Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبر جماعي في أم درمان ينبش جراح السودانيين ويثير غضبهم

لجنة التحقيق تفتح الملف وتستدعي أسر مفقودي فض اعتصام القيادة العامة لمطابقة الحمض النووي

غضب في الشارع السوداني ومطالبة بالعدالة إثر اكتشاف المقبرة الجماعية (حسن حامد - اندبندنت عربية)

بعد مرور سنة على "اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني"، الذي فُض في يونيو (حزيران) 2019، لا يزال مصير مئات المعتصمين الذين سُجل اختفاؤهم منذ ذلك الوقت مجهولاً، وذلك على الرغم من تدوين بلاغات بهذا الشأن، وتشكيل لجان وإطلاق مبادرات هدفها البحث عنهم، أدت إلى العثور على عدد قليل منهم في أماكن متفرقة، من بينها مجرى نهر النيل.

ونشرت لجنة التحقيق بشأن اختفاء هؤلاء الأشخاص تعميماً صحافياً في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يؤكد العثور على بعض المفقودين في مقبرة جماعية اكتُشفت حديثاً. وأشارت البيانات إلى أنه من المرجح أن تكون من بينهم جثامين لمفقودي "اعتداء فض اعتصام القيادة العامة"، "دُفنوا بصورة تتنافى والكرامة الإنسانية"، بحسب اللجنة، التي أكدت استمرار التحقيق بشأن مصير من فقدوا قسراً في أحداث ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. 

مبادرة "مفقود"

 نتج عن فض "اعتصام القيادة العامة" مقتل أكثر من 300 شخص وفقدان أكثر من 100. وبدأت أسر سودانية بعد هذه الأحداث البحث عن أبنائها الذين كانوا معتصمين أمام مقر الجيش ثم فقدوا. في تلك الفترة قُطع الإنترنت في البلاد، ما صعب عملية البحث عن المفقودين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفتحت بعض الأسر بلاغات فقدان، بينما تعثرت أخرى بسبب تعنت الشرطة.

وأُطلقت في 5 يونيو الماضي، صفحة على "فيسبوك" بعنوان "مفقود" هدفها البحث عن مفقودي اعتداء فض اعتصام القيادة العامة. وقال مؤسس الصفحة يحيى عبد العظيم، إن "موقف المبادرة منذ تأسيسها ثابت في معرفة مصير مفقودي مجزرة القيادة العامة وأحداث الثورة، وتسعى جاهدةً مع لجنة النائب العام لتحديد مصيرهم. ويرجح بشكل كبير أن المقبرة المكتشفة تعود لمفقودي فض اعتصام القيادة العامة الذين نبحث عنهم، وشرعنا في الإجراءات لنبشها وحصر عدد الجثامين وملابسات قتلهم، وستقوم اللجنة بأخذ عينات أُسر المفقودين لمعرفة ما إذا كانت تنتمي إليهم أم لا، وسنصدر بالتعاون مع لجنة النائب العام تقريراً عن مستجدات وملابسات الحادثة".

وتابع عبدالعظيم "موقفنا هو الالتزام التام بالتوصل إلى معرفة سبب دفن هذه الجثامين بهذه الطريقة البشعة، ومن وراءه، والمطالبة بحق الضحايا مفقودي القيادة العامة إن ثبت أن المقبرة عائدة لهم، والوقوف إلى جانب الأسر لحين معرفة مصائر كل المفقودين". وأضاف أن "الأسر صامدة على الرغم من الأخبار السيئة، وهم حالياً بصدد إجراء الفحوصات لمطابقتها مع الحمض النووي من عينات الجثامين التي اكتُشفت في المقبرة الجماعية".

وتداولت مواقع التواصل صوراً تظهر العثور على فتاة بين الجثامين وغيرها من الإشاعات، التي نفاها مؤسس المبادرة عبدالعظيم قائلاً إن "الصور التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي غير صحيحة، وهي مجرد إشاعات يجب عدم الالتفات إليها، وأخذ المعلومات من مصادرها الموثوقة، وعدم اعتماد أي صور أو أخبار ما لم تصدر عن مبادرة مفقود، أو لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص التي شكلها دكتور تاج السر الحبر".


أسر المفقودين والقتلى

من جهة أخرى، أثار خبر العثور على المقبرة الجماعية غضب أسر القتلى والمفقودين، فعبروا عن حزنهم إزاء نبش جراحهم وجراح كل السودانيين. وشرعت أسر القتلى في التضامن مع أسر المفقودين. وقالت الدكتورة أميرة كابوس والدة محمد مطر الذي سقط في الاعتداء، "نحن أسر الضحايا نتألم كلما تذكرنا المفقودين، فهم أخوان ورفقاء أبنائنا. ونتألم أشد الألم لأن يكون من ارتكب هذه الفظائع حراً طليقاً يعيش بيننا من دون عقاب أو رادع. نحن نجد العزاء في زيارة قبور أبنائنا، ونتذكر المفقودين وأهلهم الذين لا يعلمون مصير أبنائهم، هل هم أحياء معتقلون أم ماتوا".

ورأت كابوس أنه "يجب أن تكون قضية الضحايا والمفقودين إحدى أولويات حكومة الثورة وكل الأجهزة العدلية، لأن السلام لن يحل ما لم تتحقق العدالة والقصاص. نثق في القضاء السوداني وقبل كل شيء نثق في عدالة السماء. يجب أن يعلم العالم أجمع أن ما حدث أمام القيادة العامة جريمة ضد الإنسانية، فقد تم الحرق والقتل والاغتصاب والتخلص من الضحايا بطريقة بشعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غضب الشارع

وخرج مئات السودانيين إلى الشارع بعد الإعلان عن العثور على المقبرة الجماعية، وعبروا عن غضبهم الشديد، في وقت لا يزال الشارع مشتعلاً أساساً، بسبب الغلاء والأوضاع الاقتصادية السيئة. وأحرق المحتجون في الشارع إطارات السيارات وأقفلوا الطرقات مطالبين بالتعجيل في محاكمة المتورطين، وسط إجماع تام حول ضرورة عدم تجاهل تلك الحادثة، و"حراسة الثورة ومطالبها".

من جهة أخرى، علقت الناشطة الحقوقية إيناس مزمل على الوضع الحالي، فرأت أن "المقبرة ظهرت في وقت معقد في تاريخ السودان الاقتصادي والسياسي، وهو أمر صادم وفتح الجرح، فاستذكرنا كل الانتهاكات التي حدثت خلال فترة الثورة وما بعدها. ويثير ظهورها الآن علامات استفهام كبيرة. ولن تكون فترة سهلة، الشارع الآن معبأ جداً، بسبب الأزمة الاقتصادية والخلافات السياسية. نحن كمنظمات مجتمع مدني ننحاز إلى الجماهير والشارع. وندعو إلى فتح تحقيق منفصل شامل يوضح ملابسات ما حدث، والتعامل مع تبعات الموضوع بصورة حكيمة، خصوصاً أن أصابع الاتهام تُشير إلى شخصيات نافذة. يجب تقديم الجناة وإنصاف الضحايا وأهاليهم مع المحافظة على الاستقرار حتى لا يؤدي الأمر وحالة الغضب في الشارع إلى سقوط مزيد من الضحايا".

رأي القضاء

ولاقت القضية اهتماماً كبيراً من قبل المحامين والقضاة، وجعل ضغط الشارع منها إحدى أبرز القضايا التي لا تغيب عن بال الرأي العام السوداني، حتى ولو مر عليها الزمن. إلا أن عضو اللجنة السياسة لتحالف المحامين الديمقراطيين في السودان، محمود الشيخ حذر من أنه "من المبكر جداً من الناحية القانونية القول إن المقبرة الجماعية تخص مفقودي مجزرة الاعتصام، ولا يمكن لأي قانوني القول بذلك استباقاً للقرارات الفنية، أي نتيجة فحص الحمض النووي. ولا بد كذلك من إثبات أن آخر ظهور للضحايا كان في ميدان الاعتصام، ومن ثم انتظار نتيجة التشريح التي ستوضح أسباب الوفاة. تلك الخطوات القانونية قد لا يستوعبها الشارع كونه يعتمد على ظاهر الأمور، لكنها في حقيقة الأمر خطوات ضرورية، بل لا غنى عنها لتقديم قضية متماسكة أمام المحاكم الجنائية".

في سياق متصل، قال الشيخ، "إذا ثبت تشريحاً وقانوناً أن تلك المقبرة تخص بعضاً من ضحايا المجزرة، فإن الشارع سيخرج بغرض تعجيل العملية العدلية التي من شأنها تقديم الجناة أمام المحكمة. وستكون اللجنة المعنية بالتحقيق في الجرائم المترتبة على فض الاعتصام أمام ضغط شعبي هائل يفوق بأضعاف ما ظلت تتعرض له في السابق، وينطبق ذلك على المكون العسكري المشارك في الحكومة الانتقالية. وقد يقود هذا الأمر إلى تقديم مزيد من المتهمين للمحاكمة، كأولئك الذين أسهموا في النقل والحفر والدفن وغيرهم. وبما أن المجلس العسكري سبق وأقر بأنه خطط وأمر بفض الاعتصام، فإن ذلك سيجعله يحصد مزيداً من الغضب الشعبي بعد اكتشاف المقبرة، حتى وإن برأه القانون من الجرائم المترتبة على فض الاعتصام، باعتبار أن أوامرهم كانت تتعلق بسلمية الفض، أو استخدام أقل درجة عنف ممكنة. وقد يتطور هذا الغضب الشعبي إلى ثورة جديدة".

وأكد الشيخ أنهم كأعضاء للجنة السياسية لتحالف المحامين الديمقراطيين يسعون مع النائب العام ولجنة التحقيق من أجل اكتمال التحريات بأسرع فرصة من دون الإخلال بعملية التحري، وأخذ الإذن اللازم من النائب العام لتمثيل ذوي الضحايا أمام المحكمة في الحق الخاص والعام والتواصل مع المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، معتبراً أن "ظهور النتائج النهائية للفحص الطبي والتحريات الجنائية، ربما يكون له أثر بالغ على العملية السياسية الحالية".

قرار عفو

في سياق آخر، أعلن رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، العفو عن عشرات الآلاف من السودانيين الذين قاتلوا في النزاعات الأهلية، واستثنى من القرار أولئك الذين يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم حرب.

وأفادت وكالة الأنباء السودانية (سونا) على موقعها الرسمي مساء الخميس، أن البرهان أصدر "قراراً بالعفو العام عن جميع من حمل السلاح، أو شارك في أي من العمليات العسكرية أو الحربية، أو أسهم بأي فعل أو قول يتصل بالعمليات القتالية". وأضافت "سونا" أن القرار استثنى "من صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية أو من يواجهون اتهامات أو دعاوى جنائية في جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية".

كذلك استثني من القرار، "من يواجهون بلاغات وأحكام متعلقة بالحق الخاص وأحكام القصاص إلا بعد استيفاء الحق الخاص".

المزيد من العالم العربي