Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عملة رقمية في لبنان عام 2021

ضبط للمضاربة بالأوراق النقدية وتخوف من تعدد أسعار صرفها

العملة الرقمية تمكن مصرف لبنان من مراقبة انتقال العملة (أ ف ب) 

بينما تُحجز الودائع في المصارف اللبنانية التي تعاني من شح في السيولة، أعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إحياء مشروع قديم جديد: العملة الإلكترونية (Digital Currency).

فما كان في عام 2018 خطوة لمواكبة التطور العالمي والدفع في اتجاه اقتصاد غير نقدي أو (Cashless society)، أصبح مع نهاية عام 2020، وفيما يغرق لبنان في أزمات اقتصادية ومالية ونقدية، محاولة لضبط المضاربة على الليرة وتفلت سوق الصيرفة، ومحاولة لإعادة استثمار الأموال المحجوزة في الاقتصاد المحلي وإدارة السيولة.

إنما، فيما تغيب الثقة في القطاع المصرفي، لن يكون سهلاً إمرار العملة الرقمية وفرضها أداة مالية جديدة في السوق.

وأعلن مصرف لبنان أنه في صدد إعداد آلية لفرض نظام مالي جديد CASHLESS SYSTEM، لإطلاق عملة لبنانية رقمية خلال عام 2021 من ضمن آلية تنظيمية لإعادة الثقة في المصارف وتحريك سوق النقد محلياً وخارجياً، مما يسمح بانتقال لبنان من اقتصاد نقدي إلى اقتصاد رقمي.

والعملة الرقمية هي عبارة عن قيمة مالية كقيمة العملة الورقية، إلا أنها غير موجودة بأشكال فيزيائية ملموسة، بل إنها افتراضية، وعادة ما تحمل وتُتناقل عبر الإنترنت، وتهدف إلى الدفع الإلكتروني في المعاملات التجارية أو نقل الأموال وتحويلها من دون حدود ومعوقات.

ولا بد من التمييز بين العملات الرقمية التي عادة ما تكون مركزية وتصدرها وتتحكم بها المصارف المركزية والعملات المشفرة وأشهرها "بيتكوين"، وهي عملات لامركزية، أي لا يمكن لحكومة أو مؤسسة ما أن تتحكم في إنتاج مزيد منها أو مراقبتها.

متنفس داخلي لصرف الودائع وضبط التلاعب

بدوره، يرى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان سمير حمود أن "إطلاق عملة رقمية على الرغم من الأزمات التي تعصف بلبنان ليس أمراً صعباً أو مستحيلاً، لا بل الخطوة تؤكد قدرة لبنان على اللحاق بالتقنيات المالية العالمية، ولو أن استعمالها سيقتصر في المرحلة الأولى على الداخل اللبناني".

ففي ظل انعدام الثقة في القطاع المصرفي وتعثر عمله، إذ أصبحت المصارف في لبنان كصناديق تفتقر إلى التنظيم، فإن إطلاق العملة الرقمية قد يسهم في تيسير صرف الودائع في الاستهلاك المحلي.

والودائع في المصارف اللبنانية التي تصل قيمتها إلى نحو 100 مليار دولار غير متاحة لتغذية الاقتصاد، فهي محتجزة بفعل شح السيولة النقدية، لذلك قد تشكل العملة الرقمية وسيلة لتحرير الودائع وإتاحة إمكانية استهلاكها لإعادة عجلة الاستهلاك والنمو إلى الاقتصاد المحلي، ولو أن تحقيق ذلك يتطلب سنوات.

ضبط السوق والحد من التلاعب

تنشط السوق السوداء وعمليات الصيرفة غير الشرعية في لبنان. فالمواطنون يلجأون إلى سحب أموالهم من المصارف عبر الشيكات المصرفية وتسييلها بخصومات أو حتى سحب الودائع بالدولار على سعر المنصة المحدد من مصرف لبنان (3900 ليرة لكل دولار) ثم تحويلها إلى الدولار عبر الأسواق الموازية. مما يخلق طلباً في سوق غير منضبطة للتداول بالعملات الورقية.

واقعٌ يرى حمود أن "العملة الرقمية قد تسهم في ضبطه، لا بل أكثر من ذلك، ستسمح العملة الرقمية بتحويل الدولارات المصرفية (على سعر المنصة أو غيرها) إلى عملة رقمية بخطوة ممتازة لتنظيم السيولة والعمليات التجارية التي ستصبح مراقبة وشرعية، فيعود الدولار المحلي إلى التداول من دون إمكانية المضاربة عليه في السوق السوداء".

ويؤكد حمود مبدأ أن يكون استعمال العملة الرقمية طوعياً وليس إلزامياً، أي برضى العميل لإعادة بناء الثقة في النظام المالي والقطاع المصرفي، كما يتوقع أن يكون إصدارها محدوداً في المرحلة الأولى، أي بقيمة نقدية غير كبيرة، وأن تسهم في الحد من انتشار ظاهرة الاقتصاد النقدي.

العملة الرقمية تطرح حلولاً ومعضلات

من جانبه، يتوقع الأمين العام السابق لاتحاد البورصات العربية والرئيس السابق لبورصة بيروت فادي خلف أن يُستعمل ما سماه الليرة الرقمية عبر تحميل محفظة رقمية على الهواتف المحمولة وتعبئتها بالمال من الحسابات في أي بنك تجاري للمستهلكين أو الشركات، كي تُستخدم بعدها هذه الأموال إلكترونياً واستلامها مباشرةً من أي شخص آخر لديه محفظة رقمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من إمكانية تطبيقها، خصوصاً بعدما أصبح لبنان في اقتصاد مغلق، ما يعني أن في إمكان البنك المركزي فرض أي إجراء على المواطنين، فإن العملة الرقمية بحسب خلف لن تشكل حلاً للعملة الورقية.

ويتخوف خلف من العديد من الصعوبات والتحديات التي ستواجه استعمال العملة الرقمية. فمنذ بدء الأزمة المالية والنقدية في لبنان، تحول المجتمع إلى النقد بشكل متزايد، نظراً للقيود الكبيرة على التعاملات المصرفية والبطاقات الإلكترونية.

فالثقة في النظام المصرفي معدومة وسيكون من الصعب إقناع اللبنانيين بتحويل أموالهم الفعلية إلى رقمية من دون محفزات.

ويعطي خلف مثالاً على إمكانية إتاحة مصرف لبنان تحويل الدولار المصرفي إلى قيمة رقمية أعلى من القيمة النقدية وتبرير ذلك بكلفة الطباعة التي يمكن توفيرها من خلال العملة الرقمية. إجراء قد يدفع المواطنين إلى اعتماد القيمة الأعلى ولو تحت مسمى الرقمي.

ضبط التهريب والسوق الموازية

ويشرح خلف أن العملة الرقمية تمكن المصرف المركزي من مراقبة انتقال العملة من محفظة إلى أخرى، وتتبع الموقع الدقيق لكل وحدة من العملة، مما يحد من تخزين الأوراق النقدية التي يقدر المركزي أنها الآن نحو 10 مليارات دولار. وبالتالي، تحد العملة الرقمية من إمكانية المتاجرة بالعملة اللبنانية عبر الحدود.

فالمركزي في الأشهر العشرة الماضية أصدر وطرح في الأسواق نقداً بواقع 1.4 تريليون ليرة شهرياً، لم يعد منها إلى المصارف أكثر من 500 مليار ليرة شهرياً. ما يطرح كثيراً من التساؤلات.

لتأتي العملة الرقمية كحل ممكن لمشكلة المضاربة بالأوراق النقدية على حساب الاقتصاد اللبناني وضبط حركة الأموال وتوجهاتها. فالمركزي يستطيع أن يراقب بدقة كيف تتحرك السيولة والتحكم بها.

إدارة أفضل للسيولة المتضخمة

يتوقع خلف أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من طبع العملة ومعها ارتفاع التضخم في ظل استمرار مصرف لبنان بتمويل الدولة المتعثرة.

وهنا، تبرز العملة النقدية كحل لكلفة الطباعة المترتبة على المركزي وكحل لإدارة السيولة المتضخمة في الأسواق.

وستسهل العملة الرقمية التعامل بين المواطنين الذين يضطرون حالياً إلى حمل رزم من الليرات لتسديد المدفوعات العادية. ويرى خلف أنها إن أرست ثقة مقبولة بين المواطنين قد تحميهم من عمليات سرقة متوقعة ومن فقدان ثقتهم بالمصارف، شرط أن تكون مقبولة من عموم التجار مهما صغر حجم أعمالهم.

المضاربة على العملة الرقمية

على الرغم من إيجابيات العملة الرقمية التي تظهر كمحاولة من المركزي للسيطرة على المخاطر المحدقة بالاقتصاد والمتمثلة بالتضخم والسيولة، فإن استحداث عملة جديدة في دولة تعاني من الانهيار ومن تعدد أسعار الصرف، قد يعني إضافة أداة جديدة للتلاعب وسعر صرف جديد في الأسواق اللبنانية.

ويوضح خلف أنه مع تعدد سعر صرف الدولار بين الرسمي عند 1500 ليرة، وبحسب سعر المنصة عند 3900 ليرة، والسعر في السوق السوداء الذي يتحرك عند 8000 ليرة للدولار الواحد، قد تشكل العملة أداة جديدة لتسييل الودائع وتحويلها إلى نقد عبر إخضاعها لتخفيضات في القيمة أسوة بتجارة الشيكات الناشطة في لبنان.

ضبط الأسواق وإعادة الثقة في القطاع المصرفي وتحريك الاقتصاد اللبناني يحتاجان بالتأكيد إلى أكثر من إطلاق عملة رقمية، لتبقى خطوة المركزي ناقصة إذا لم يرافقها حل جذري يتمثل في إقرار خطة للنهوض الاقتصادي تترافق مع إصلاحات هيكلية ومساعدات دولية.

المزيد من عملات رقمية