Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السرية المصرفية أم "فضح المستور" تعيق التدقيق الجنائي في لبنان؟

وزير المال اقترح تمديد مهلة تقديم الوثائق 3 أشهر بهدف ترحيل المشكلة إلى الحكومة العتيدة

عون مترئساً الاجتماع في قصر بعبدا مع وزني وممثلين عن شركة ألفاريز ومارسال الخميس 5 نوفمبر الحالي (دالاتي ونهرا)  

في 21 يوليو (تموز) 2020 أي قبل استقالة حكومة تصريف الأعمال في لبنان بأقل من شهر، وتحت عنوان القرار التاريخي الذي سيشكل تحولاً جذرياً في مسار كشف ما حصل في هذا البلد من هدر وسرقات مالية، قررت تلك الحكومة التي يرأسها حسان دياب الاستعانة بشركة "ألفاريز ومارسال" (Alvarez & Marsal) للقيام بمهمة التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي.

إلا أن هذا القرار بقي رمزياً وللتاريخ فقط، بحيث لم تتمكن الشركة من تأدية عملها على اعتبار أن المستندات التي حصلت عليها من "مصرف لبنان" بقيت غير كافية، ما لا تسمح لها بالقيام بالمهمة الموكلة إليها. وبعد مرور أشهر، وأمام تهديد "ألفاريز ومارسال" بفضّ العقد والتراجع عنه، تقرر الخميس 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بعد اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا بحضور وزير المال غازي وزني وممثل عنها، تمديد المهلة المطلوبة لتسليم المستندات اللازمة ثلاثة أشهر إضافية، بعدما كانت تنتهي في العقد الموقَّع معها، في تاريخ أقصاه 3 نوفمبر 2020، على أن يتم خلالها تسليم بعض المستندات، بعدما حالت "القوانين والأنظمة المرعية الإجراء" دون ذلك. علماً أن فكرة التمديد اقترحها، بحسب المعلومات، وزير المال مراهناً على تأجيل الموضوع وترحيله إلى الحكومة الجديدة، التي لا تزال طور التأليف.

أبعد من تدقيق ومستندات 

بعد استقالة حكومة حسان دياب وخلال المفاوضات الحاصلة بشأن التشكيلة الوزارية الجديدة، برز ملف التدقيق الجنائي على لائحة شروط رئيس الجمهورية خلال مفاوضاته مع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، مع العلم أن التدقيق الجنائي ورد بنداً ثابتاً في مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي وافقت عليها كل القوى السياسية في اجتماع قصر الصنوبر، وتمسكت بها الآن تسهيلاً لتكليف الحريري.

يقول متابعون إن "عون يسعى إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن باب التدقيق الجنائي يمكن أن يصل إلى إحراج حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لإخراجه، وفق ما خطط له منذ توليه رئاسة الجمهورية، أي إقالة الحاكم (الذي يُفترض بحسب العرف القائم في لبنان أن يكون مارونياً) وتعيين أحد المقربين منه. في المقابل، يشكّل التدقيق الجنائي الملف الأخطر بالنسبة إلى القوى السياسية التي حكمت لبنان وتولت الإدارات العامة منذ سنوات طويلة، إذ هو في حسابات المركزي يمكن أن يفضح حجم استفادة بعض السياسيين من قروض المصرف وأرباح المصارف على حساب المواطن وخزينة الدولة. دفع هذا الانقسام، كل واحد منهم إلى التمترس خلف حجج توصل كل فريق إلى هدفه، فالمعترضون على التدقيق الجنائي استندوا إلى قانونَي النقد والتسليف والسرية المصرفية لإعطاء الحاكم الحق بالامتناع عن تسليم حسابات الدولة، بينما تولى نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي (المقرّب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري) دق ناقوس الخطر حيال رفع السرية عن حسابات المودعين الأجانب الذين لجأوا إلى المصارف اللبنانية بسببها، علماً أن المودعين الأجانب وغير الأجانب باتوا اليوم غير قادرين على سحب أموالهم ومدخراتهم، وقد تكون هذه السرية آخر اهتمامهم في المرحلة الحالية".

يبدو رئيس الجمهورية مصمماً على متابعة القضية وهو شدد في اجتماع بعبدا الأخير الذي خُصص للبحث بها على ضرورة التزام الحكومة إجراء التدقيق في حسابات "مصرف لبنان"، مؤكداً "أهمية الخطوة في الإصلاحات الضرورية لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد". وهو يستعد لملاحقة الموضوع حتى النهاية، وسط معلومات تفيد بأن تمديد المهلة في العقد الموقَّع مع شركة "ألفاريز ومارسال" يهدف إلى التحضير في الفترة المقبلة لاقتراح قانون من مادة واحدة، لتعديل قانون السرية المصرفية لجهة رفعها عن الحسابات التي تطلبها الشركة.

الحاكم يرفض المخالفة

في المقابل، أُثير تساؤل حول ما إذا كان "رفض مخالفة القانون" هو السبب الوحيد لامتناع سلامة عن تزويد الشركة المدقِقة، بكل المستندات التي تسمح لها بالقيام بعملها؟ مصادر مقربة منه ذكرت لـ "اندبندنت عربية" أن "المصرف المركزي قدم لشركة "ألفاريز ومارسال" أكثر من 45 في المئة من التي طلبتها ورفض تسليم البقية لسبب جوهري، هو رفضه مخالفة القانون".

يقول سلامة إنه أعطى الشركة المدقِقة كل المستندات التي لها علاقة بحسابات "مصرف لبنان"، أما التي تتعلق بالدولة والمصارف فهي ملك للدولة والمصارف ولا يمكنه التصرف بها. يتسلح الحاكم بـ "قانون النقد والتسليف" ويشرح أن المادتين 151 و44 منه، إضافة إلى "قانون السرية المصرفية"، تشكل عوامل تمنعه تحت طائلة المعاقبة الجزائية والجنائية من تسليم هذه المعلومات إلى أي طرف ثالث غير الأطراف المعنية بها. وكشف أنه أبلغ الشركة المدقِقة وكل مَن راجعه، بأن الحصول على المستندات الخاصة بحسابات الدولة والمصارف يقتضي تعديلاً قانونياً. وقال "أنا لن أخرق القانون وليس بالشعبوية تحصل الأمور، عدلوا القانون وخذوا ما تريدون". مع العلم أنه أبدى استعداده لتقديم حسابات الدولة إلى وزارة المال، الممثِلة الفعلية للدولة اللبنانية والتي يمكنها أن تسلمها بنفسها لمَن تريد على اعتبار أنها الجهة الرسمية المخولة بذلك. بذلك يكون سلامة رمى الكرة مجدداً في حضن السياسيين، هو العارف الأكبر بانقساماتهم وخلفياتهم، وقد يكون مراهِناً بالتالي على ذلك، لعرقلة تعديل هذا القانون في مجلس النواب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزيرة العدل تتحرك

من جهة أخرى، ترك المفاوضون اللبنانيون، في العقد الموقَّع مع شركة "ألفاريس ومارسال"، منهم عن قصد ومنهم عن غير معرفة ربما، فجوةً قانونية يمكن للحاكم ومعه المعترضين على تنفيذ التدقيق الجنائي، التحجج بها. إذ تضمّن العقد عبارةً تفيد بالعمل مع الشركة وفق القوانين اللبنانية المرعية، ويعني ذلك "قانون النقد والتسليف" الذي يمنع على الحاكم، وفقه الكشف عن هذه الحسابات لأي طرف ثالث، إضافة إلى "قانون السرية المصرفية" المعمول به أيضاً. فأي دور للوزراء الذين عملوا على وضع العقد بصيغته هذه وهل هي هفوة سقطت على النص سهواً أم عمداً؟

وزير المال غازي وزني، المقرّب من برّي غير المتحمس للتدقيق، عندما سُئل عن كيفية تخطي مسألة السرية، أجاب "يمكن الاستناد إلى مواضيع عدة، كرأي هيئة التشريع والاستشارات التي كانت وزارة المالية تقدمت إليها بطلب توضيح هذا الموضوع وتحديده وتفسيره، ما شكّل أمراً مساعداً".

أما وزيرة العدل ماري كلود نجم المقربة من رئيس الجمهورية فذهبت أبعد من ذلك ودعت حاكم "مصرف لبنان" "إلى تنفيذ قرار مجلس الوزراء وإلا تبرير امتناعه عن ذلك رسمياً وأمام الرأي العام، وبعد ذلك يُبنى على الشيء مقتضاه".

وأكدت نجم لـ "اندبندنت عربية" أن "لا وجود للسرية المصرفية في التدقيق الجنائي ولا في حسابات مصرف لبنان"، معتبرةً أنه "إذا أظهرت المعطيات الخاصة بحسابات بعض الأشخاص أو الأفراد فيمكن حينها استخدام الترميز للإشارة إليهم تفادياً لرفع السرية عنهم". وأضافت أن "قرار التدقيق في حسابات المصرف اتُخذ في مجلس الوزراء ولا يمكن تغييره بهذه السهولة". وشدّدت نجم، وهي محامية متمرسة وأستاذة في علم القانون، على أنه "من وجهة نظر قانونية، فإن السرية المصرفية ليست عائقاً أمام تنفيذ العقد مع شركة "ألفاريس ومارسال"، بل إن عدم عكس ذلك يعني أننا نقول للمجتمع الدولي والرأي العام اللبناني إن الدولة المفلسة غير قادرة على معرفة ماذا حصل لأموالها الموجودة في مصرف لبنان وهي أموال القطاع العام".

لا تقف نجم ضد تعديل هذا القانون، بل تؤيده، "لكن المسألة لا تتعلق بالقانون الحالي" الذي وفقها لا يعيق التدقيق الجنائي.

وغردت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال لاحقاً داعية أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان إلى "تحكيم ضمائرهم والتزام القانون" إذ "يتحملون المسؤولية أمام الحكومة والشعب والتاريخ".

المزيد من العالم العربي