فرنسا، وبعض هذه الحيوانات مطعونة بالسهام، واعتبرها العلماء رسوماً سحرية تأتي بالحيوان إلى قبضة الصياد، وبالتالي إلى معدته كما تذكر قصة الحضارة لـ"ويل" و"إيريل ديورانت".

وصف للمشاعر

بدائيته وعفويته، عبر الإنسان الأول عن حياته وأساليبها وحاجته ومشاعره، ومثله الأطفال الذين تختبئ في رسومهم في أحيان كثيرة مشاعر لا يتحدثون عنها، ولا يعرفون كيف يصفونها، أو لا يرتاحون للتعبير عنها باللغة والكلام.

فيكون الرسم تلك اللغة الخاصة التي يفرغونها على ورق من دون الحاجة إلى الشرح، يرسمون مشاعرهم تجاه محيطهم، يرسمون الأهل، الأجداد، أفراد العائلة، الإخوة، والبيت وسواها من المحيط كما يرونه ويعني لهم بطريقة إيجابية أو سلبية.

أمل بجمع العائلة

ويرسم الأطفال، كل بحسب مهارته وموهبته، والرسوم الأولية تكون أحياناً عشوائية وأحياناً هندسية أو منظمة وواضحة إلا أنها توصل رسائل مختلفة.

هلا أبو سعيد تقول، إن ابنتها يارا (سبعة أعوام) متعلقة بفكرة العائلة، فكانت لفترة طويلة ترسم نفسها بين أمها وأبيها تمسك يديهما على الرغم من انفصالهما، وكان لديها أمل أن تجتمع العائلة مجدداً، لكنها عادت وتقبلت الفكرة وأصبحت ترسم كلاً على حدة، وتشير هلا إلى أن الطفل يعبر عن حالته الاجتماعية من خلال الرسم، إذ أصبحت ابنتها ترسم نفسها مع أمها وجدتها تماهياً مع حياتها الآن، وترسم أمها بعضلات وتقول لها، "أنت قوية جداً".

وتخبر دارين غزيزي أن ابنتها (أربعة أعوام) طلبوا منها في المدرسة رسم والدتها في عيد الأم، فرسمت دائرة على كامل الصفحة مع يدين ورجلين صغيرة، ورأس صغير، معللة ذلك بالقول، "إنني ناصحة (بدينة)، ما جعلني أضحك كثيراً عندما شاهدت الصورة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أشكال هندسية وغريبة

أما ابنة بثينة حصري فترسم أمها بشكل مثلث وتقصد به شكل الفستان، وترسم والدها بشكل مستطيل لأنه يرتدي قميصاً، كما ترسم والدها يعمل في مختبر، وهي ووالدتها قرب الفرن تعدان الطعام.

وتشير زهراء حيدر إلى أن ابنها حسن (خمسة أعوام) يرسم أمه وأباه بتكاوين كبيرة وغريبة، ويحب رسم العائلة دائماً، ويرسم أمه تمسك بيده وتحمل أخاه دائماً على الرغم من أنها لم تعد تحمله لأنه أصبح بعمر السنتين، وقد يرسم كل فرد من العائلة وحده ما عدا أخيه الصغير، وتقول إنه رسم بيتاً أسود أثناء الحجر الصحي.

وتخبر نيفين متولي أن ابنتها عائشة (ثمانية أعوام) ترسم العائلة على شكل أحرف أبجدية، وتكتب الحرف الأول من اسم كل فرد، وتكتب حرفي اسم أمها وأبيها أكبر حجماً في أعلى الورقة، وهي وإخوتها بأحرف بحجم أصغر تحت أحرف الأهل، أما ابنتها صباح (10 أعوام) فتكتب رسائل الاعتذار وطلب المسامحة من أمها وتسميها "سوبر ماما" وترسم لها القلوب.

رومي جعجع من جهتها، تخبر أن ابنها جوزيف (سبعة أعوام) يحب أن يرسم العائلة ويكتب أحرف الأسماء، لكنه يرسمها من دون آذان، وتقول إن المعالج النفسي يعتقد أنه قد يكون بحاجة لمن يستمع إليه، على الرغم من أنها تؤكد الإصغاء إليه دائماً.

وتقول نور حمية، إن ابنتها (خمسة أعوام) ترسمها على كامل الصفحة وعلى رأسها تاج، وتقول إن أمها جميلة وملكة و"سوبر ستار"، لكنها ترسم باقي أفراد العائلة مجتمعين.

وتخبر مها حرب، أن ابنها رسم العائلة مجتمعة، أمه وإخوته الثلاثة إلى جانب بعضهم البعض، والوالد بعيد قليلاً، وعندما سألته أمه لماذا؟ كان جوابه "كي يحمينا".

قوس قزح

وتقول باسمة نعمة، إن ابنها (أربعة أعوام ونصف العام) يرسم العائلة مع القلوب، ويرسم نفسه مع والدته، وكان قد رسم منذ أيام العائلة في رحلة بحرية، في قارب يقوده الأب، بينما هو ووالدته وأخوه قرب العلم اللبناني الذي وضع فيه حرف اسمه.

منال علامة تقول، إن ابنتها عندما كان عمرها (أربعة أعوام) رسمت العائلة، الأم بشعر طويل وبرداء قوس قزح، وهي بشعر طويل جداً وكعب عال، والأب في الوسط ممسكاً بيدها ويد أمها، بينما أخوها الصغير بالكاد يُرى في الصورة، لأنها كانت وما زالت تغار منه.

ويرسم علي (تسعة أعوام) بيتاً فيه هو وأخوه الصغير شربل (سنتان) داخل المنزل، وأمه وأبوه وعمته التي يحبها كثيراً خارج المنزل، وعندما سألته والدته صابرين باقي عن السبب، أشار فقط إلى أنهم أمام البيت، وتضيف أنه يغار كثيراً من أخيه، مع أنها لا تنحاز لأحد، حتى أنه يبكي متحججاً أن أهله لا يحبونه.

أهم من الرسم نقاشه

وعن الجانب النفسي الذي يرافق هذه الرسوم، اعتبرت رنا غنوي الاختصاصية في العمل الصحي الاجتماعي، والاستشارية بالعمل مع الأطفال منذ أكثر من 14 سنة، أن أي وسيلة تعبير، لا سيما الرسم، تستخدم لإخراج الأحاسيس، مشيرة إلى عدم وجود معايير لمعرفة دلالات الرسم بالمجمل، لأن التجارب السريرية والإكلينيكية لم تتطابق دوماً مع تفسيرات محددة للرسوم لذا فهي لا تعتبر تأشيرات حتمية.

والأهم من الرسمة في حد ذاتها، تقول رنا، النقاش الذي يدور بين المتابع والطفل حول رسوماته، لأن الطفل يقدم إسقاطاته الفكرية والمشاعرية والعاطفية بهذه الرسوم بحسب عمره، إذ تختلف مرحلة النمو النفسي التي يمر بها، إضافة إلى التجارب التي عاشها والتي يمكن أن تظهر في الرسم، وتعتبر أن النقاش الذي يدور حول الرسم مع المعالج هو الذي يدل أكثر من الرسم، "فالقصة ليست أن نأخذ رسماً لأطفالنا ونقول للمعالج، أن يحللها، الأمور لا تتم بهذه الطريقة، إلا إذا كانت فيها مؤشرات واضحة جداً لا تحمل الدحض".

وتعطي مثالاً للأطفال الذين عايشتهم وكانوا قد تعرضوا للتحرش الجنسي، فتقول إنهم يرسمون الأعضاء الجنسية في الجسم، أو يرسمون أنفسهم بطريقة معينة، فيسأل المعالج الطفل عن ماهية الرسم، وقد يكون جواب الطفل أن هذا "لا أحبه"، أو أنه "يؤذيني"، وهذا تبعاً لعمره وطريقة تعبيره، وأحياناً لا يبوح الأطفال لماذا قاموا برسم معين، وقد تكون مجرد وسيلة تنفيس لهم، وفرصة للتفريغ عما بداخلهم، وأحياناً أخرى تكون فرصة للبوح ويستطيعون سرد التجارب السيئة التي مروا بها.

دلالات مبدئية

وتقول رنا، إنه عندما يرسم الأولاد أهلهم خارج البيت، قد يكون بسبب عملهم خارج المنزل، وأحياناً يرسمون بيوت أجدادهم إذا كانوا يقضون وقتاً طويلاً فيها، وتضيف أنه من المؤشرات التي تظهر في رسوم بعض الأطفال الذين يستثنون فرداً من العائلة، وعندما نسألهم أن يعددوا مَن في الرسم يقولون مثلاً "أمي، أبي، أخي"، وعندما نسأل إن كان هؤلاء جميع أفراد العائلة، يجيبون "نسيت أختي" أو "ما زالت صغيرة"، أو "نائمة في الداخل"، وقد تكون قلة اهتمام أو محاولة إقصاء نتيجة الغيرة، وهنا على المعالج السؤال عن ترتيب الطفل في العائلة، والغيرة من المولود الجديد، وغير ذلك من الأمور.

وتتابع رنا أنها عملت مع أطفال تعرضوا لسوء المعاملة، بعضهم رسم أمه تمسك بيده وقلوباً، ورسم اليد الأخرى للأم كبيرة، في إمكان الدلالة على تعرضه للصفع، وبالنسبة للطفل، فإن وجود الأهل قربه على الرغم من سوء المعاملة أفضل من عدم وجودهم ومن تركه أو إهماله أو جعل مدبرة المنزل تهتم به، وهناك أطفال يرسمون العاملة المنزلية ضمن العائلة وقد يرسمونها أقرب إليهم.

وتذكر رنا أن هناك وسائل عديدة لجعل الطفل يعبر عما يعيشه والرسم واحدة منها، وقد لا يكون الأكثر دلالة، وتشير إلى تقنية اللعب التي تجسد البشر والأماكن والتي تكون المؤشرات فيها دالة بطريقة أوضح.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات