Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأميركي دون ديليلو يطلق إنذارا بوقوع حرب عالمية ثالثة

في روايته الجديدة "الصمت" يواجه قضية الزحف التكنولوجي والأخطار الناجمة عنه

الروائي الأميركي دون ديليلو (غيتي)

اختار الروائي والمسرحي والسيناريست دون ريتشارد ديليلو العيش في ما يمكن تشبيهه بمحمية طبيعية في برونكسفيل في نيويورك، بمنأى عن كل العوامل التي من شأنها أن تؤدي إلى انمساخه. فنادراً ما يستجيب لدعوات إلى مناقشة أعماله، أو حضور مؤتمرات. وحتى في تلك المرات النادرة، حرص أن يحمل بطاقة مكتوب عليها "لا أرغب في الحديث عن أعمالي". وحين طُلب منه صراحة إلقاء كلمة في حفلة توزيع جوائز الكتاب الوطنية عن روايته "ضوضاء بيضاء" التي حققت شهرته الواسعة، قام من مقعده ليقول باقتضاب شديد: "أعتذر عن عدم استطاعتي الحضور هنا الليلة، ولكني أشكركم جميعاً على حضوركم"، ثم عاد ليجلس في مقعده.

الوقوع في الفخ

لم تستطع التكنولوجيا التي أبهرتنا بشتى وسائلها، أن تغري ديليلو بالتعامل معها حتى على مستوى إنشاء بريد إلكتروني يسهل عليه ولو في هذا السن (83 سنة) تبادل الرسائل. إلى الآن يفضل أن يكتب أعماله على آلته الكاتبة العتيقة الطراز، وما يطرحه من خلال روايته الأخيرة "الصمت"، أقصر رواياته على الإطلاق، هو بمثابة تحذير من الزحف التكنولوجي، بما يحمل في طياته من بذور انهياره الوشيك، أكبر فخ انسقنا إليه، مسلوبي الإرادة.

"أعتقد أن الكتّاب، بطبيعتهم، يجب أن يقاوموا الأشياء، وأن يقاوموا أي سلطة تحاول فرضها علينا".

كتب ديليلو "الصمت" قبل أسابيع فقط من انتشار جائحة كورونا في العالم، حين لم يكن ممكناً التنبؤ بها ولا بما فرضته علينا جميعاً من وضع مقبض مهما جمح بنا الخيال. الكاتب وحده، من وجهة نظر ديليلو، هو من يستطيع أن يستشرف المستقبل قبل الآخرين.

تبدأ القصة على متن طائرة، جيم كريبس وزوجته تيسا عائدان إلى نيويورك من عطلة في باريس. يشعران بالضجر من جلوسهما لساعات، يتبادلان أحاديث آلية تولدها "طبيعة رحلات الطيران نفسها". فجأة، يسمع الركاب "طرقاً هائلاً في مكان ما أسفلهم". الاضطراب يرج الطائرة بقوة. تندلع أصوات مذعورة عبر جهاز الاتصال الداخلي: "قد تصبح الحياة مثيرة حد أن ننسى الخوف. في الشاحنة الصغيرة، عبر الشوارع الهادئة، كان جيم يترقب أن تلتفت إليه تيسا حتى يتمكنا من تبادل النظرات. كان هناك آخرون محشورين في العربة المغلقة، مضيفا الطائرة، رجل يتحدث إلى نفسه بالفرنسية، رجل يتحدث إلى هاتفه، يهزه، يلعنه.

آخرون يئنون. آخرون ما زالوا على هدوئهم، يحاولون تذكر ما حدث ومن يكونون. لقد سقطوا كتلة مترنحة من المعدن والزجاج والحياة البشرية، من السماء. أحدهم قال: "هبطنا. لم أصدق أننا كنا نطفو". قال شخص آخر: "لا أعرف شيئاً عن الطفو. ربما في البداية. لكننا اصطدمنا بعنف".

"هل فوتنا مدرج المطار؟" ردت امرأة: "هبطنا بعنف. اندلع حريق". كنا نتزحلق فألقيت نظرة من النافذة. كان الجناح يحترق".

حاول جيم كريبس أن يتذكر ما رآه. حاول أن يتذكر خوفه. لقد جرح في جبهته، وأصيب بتمزق، الآن توقف الدم. واصلت تيسا النظر إليه، كادت أن تلمسه؛ ربما اعتقدت أن هذا قد يساعدهم على التذكر".

كوراث محتملة

يُطلق هذا الاستهلال كل الإنذارات المعتادة لكارثة عالمية: سقوط الطائرات من السماء، مدن تغرق في الظلام. لكن لا. لن نتعرض لمثل هذه الكارثة الفوضوية هنا. ديليلو يعالج أمراً آخر: شيء يتعلق باعتمادنا المؤسف على التكنولوجيا. إنه أول مؤشر على "فشل الاتصالات" الذي تسبب في توقف جميع التقنيات بشكل مفاجئ وكارثي. جيم وتيسا ينجوان من حادث الهبوط بخدوش، وبمنطق غريب شبيه بالحلم في هذه الرواية السوريالية، يشقان طريقهما إلى منزل ماكس ستينر وديان لوكاس في نيويورك.

الزمن هو المستقبل القريب، عام 2022، واليوم يوم "السوبر بول"، حيث يتجمع معظم الأميركيين حول أجهزة التلفزيون. ديان، أستاذة فيزياء متقاعدة، وزوجها ماكس، وطالبها السابق ينتظرون وصول صديقيهما بعد رحلتهما المثيرة من باريس، حتى الآن، الضيف الوحيد هو مارتن، أحد طلاب الفيزياء السابقين لديان.

"جلسا ينتظران أمام شاشة التلفزيون الفائقة. ديان لوكاس وماكس ستينر. كانت للرجل باع طويلة في الرهانات الكبيرة على المباريات الرياضية وكانت هذه هي المباراة النهائية لموسم كرة القدم، كرة القدم الأميركية، فريقان، أحد عشر لاعباً في كل فريق، ملعب مستطيل بطول مئة ياردة، خطا المرمى وشبكتا المرمى في كلا الجانبين. النشيد الوطني أداه شخص شبه مشهور، ستة طيور رعدية تابعة للقوات الجوية الأميركية تنتشر فوق الملعب".

كان ماكس معتاداً على كثرة الجلوس، ملتصقاً بمقعده ذي الذراعين، يجلس، يشاهد، ويشتم بصمت حين يطيش الهدف الميداني أو يحدث ارتباك. كانت اللعنة بادية في عينيه المشقوقتين، عينه اليمنى شبه مغلقة، ولكن اعتماداً على حالة اللعبة وحجم الرهان، قد تصبح لغة الوجه نابية تماماً، متحسرة على الحياة: "الشفتان مشدودتان، الذقن ترتجف قليلاً، وثمة تجعيدة قرب أنفه تأخذ في الاستطالة. لا ينطق بكلمة، هذا التوتر فحسب، اليد اليمنى تتحرك إلى الساعد الأيسر لتخمش كالقردة، بأسلوب الرئيسيات، والأصابع تحفر عميقاً في اللحم".

ما إن تبدأ المباراة حتى يحدث شيء ما، فتنقطع الاتصالات الرقمية التي غيرت حياتنا. هنا يدير حواراً مبهراً ومؤثراً بعمق على ألسنة شخوصه المنتظرة حول ما يجعلنا بشراً. يقترح مارتن أن الحكومة الصينية قد تكون أطلقت "نبوءة على الإنترنت"، وتروي ديان نكتة عن الكائنات الفضائية فتتخيل أن "كل الناس يترقبون باهتمام أو يجلسون كما نفعل، في حيرة، مهجورين من العلم والتكنولوجيا والحس المشترك". بالنسبة لمارتن، الذي بوسعه متابعة الأحداث العالمية، يرى أن فشل التكنولوجيا هو أحد الإنذارات المبكرة في ما قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة.

تنبؤ أينشتاين المفزع

ليس من قبيل الصدفة، أن يلعب ألبرت أينشتاين دوراً بارزاً في روايتين مهمتين من إصدار هذا العام: "الصيف" لإلي سميث، وفيها يبحث طالب المدرسة الفاشية روبرت غرينلو عن آثار وجود أينشتاين في إنجلترا، ومن خلال قراءته لأعماله، يتوصل إلى فهم أفضل لمكانته في المكان والزمان.

تبدو "الصمت" بأكملها وكأنها محاولة للإجابة على السؤال المطروح في العبارة المقتبسة، من أينشتاين: "أنا لا أعرف بأي أسلحة ستخاض الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب العالمية الرابعة ستخاض بالعصي والحجارة".

يطلب منا ديليلو الذي وصف كتاباته بأنها معنية بـ "العيش في الأوقات الخطرة"، أن نفكر في مقدار ما نعيشه من حياتنا على الإنترنت حالياً، وكم سنفقد من أنفسنا إذا لم نتمكن من الوصول إلى الإنترنت. "ماذا يحدث للأشخاص الذين يعيشون داخل هواتفهم؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالكاد تتألف رواية ديليلو من 10 آلاف كلمة، ما يجعلها تتراوح بين القصة القصيرة الطويلة بعض الشيء والرواية، كأنها دليل آخر على ما سمي بالخفة التي ميزت أعماله الأخيرة. وهو المعروف بطول رواياته، وتشعب تفاصيلها، وحواراته الطريفة الذكية، لكنه منذ روايته "العالم السفلي" الصادرة عام 1997، أصبح يميل إلى الإشارة. هو نفسه بعد صدور روايته "نقطة أوميغا" قال في حوار نادر له: "أردت أن أشير إلى الأشياء أكثر مما أردت اكتشافها بصورة كاملة".

هكذا انقسم النقاد بشأن رواياته الأخيرة، البعض يراها مقارنة برواياته الأولى، خفيفة ومقتضبة وغامضة. كتب أحدهم: "كانت قراءة روايات ديليلو بعد "العالم السفلي" أمراً غريباً ومحزناً، مثل مشاهدة شيء رائع يتراجع ببطء". بينما يرى البعض أن فن الرواية لم يكن أبداً بمثابة إشارة مباشرة لإبحارنا في عالم محير. ولم تكن خبرة ديليلو وخياله ولغته أكثر إضاءة وأهمية من قبل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة