Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والعودة إلى تخصيب التفاوض

دخول البرلمان إلى الملف النووي عبر قانون "الإجراء الاستراتيجي" يشي بسعي طهران إلى فرض واقع جديد على المفاوضات مع واشنطن

غيب البرلمان الإيراني عن مفاوضات الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 (غيتي)

عشية الانتخابات الأميركية التي تُعد في كثير من الموازين السياسية والاستراتيجية مفصلية بالنسبة إلى النظام الإيراني، أقر البرلمان الإيراني في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) قانوناً معجلاً يلزم الحكومة برئاسة حسن روحاني إعادة تفعيل البرنامج النووي بزيادة أجهزة الطرد المركزي في منشأتي فردو ونطنز، وإعادة إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، والعمل على إعادة ترميم مفاعل أراك للماء الثقيل خلال مدة أقصاها شهران من إقرار هذا القانون. 

الخطوة الإيرانية الجديدة جاءت انطلاقاً من قاعدة يتمسك بها المعسكر المحافظ، الذي يسيطر على السلطة التشريعية، بعدم وجود فرق أو اختلاف جوهري في طبيعة الرئيس الجديد للولايات المتحدة، إذا كان ديمقراطياً أو جمهورياً؛ أي بغض النظر عن عودة الرئيس الحالي دونالد ترمب، أو فوز المرشح جو بايدن، فإن على الحكومة الإيرانية اتخاذ خطوات حاسمة للرد على القرار الأميركي الخروج من الاتفاق النووي وعدم التزام الشركاء الأوروبيين، وبخاصة الترويكا التي تضم فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بتعهداتهم في الاتفاق.

وتُعد هذه الخطوة حلاً وسطاً للجدل الدائر بين القوى المتنافسة داخل النظام ومراكز القرار في السلطة، بحيث يعطي المطالبين بالانسحاب من الاتفاق النووي انتصاراً جزئياً، ويترك للجهات التي تتمسك بالاتفاق واعتباره إنجازاً سياسياً واستراتيجياً – في حال طبق بجدية من جميع الأطراف - هامشاً للدفاع عنه والعمل على إعادة إحيائه. 

مسارات المرحلة المقبلة

التصعيد الإيراني النووي المستجد يأتي في إطار محاولة النظام الإيراني رسم مسارات ما بعد الانتخابات الأميركية، بغض النظر عن نتائجها، وهو عن وجود اعتقاد لدى طهران بأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تفاوض جدي على قواعد مختلفة. كما أن اللجوء إلى إدخال البرلمان على خط أزمة الاتفاق النووي، يكشف عن تطور في تعامل الإدارة العميقة للنظام مع حكومة روحاني وإدارتها الملف، وأن الخطوات التي اتخذتها في تقليص الالتزامات والتعهدات بالاتفاق لم تعد تلبي شروط المرحلة القادمة من الأزمة القائمة بينها وبين واشنطن.

الشروط الموجودة، أو التي ستظهر بعد الانتخابات الأميركية، تفرض على القيادة الإيرانية اتخاذ خطوات استباقية تعزز موقفها أمام أي تصعيد أميركي جديد، خصوصاً أن هذه القيادة تدرك أن الموقف الأميركي لن يختلف كثيراً بين بقاء ترمب أو فوز بايدن بالرئاسة، وأن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لن تكون يسيرة، أو بناءً على الرغبة الإيرانية، وبخاصة مع المرشح الديمقراطي الذي سيقدم مسألة العودة إلى الاتفاق كمنطلق لمفاوضات أوسع وأكثر قسوة على طهران، ولن تكون مختلفة في جوهرها وأهدافها عما أعلنه ترمب وفريقه من شروط سابقاً. 

الخلفية التي دفعت النظام الإيراني للعودة إلى استخدام ورقة البرلمان، بعدما استبعده عن مجريات التفاوض وتفاصيل الاتفاق النووي عام 2015، قد تدخل في إطار إعادة الاعتبار لمراكز القرار في هرمية السلطات الدستورية، كونها باتت قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى حضن قوى معسكر النظام، ولتخفيف الأعباء عن رئيس الجمهورية الذي سيتحدد في 18 يونيو (حزيران) 2021. وفي الوقت نفسه، إطلاق رصاصة الرحمة على الإنجاز الأهم الذي حققه روحاني خلال ولايته لمدة ثماني سنوات، على غرار ما حصل مع سلفه محمد خاتمي، وكان شريكاً معه من موقعه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين النوويين، عندما أنجز اتفاق تعليق تخصيب اليورانيوم مع الترويكا الأوروبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، وأجبر خاتمي على إلغائه في أغسطس (آب) 2005 في اليوم الذي جرت فيه مراسم التسليم والتسلم بينه وبين خلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد. 

الإجراء الاستراتيجي

القانون الذي يحمل اسم "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، أقر في قراءته الأولى بأكثرية 196 صوتاً، ومعارضة 6 أصوات، وامتناع 4 من أصل 215 شاركوا في الجلسة العلنية للبرلمان، الذي يبلغ تعداد أعضائه 290 نائباً، من المفترض أن يُحال إلى اللجنة المختصة لدراسته قبل أن يصوت عليه ويأخذ طابعاً تنفيذياً ملزماً للحكومة ووكالة الطاقة الذرية الإيرانية. وهو يتضمن خطوات تدريجية تبدأ برفع مستوى التخصيب إلى 20 في المئة، وزيادة مخزون اليورانيوم المخصب بهذه الدرجة إلى ما فوق 120 كيلو غراماً داخل الأراضي الإيرانية ورفع إنتاج اليورانيوم بنسبة مختلفة، وفق الحاجة الداخلية للأهداف السلمية إلى أكثر من 500 كيلو غرام شهرياً، على أن تضاف أجهزة طرد مركزي من نوع "IR2M" في منشأة نطنز بواقع ألف جهاز، وفي منشأة فردو بواقع ألف جهاز من نوع "IR6"، كمقدمة للوصول إلى الهدف النهائي بنصب 164 سلسلة من هذه الأجهزة، مع اتخاذ خطوات لوقف التعاون في المسائل التي لا يفرضها البروتوكول الإضافي للتفتيش المباغت. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما نص على وقف تطبيق البروتوكول في حال لم تستجب الدول الموقعة على الاتفاق، وبخاصة الأوروبية، للشروط التي تضمنها في ما يتعلق بالعقوبات والتسهيلات الاقتصادية والمالية. 

ويمهل القانون الحكومة شهرين لتطبيق هذه الخطوات، وثلاثة أشهر لاتخاذ موقف من التعاون في مجال التفتيش المباغت والبروتوكول. 

وإذا كان إقرار هذا القانون لا يهدف إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، كما يؤكد داعمو القانون، فإن السؤال الذي يُطرح هنا: ما الهدف من اللجوء إلى هذه الخطوة في هذا التوقيت المفصلي؟

يبدو أن الأمور في أزمة الملف النووي ذاهبة إلى مرحلة جديدة من التفاوض المباشر مع الإدارة الأميركية، إن كان مع ترمب، أو بايدن، وأن القيادة الإيرانية من خلال هذا القانون تسعى إلى فرض واقع جديد على طاولة المفاوضات، أي البدء بالمفاوضات من النقطة التي بدأت فيها عام 2012 في سلطنة عمان، وتم الإعلان عنها عام 2013، وانتهت إلى التوقيع على الاتفاق عام 2015. وهي بالتالي تحاول إبعاد المفاوض الأميركي عن التركيز على الملفات والشروط التي سبق أن وضعها مقابل وقف سياسة العقوبات، وجعل التفاوض على وقف هذه الإجراءات النووية مقابل بدء عملية رفع العقوبات والالتزام بما جاء في الاتفاق من تعهدات اقتصادية، إلا أن الأمور قد تذهب إلى نهايات لا ترغب فيها طهران، جراء السير على حافة الهاوية، كأن ترفض الإدارة الأميركية عملية الابتزاز هذه، وبخاصة أنها باتت تلمس الأثر المدمر الذي تركته العقوبات على النظام والاقتصاد الإيرانيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل