Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مناورات بحرية وجوية تجمع دولا عربية وأوروبية وسط غضب تركي

يقول مراقبون إن التدريبات تحظى بأهمية خاصة نظراً للوضع الجيوسياسي غير المستقر في منطقة شرق المتوسط

سفن تابعة للبحرية اليونانية (أ ف ب)

تشارك فرنسا والإمارات لأول مرة في تدريبات "ميدوزا" البحرية والجوية المشتركة مع مصر واليونان وقبرص، التي تُجرى على ساحل البحر المتوسط في مدينة الإسكندرية المصرية، وتمتد في الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 6 ديسمبر (كانون الأول)، وتأتي التدريبات بعد عام كامل من "ميدوزا 9" الأخيرة، التي أُجريت في جزيرة كريت في نوفمبر 2019؛ إذ كان من المقرر إجراء تدريبات هذا العام في الصيف، لكن تم تأجيلها بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.

تدريبات "ميدوزا" جزء من التعاون الدفاعي والأمني ​​الثلاثي بين قبرص واليونان ومصر. وتشمل التدريبات العديد من الأنشطة، بما في ذلك تخطيط وإدارة العمليات القتالية الجوية والبحرية المشتركة، والتدريب على الاعتراض البحري وعمليات التزود بالوقود ومواجهة الغواصات، ومكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية، وكذلك تنفيذ عمليات تفتيش السفن المشبوهة بمشاركة عناصر من القوات الخاصة والمظليين والقوات الخاصة البحرية.

تحالف خماسي

تأتي مشاركة الإمارات وفرنسا بعد خطوات عدة في إطار التقارب العسكري بين الدول الخمس هـذا العام؛ ففي الأسبوع الماضي وقعت اليونان والإمارات اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تهدف، بحسب ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، إلى "تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي" بين البلدين، كما سبق توقيع هذه الشراكة، مناورات بحرية مشتركة بين البلدين، في سبتمبر (أيلول) الماضي. 

وبحسب مراقبين فإن الجانب العسكري للشراكة بين اليونان والإمارات جدير بالملاحظة بشكل خاص لأنه يجبر كل دولة على مساعدة الطرف الآخر إذا تعرضت سلامتها الإقليمية للتهديد، وهو ما سيكون له تداعيات استراتيجية على تركيا التي ترتبط بعلاقات متوترة للغاية مع البلدين؛ فمن جانب تتنازع أنقرة وأثينا حول بعض المناطق الغنية بالغاز في شرق المتوسط وبحر إيجه، ومن جانب هناك توتر بين تركيا والإمارات في الملف الليبي.

وهناك تقارب مستمر ومتنامٍ بين مصر والدول الأربع كحلفاء تقليديين وتاريخيين لها. وشهد العام الجاري عدة تدريبات عسكرية مشتركة لمصر مع حلفائها كان آخرها تدريبات بحرية مطلع نوفمبر الجاري مع فرنسا باشتراك مقاتلات "إف-16".

هـذا التحالف المتنامي بين دول شرق المتوسط يبعث بتساؤلات عن تحالف عسكري ناشئ في المنطقة يهدف للتعامل مع التوترات المتصاعدة مع تركيا التي تزعم أحقيتها في غاز البحر المتوسط، وتصر على التنقيب في المياه الواقعة ضمن السيادة القبرصية واليونانية المحددة وفقاً للقانون الدولي للبحار. 

وخلال اجتماع افتراضي لوزراء خارجية الدول الخمس في مايو (آيار) الماضي، أعلنت مصر عن تحالف يهدف لمواجهة الاستفزازات التركية في المياه الإقليمية لقبرص، حيث تقوم تركيا بعمليات تنقيب "غير قانونية" في البحر المتوسط. كما ندد التحالف وقتها بانتهاكات تركيا للمجال الجوي اليوناني. وأعقب ذلك الاجتماع، بيان من الاتحاد الأوروبي في 16 من الشهر نفسه، دان عمليات التنقيب والاستكشاف التركية قبالة قبرص منذ أبريل (نيسان). 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ندد التحالف المناهض لتركيا بالحرب المستمرة في ليبيا والدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني، داعياً أنقرة إلى وقف تدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى ليبيا. وفي 21 أكتوبر الماضي، عقد قادة مصر واليونان وقبرص قمة في نيقوسيا، أعلنوا فيها أنهم وافقوا على مواجهة السياسات الاستفزازية والتصعيدية في منطقة شرق البحر المتوسط، في إشارة واضحة إلى تركيا.

وتلعب فرنسا دوراً كبيراً في دعم حلفائها الأوروبيين أمام التجاوزات التركية المتزايدة في المنطقة. وفي 11 سبتمبر الماضي، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في جزيرة كورسيكا، قمة قادة جنوب أوروبا "ميد7"، حيث تحدث بلهجة صارمة تجاه أردوغان قائلاً إن تركيا "لم تعد شريكة" للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط بعد قيامها بعمليات تنقيب "غير مقبولة" في المنطقة القبرصية، وطالب أوروبا بأن تتحدث بصوت "أكثر وحدة ووضوحاً"، وأن تكون أكثر "حزماً" تجاه حكومة الرئيس التركي.

وذهب الرئيس الفرنسي في خطابه، أمام قادة ست دول أوروبية، وهي: إيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وقبرص، والبرتغال، ومالطا، إلى تحديد خطوط حمراء للرئيس التركي في تجاوزاته تجاه جيرانه الأوروبيين أبرزها احترام السيادة الأوروبية. وعقدت فرنسا واليونان صفقة أسلحة كبرى على هامش القمة انطوت على حزمة أسلحة تتضمن فرقاطتين وما بين 12 و18 طائرة رافال وصواريخ كروز أسلحة أخرى.

مواجهة السلوك التركي

يرى مراقبون أن إنشاء تكتل متعدد الأطراف مناهض لتركيا سيوفر لكل من الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جو بايدن، أطراً بديلة لمحاولة مواجهة السلوك التركي الذي يُنظر إليه على أنه "مزعزع للاستقرار". 

ويقول ديفيد ريجوليت روزا، أستاذ العلوم السياسية والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي ورئيس تحرير مجلة "التوجهات السياسية"، إن التدريبات تهدف، كما تم التأكيد، إلى تعزيز قدرات القوات المشاركة وتبادل الخبرات العسكرية بين مصر واليونان وقبرص، لتكون دائماً على استعداد تام لمواجهة أي تهديد وحماية الأهداف الحيوية والاقتصادية في البحر المتوسط. ويشير، في تعليقه لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن تعزيز التعاون العسكري بين الدول الثلاث وفرنسا والإمارات يحظى بأهمية خاصة بسبب الوضع الجيوسياسي غير المستقر في منطقة جنوب شرقي البحر المتوسط ​​الكبرى.

وأضاف أنه لأول مرة في التاريخ، تشارك فرنسا والإمارات في التدريبات جنباً إلى جنب مع اليونان وقبرص ومصر، ما يُشعر تركيا بمزيد من العزلة في شرق المتوسط، وهو ما دفع المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية، بينار كارا، لمحاولة وصم مجموعة الدول الخمس، بإثارة التوترات والإشارة لهم باعتبارهم كتلة مناهضة لتركيا. وقالت كارا تعليقاً على "ميدوزا 10" إن "التدريبات، التي تبدأ في 30 نوفمبر قبالة الساحل المصري بمشاركة القوات الجوية للدول الخمس. تُظهر مرة أخرى من يريد التوتر ويتجنب الحوار، ولا يريد السلام"، معربة عن شعور بلادها بالإحباط.

موقف الناتو

ومع ذلك، فإن حقيقة أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ربما تقلل من التهديد العسكري الذي قد يشكله أي تحالف في شرق المتوسط بالنسبة لأنقرة، وفي الوقت نفسه قد يدفع بالأعضاء الكبار في الناتو إلى التوسط لفرض التهدئة بين الأطراف المتصادمة. وفي أكتوبر الماضي، أعلن الناتو عن إنشاء آلية عسكرية لفض الاشتباك بين تركيا واليونان في حين يتعلق بشرق المتوسط. وتهدف الآلية إلى الحد من مخاطر وقوع حوادث بحرية وجوية بين قوات البلدين، وتتضمن خطاً ساخناً، لكن يعتقد جيمي شياو، نائب الأمين العام السابق للتحديات الأمنية الناشئة في حلف الناتو، أن المجتمع الدولي ليس عاجزاً أمام تحدي تحول منطقة شرق المتوسط إلى منطقة صراع جديدة لأوروبا؛ إذ لا يزال هناك وقت للتعامل مع الأمر باستراتيجية أوسع، بحيث يعود الناتو إلى دوره التقليدي من خلال إجراء "محادثات تقنية" في مقره في بروكسل بين ممثلين عسكريين يونانيين وأتراك. ويمكن للناتو أن يعمل هنا كوسيط نزيه للتحقيق في الحوادث ومراقبة البحر والمجال الجوي لتحذير القوات اليونانية والتركية بالابتعاد عن بعضها البعض. كما يمكن للأمم المتحدة عقد مؤتمر دولي، كما اقترح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، تشارلز ميشال، للتوصل إلى تفاهم بشأن شرق المتوسط، لكن ينتقد عديد من المراقبين موقف قيادة الناتو تجاه التجاوزات التركية، في المتوسط.

وتقول هيليني باناجتوريا، الباحثة لدى المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية، إنه في حين تم الترحيب بتركيا كعضو مهم من الناحية الاستراتيجية في الناتو، تحاول تركيا بشكل منهجي كتابة قواعد جديدة "مستهزئة علانية" بالقواعد ذاتها التي من المفترض أن تلتزم بها. وعلى سبيل المثال، كان شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية "أس 400"، انتهاكاً كبيراً لقواعد الدفاع الجوي لحلف الناتو، ومع ذلك تم التسامح معه على الأرض.

وقالت باناجتوريا في مناقشة أعدتها مؤسسة كارنيغي للأبحاث "من الواضح أن التسامح يولد المزيد من الأحادية ويدعو إلى العدوان... في ظل حكم أردوغان، تصدر تركيا الاستبداد المحلي والتجاهل الصارخ لسيادة القانون إلى المسرح الدولي في هذه العملية، فهي تقوض الدفاع الجماعي لحلف الناتو والقيم الليبرالية".

ويرى مراقبون أنه كلما احتفظ الأمين العام للناتو يانس ستولتنبرغ بواجهة من الحياد، وأحجم عن إظهار موقف حازم يتجاوز "نهج عدم التدخل" الذي استنكره رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، كلما زاد الضرر بالمنظمة التي من المفترض أنه يخدمها. وفي هذا الصدد ترى ياناجتوريا أهمية إنشاء إطار عملي وذي مصداقية لخفض التصعيد، ربما عن طريق استغلال الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا.

ألمانيا

الأمر لا يقتصر فقط على موقف الناتو، ولكن الانقسام الأوروبي نفسه، ففي الوقت الذي تتصدر فيه فرنسا مشهد الدفاع عن أعضاء الاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا تتبع سياسة مهادنة لتركيا. والأسبوع الجاري وجه وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، انتقادات لاذعة لبرلين بسبب رفضها حظر تصدير الأسلحة لأنقرة، قائلاً في مقابلة مع صحيفة "بولتيكو" الأميركية، إن ألمانيا فشلت في اختبار قيادتها للاتحاد الأوروبي. وأضاف "لا أفهم حقاً إحجام ألمانيا عن استخدام القوة الهائلة لاقتصادها لتقديم مثال واضح للدول التي يجب عليها الامتثال للقانون الدولي".

ودعت اليونان ألمانيا على وجه التحديد إلى عدم السماح بتسليم ست غواصات ألمانية الصنع من طراز 214 لتركيا. وتقول أثينا إن السفن ستخل بتوازن القوى في شرق البحر المتوسط. وغرد ديندياس على حسابه بموقع تويتر قائلاً "إنني أتفهم الجانب المالي، لكنني متأكد من أن ألمانيا تتفهم أيضاً التناقض الهائل المتمثل في توفير أسلحة هجومية لدولة تهدد السلام والاستقرار لدولتين من دول الاتحاد الأوروبي. هذا هو تعريف كلمة تناقض".

وكانت اليونان تناشد شركاءها  الأوروبيين، منذ شهور، منع بيع الأسلحة لتركيا مع استمرار أنقرة في تهديد السيادة اليونانية والأوروبية. وهذا الأسبوع، ناشدت اليونان مباشرة بعض دول الاتحاد الأوروبي لوقف نقل تسليم الأسلحة إلى تركيا.

المزيد من سياسة