Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التصويت عبر البريد يعود إلى عهد الرئيس لينكولن

أراد للجنود المشاركة في الانتخابات فسمح لهم بالاقتراع في المعسكرات والمستشفيات الميدانية

التحذيرات السابقة التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الفوضى التي يمكن أن يحدثها التصويت عبر البريد، في الانتخابات الرئاسية، يبدو أنها جاءت متطابقة مع الواقع، حيث تتجه الولايات المتحدة نحو مأزق سياسي وقانوني بشأن الفائز، وسط انتقادات وتشكيك واسع من ترمب في نزاهة التصويت المبكر عبر البريد خاصة مع ارتفاع رصيد أصوات منافسه الديمقراطي جو بايدن.

تاريخ التصويت عبر البريد

إلا أنه يبدو أن التصويت عبر البريد الذي يسمح للناخبين المسجلين بالحصول على بطاقة اقتراع بريدي لملئها ثم إعادتها إلى مسؤولي الولاية عبر البريد، ليس فكرة مستحدثة، إذ يعود تاريخ العمل به إلى الحرب الأهلية في ما سمي الـ"تصويت الغيابي".

فبحسب بول غرونكي، أستاذ العلوم السياسية في كلية ريد ومؤسس مركز معلومات التصويت المبكر غير الحزبي، كان العديد من الرجال المؤهلين للتصويت في مواقع القتال عام 1864 بينما أراد الرئيس الجمهوري أبراهام لينكولن منحهم الفرصة للتصويت. وخلال الانتخابات التي فاز فيها لينكولن بولاية ثانية أمام خصمه الديمقراطي جورج ماكليلان، صوت جنود الاتحاد في المعسكرات والمستشفيات الميدانية، تحت إشراف موظفي أو مسؤولي الدولة.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية، ساد نفس المنطق. ففي النزاعات اللاحقة، سمحت الولايات للجنود البعيدين عن مدنهم بالتصويت. وخلال الحرب العالمية الأولى، سمحت جميع الولايات تقريباً للجنود بالتصويت عن بعد "على الأقل خلال وقت الحرب"، بحسب مجلة تايم الأميركية. وفي نفس الفترة الزمنية، سُمح للأشخاص ولأسباب غير عسكرية، تتعلق بالعمل وابتعادهم عن مدنهم يوم الانتخابات، بالتصويت أيضاً. وفي مؤتمر ماساتشوستس الدستوري 1917-1918، دافع أحد المندوبين عن منح نفس الحق "للعاملين في المجال الصناعي"، مجادلاً بأن موظفي سكك الحديد والباعة المتجولين الذين يبتعدون عن منازلهم في يوم الانتخابات "يكدحون ويضحون... من أجل الصالح العام" تماماً مثل الجنود.

سن القوانين

ومنذ أوائل القرن العشرين أُصدرت عدة قوانين لتنظيم هذه المسألة. وفي العقود التي تلت ذلك، كان على الأشخاص الذين يصوتون بالبريد عموماً أن يكون لديهم ما يمنعهم من الحضور للتصويت شخصياً في يوم الانتخابات. وبدأ هذا يتغير في عام 1978، عندما أصبحت كاليفورنيا أول ولاية تسمح للناخبين بالتقدم بطلب الاقتراع الغيابي دون الحاجة إلى تقديم عذر، وفقاً لغرونكي.

وجرت أول انتخابات تمهيدية فيدرالية بالبريد في ولاية أوريغون عام 1995، وجرت أول انتخابات عامة بالبريد فقط في الولاية عام 1996. ومنذ عام 2000، أصبحت ولاية أوريغون تعتمد على التصويت عبر البريد بالكامل.

... الماضي القريب

أما في الانتخابات الرئاسية الماضية (2016)، فسمحت 29 ولاية وواشنطن العاصمة بالتصويت الغيابي بالبريد "من دون عذر"، وسمحت 16 ولاية للناخبين بالإدلاء بأصواتهم بالبريد إذا كان لديهم العذر لذلك، حيث أدلى نحو واحد من بين كل 4 ناخبين بأصواتهم عبر بطاقات الاقتراع المرسلة إليهم بالبريد. وعلى الرغم من مزاعم تزوير الأصوات عند إجراء التصويت خارج أماكن الاقتراع، فإن 0.00006 في المئة فقط من 250 مليون أصوات بالبريد عبر البلاد كانت مزورة، وفقاً لعلماء السياسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

ترمب شكك بالنزاهة

ومنذ أن دعا الديمقراطيون الناخبين إلى التصويت عبر البريد في الانتخابات الحالية، سارع ترمب للتشكيك في نزاهة الانتخابات، معرباً عن مخاوفه من قيام خصومه بتزوير الأصوات. وقال الرئيس الأميركي في يوليو (تموز) الماضي، إن التصويت عبر البريد سيؤدي إلى إجراء أكثر انتخابات "فاسدة ومزورة" في تاريخ الولايات المتحدة. وغرد قائلاً "التصويت عبر البريد إذا لم تغيره المحاكم سيؤدي إلى إجراء أكثر انتخابات فاسدة في تاريخ بلادنا... انتخابات مزورة".

 

وعلى مدار الأشهر الأخيرة الماضية انتقد ترمب مراراً التصويت عبر البريد، وحذر من أن هذه الطريقة لن تسمح بفرز النتائج بشكل دقيق وسريع، فضلاً عن احتمال "الاحتيال" من خلال "تصويت الأموات"، والأشخاص الذين لا يحق لهم المشاركة في الانتخابات.

تعقد المشهد

وبعد 24 ساعة من غلق صناديق الاقتراع وبدء عملية الفرز وظهور النتائج في عدد من الولايات ومع تأخر حسم النتائج في  المتأرجحة منها، في ظل زيادة غير مسبوقة في الأصوات التي أرسلت عبر البريد، ذهب ترمب للتأكيد على ما حذر منه قبل الانتخابات. وشكك في تغريدة على حسابه في تويتر، الأربعاء، في عملية فرز الأصوات قائلاً إنه "حتى أمس الثلاثاء كان فائزاً بفارق كبير، ثم انقلبت الكفة فجأة لصالح منافسه (بشكل يثير الريبة)"، وكتب "إنهم يعثرون على أصوات لصالح بايدن في كل مكان، في بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان. هذا أمر سيئ جداً لبلدنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسبق ذلك إعلان ترمب في كلمة ألقاها في البيت الأبيض، عن نيته التوجه إلى المحكمة العليا لوقف احتساب الأصوات المتأخرة قائلاً "من الواضح أن هناك عملية احتيال على الشعب الأميركي". كما أعلنت حملته، مساء الأربعاء، رفع دعوى قضائية لوقف فرز الأصوات في ولاية ميشيغان، وطالبت بإعادة فرز الأصوات في ولاية ويسكونسن. الولايتان كان يتقدم فيهما ترمب بفارق معقول عن منافسه الديمقراطي، قبل أن تنقلب النتائج سريعاً مع بدء عد الأصوات التي وصلت عبر البريد.

كورونا والأقليات

المشهد الذي بلغه الصراع على الرئاسة في الولايات المتحدة، يعكس الدور الذي لعبه التصويت عبر البريد في تعقيد انتخابات هذا العام واتجاهها إلى معركة قانونية وسياسية شرسة، وهو ما توقعه المراقبون خلال صيف العام الحالي منذ أن أصر الديمقراطيون على دفع الناخبين إلى إرسال أصواتهم عبر البريد، مرجعين ذلك إلى فيروس كورونا الذي أسفر عن وفاة أكثر من 230 ألف أميركي. في حين قال مراقبون أميركيون، إن الأمر يعود إلى رغبة الديمقراطيين في دفع الأقليات الذين عادة ما يمتنعون عن المشاركة، إلى التصويت، خاصة أنهم أكثر ميلاً للحزب الديمقراطي.

وتظهر البيانات الرسمية أنه في الولايات التي تسجل بيانات الانتماء الحزبي للناخب، فاق عدد طلبات الديمقراطيين المسجلين لبطاقات الاقتراع عدد الجمهوريين بالضعف. على سبيل المثال، أكثر من 960 ألف ناخب ديمقراطي مسجلين في فلوريدا أرسلوا بطاقات اقتراعهم عبر البريد، مقارنة بـ564 ألف جمهوري. على الرغم من فوز ترمب بأصوات الولاية.

إقبال غير مسبوق

وتعكس الأرقام قلق الناخبين من الذهاب إلى نقاط الاقتراع بسبب تفشي الفيروس. فقد وسعت غالبية الولايات إمكانية التصويت بشكل مبكر أو عبر البريد. وقد اعتمد أكثر من مئة مليون أميركي هذه الطريقة مما شكل عدداً قياسياً، وفق تعداد "يو أس إيلكشن بروجكت".

وأظهر التعداد الذي أجرته جامعة فلوريدا أن بطاقات الاقتراع التي أرسلت عبر البريد أو سلمها الناخبون شخصياً قبل أن تقوم مراكز التصويت بفتح أبوابها رسمياً، الثلاثاء، تشكل أكثر من 72 في المئة من العدد الإجمالي للبطاقات في انتخابات 2016.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير