صدمت إيمان عندما عرفت أن رفيقة دربها ليست تونسية الجنسية، فهي كانت تعرف أن أصول صديقتها سامية، جزائرية، لكن لم تكن تعرف أنها حرمت من جنسيتها التونسية. وتقول إيمان في هذا الصدد إن "بعد حوالى سنوات من لقائنا الأول عند مدارج الجامعة، عرفت أنها تونسية بلا جنسية"، مضيفة "سامية تمارس كل عادات وتقاليد البلاد أكثر مني، فهي تطبخ الأكل التونسي جيداً وتقيم أفراحهم على الطريقة التونسية وترتدي لباسنا التقليدي وتعرف تاريخنا جيداً، وأكثر من ذلك، فهي تتباهى بأنها امرأة تونسية، لكن كل هذا للأسف لم يشفع لها لتتمتع بجنسية البلد الذي ولدت وترعرعت فيه".
المعنية المباشرة بهذا الأمر سامية (45 سنة) وهي جزائرية الأصل، تونسية المولد، تتحدث بحسرة وحزن شديد عن سلبها حقها في حمل جنسية البلد الذي لا تعرف غيره، ولا تستطيع العيش خارجه، ما جعل حياتها صعبة، فهي محرومة من حقوق كثيرة يتمتّع بها التونسيون.
وحسرتها لم تتوقف عند ذلك الحدّ، فقد كانت ترغب في ممارسة الحق التشريعي والإدلاء بصوتها، وهي تتابع الانتخابات الديمقراطية التي تعيشها تونس منذ انتفاضة يناير (كانون الثاني)، لكن هذا أيضاً غير مسموح لها.
حكاية الرحيل الأول
قصة أخرى تحمل في طياتها الأسى، وهي أكثر حزناً من حكاية سامية. فمنذ أكثر من قرن، قرر جد فضيلة برهومي أن يترك الجزائر للعيش في محافظة سليانة (شمال غربي تونس).
لم يفكر حينها في الحصول على جنسية البلد الجديد، إذ كان همه الوحيد أن يخصب الأرض التي اشتراها وأن يكوّن أسرة سعيدة.
في ذلك الوقت، لم تكن الحدود الجغرافية لها معنى ولم يكن استخراج وثائق الهوية أو الجنسية ذا أهمية. لكن الأيام توالت، وما كان ليس مهماً بالأمس، أصبح اليوم الأهم.
فبعد حكاية الرحيل الأولى لجدها إلى تونس، تجد فضيلة برهومي نفسها تدفع ثمن لا مبالاة والدها الجزائري الأصل، الذي لم يبادر إلى تقديم طلب للحصول على الجنسية على الرغم من إقامته لعقود طويلة في البلد.
فهذه المرأة التي شارفت على الـ80 من عمرها تونسية المولد، لكنها تعيش بلا جنسية ولا أوراق ثبوتية، وتقول "أتعبني الكبر والمرض وأعيتني مشقّة البحث الطويل عن جنسيتي التونسية".
مأساة الجدة فضيلة لم تنته هنا، فقد توفي زوجها الجزائري الجنسية منذ سنوات، ولم يترك لها تأميناً صحياً، فهذا غير ممكن بالنسبة إلى وضعها.
استيفاء الشروط المطلوبة
لكنه ترك لها أرضاً تراقبها كل يوم، عاجزة عن التصرف فيها لأنها وإن كانت ملكها، فهي غير قادرة على بيعها والاستفادة من ثمنها لتأمين مصاريف مرضها المزمن، لأن القانون التونسي لا يسمح للأجانب بذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول بمرارة "ليس لي حلم وأنا في هذا العمر المتقدم سوى أداء فريضة الحج، لكنني غير قادرة على ذلك لأنني لا أحمل الجنسية التونسية، ولا يحق لي أن أكون ضمن البعثة التونسية للحج"، وتضيف مستدركة "حتى الجزائر لا أعرف أحداً فيها".
طرقت العجوز أبواب وزارة العدل منذ أكثر من عشر سنوات، وتقدمت بأكثر من طلب، إلا أنها لم تلقَ ردّاً يشفي غليلها على الرغم من تأكيدها استيفاء كل الشروط المطلوبة.
الرابط الأبدي
حالتا سامية وفضيلة ليستا يتيمتين في تونس، فكثر هم من ولدوا وعاشوا فيها منذ عشرات السنين من دون أن يحصلوا على الجنسية.
ويتّسم القانون التونسي بالصرامة في ما يتعلق بمنح الجنسية عن طريق التجنس، الذي لا يتم إلا بأمر يصدر مباشرة عن رئيس الجمهورية.
وترتفع هذه الإشكاليات عموماً لدى تونسيي المولد جزائريي الهوية ممن استوطن أجدادهم في المحافظات التونسية الغربية إبان المقاومة المشتركة للاستعمار الفرنسي.
في هذا الصدد، يقول مدير إدارة الجنسية والحالة المدنية في وزارة العدل منير السعيداني إن روح القانون التونسي في ما يتعلق بمادة الجنسية، يقوم على الرابط الأبدي "لذلك لا تمنح بسهولة ولا تسحب بسهولة"، ثم إن "تونس تعتمد سياسة المعاملة بالمثل في هذا المجال".
ويضيف أن "كثراً من أصول جزائرية يعيشون في تونس ولا يطلبون الجنسية"، مردفاً "لا يمكن أن نرفض التجنيس".
1100 طلب
ويوضح أن الفصل السابع من القانون يعطي حق التراب لمن ولد جده وأبوه في تونس، حينها يحصل تلقائياً على حق الجنسية.
ويقول السعيداني، "كل سنة تسمح البلاد بإعطاء الجنسية إلى حوالى 150 فرداً من أصول مختلفة"، لافتاً إلى أنه "منذ 2011 إلى اليوم، منحت تونس 745 جنسية من مجموع 2858 مطلباً، منها 282 من أصول جزائرية".
كما يفيد بأن لديهم الآن حوالى 1100 طلب تجنس من مختلف الأصول، منها 450 لجزائريين.
من جهة أخرى، يرى محدثنا أن مجلة الجنسية التونسية هي مجلة "متقدمة" مقارنة بعدد من الدول العربية، وقد تم تعديلها وتطويرها في أكثر من مناسبة، لتضمن حق المرأة بمنح جنسيتها لأبنائها حتى إن كان الأب أجنبياً.
ووفق تصريحه، "فقد تمت الاستجابة منذ الاستقلال إلى اليوم لأكثر من سبعة آلاف طلب جنسية من بين 15 ألف مطلب".
صعوبات اجتماعية
وحصول الأجانب على الجنسية يستوجب توفر شروط عدة، منها الإقامة الدائمة لأكثر من خمس سنوات في البلاد أو أن يكونوا ممّن اكتسبوها سابقاً أو الأجنبي المتزوج من تونسية ويقيم معها أو الأجنبي الذي قدّم خدمات جليلة أو شخص ينتج من تجنّسه فائدة عظمى لتونس.
ويعاني الجزائريون وآخرون من جنسيات مختلفة، ممّن امتدت إقاماتهم في تونس عشرات السنوات، من صعوبات اجتماعية كبيرة، لا سيما في سوق العمل بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية.
في هذا السياق، يقول محمد وكلي، رئيس ودادية (جمعية) الجزائريين المقيمين في تونس، إن هؤلاء لا يحصلون على منح دراسية، وليس لهم الحق في التقدم للوظيفة العمومية".
ويقيم في تونس حوالى 30 ألف جزائري مسجلين في القنصليات، من بينهم عدد كان آباؤهم يعيشون في البلاد منذ عشرات السنين.
تصدر بأمر الرئيس
ولا تقدم الإدارة التونسية تبريراً أو تعليلاً لحالات رفض منح الجنسية. ويشير وكلي إلى أن "المقاييس المعتمدة غير واضحة، وأن الإدارة لا تستجيب لكثير من المطالب على الرغم من أنها مستكملة للشروط".
لكن السعيداني يوضح أن القانون التونسي يفرّق بين مطالب الحصول على الجنسية بفضل القانون، "التي لا يمكن رفضها"، وبين تلك المرتبطة بالحصول على الجنسية عن طريق التجنس، التي لا تصدر إلا بأمر من رئيس الجمهورية بعد إجراء بحث أمني.
وتوجد في تونس أيضاً جالية من الفلسطينيين الذين استقروا هناك بعد انتقال منظمة التحرير إليها أو جاؤوا إليها للدراسة، وهؤلاء يعانون أيضاً من صعوبات في ما يتعلق بتجديد الإقامة والحصول على الجنسية التونسية، ما جعل الرئيس قيس سعيد، يوقّع على أمر رئاسي بمنحها لـ135 شخصاً، بينهم 34 فلسطينياً يقيمون في البلاد منذ عشرات السنين.