Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ينبهر الأميركيون باستطلاعات الرأي على رغم أخطائها؟

فشلت في توقع فوز ترومان وأيزنهاور وكينيدي وريغان وترمب

لم تكن انتخابات عام 2016 هي الوحيدة التي تفشل استطلاعات الرأي في التنبؤ بنتيجتها، بل تكرر ذلك مرات عدة في التاريخ الحديث، ومع ذلك، ما زال الأميركيون مغرمين بمتابعة استطلاعات الرأي كل يوم وفي كل ولاية، وإن كانوا يتساءلون في الوقت ذاته عما إذا كانت الاستطلاعات خاطئة. وعلى الرغم من أنها قد تخطئ مرة أخرى في انتخابات 2020 بحسب ما يقول الرئيس ترمب والجمهوريون، فإن التوقعات تقول إن هذه الصناعة سوف تستمر، فما السبب وراء صمود قياسات وأبحاث الرأي؟ وهل الاحساس أو الوهم بالدقة هو ما يجعلها تحظى بكل هذه الجاذبية في الأوقات العصيبة أم أنه الجوع إلى اليقين؟

صناعة مستمرة

يتصور بعض خبراء قياسات استطلاعات الرأي في الولايات أنه إذا لم تنجح في تقديراتها لهذا العام حول الفائز بالانتخابات الرئاسية التي يتنافس عليها الرئيس الجمهوري دونالد ترمب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، فإن صناعة قياسات الرأي السياسية سوف تنتهي إلى الأبد، إلا أن تجارب تاريخية سابقة تقول عكس ذلك.

وعلى رغم أنه من المحتمل أن تخطئ استطلاعات الرأي أهدافها مثلما حدث أكثر من مرة في السابق، إلا أنه من غير المرجح أن يتسبب هذا الفشل في انهيار صناعة أبحاث وقياسات الرأي أو أن تذهب أدراج الرياح، ذلك أن استطلاعات الرأي الانتخابية تمثل شريحة واحدة فقط من بين صناعة واسعة وراسخة تقدر بمليارات الدولارات، وتجري مراكز قياسات وبحوث الرأي استطلاعات لا حصر لها، تمتد من قضايا السياسة إلى التجارة وتفضيلات المنتجات الاستهلاكية وغيرها من الموضوعات الاجتماعية غير الانتخابية.

انتكاسات سابقة

ولو أن أبحاث الرأي يمكن أن تتعرض للانهيار والفشل نتيجة أخطاء توقعاتها في الانتخابات، لكانت قد انتهت وتفككت منذ زمن بعيد، خصوصاً بعد الإحراج المتتالي الذي تعرضت له عامي 1948 و1952. ففي عام 1948، تنبأ منظمو استطلاعات الرأي بكل ثقة بفوز المرشح الرئاسي الجمهوري توماس ديوي بسهولة على الديمقراطي هاري ترومان، إلا أن الرئيس ترومان حقق فوزاً مستحقاً على غريمه، وبعد أربع سنوات أي في عام 1952، أصبح منظمو استطلاعات الرأي أكثر حيطة وحذراً، فتوقعوا تقارباً في السباق الرئاسي بين دوايت أيزنهاور وأدلاي ستيفنسون، لكن أيزنهاور حقق نصراً ساحقاً لم يتوقعه أي استطلاع للرأي.

وتكرر خطأ أبحاث الرأي في انتخابات الرئاسة عام 1960 حين توقع استطلاع أجرته مؤسسة "روبرز" أن المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون يتقدم منافسه الديمقراطي جون كينيدي بنقطتين مئويتين، غير أن كينيدي اكتسح الانتخابات وفاز بالرئاسة، وفي عام 1980 توقعت استطلاعات الرأي سباقاً متقارباً بين الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر والمرشح الجمهوري رونالد ريغان، إلا أن ريغان فاز بفارق وصل إلى 10 نقاط مئوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما يبدو الأميركيون غافلين في الغالب عن سجلات التاريخ، إلا أنهم ما زالوا يتذكرون أن استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2016 انحرفت عن الهدف خصوصاً في ولايات الغرب الأوسط الرئيسة والحاسمة، ما أربك التوقعات وجعل الجميع يعتقد بقوة أن المرشحة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ستفوز بالرئاسة، إلى أن وقعت الصدمة الكبرى بإعلان النتائج وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب بولايات الغرب الأوسط بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، بعد أن حقق نصراً مهماً في ولاية فلوريدا.

أسباب الصمود

ومع سجل الفشل السابق في التنبؤ، يتساءل كثيرون عن أسباب صمود استطلاعات الرأي ومرونتها وقدرتها على الاستمرار في الحياة على الرغم من الإخفاقات الدورية، بينما يبدو أن الأميركيين مفتونون بها للغاية، خصوصاً خلال الحملات الرئاسية الساخنة.

ومن المؤكد أن الأسباب عديدة، وليس من المستغرب أن ترتبط بنمط وثقافة الحياة الأميركية، ولعل التفسير المبسط وراء فتنة الأميركيين باستطلاعات الرأي هو أن الناس يريدون معرفة ما سيحدث بعد التنافس الطويل بين المرشحين، إذ يرى بعض خبراء استطلاعات الرأي أن الجميع يتابع استطلاعات الرأي لأن كل شيء في الحياة الأميركية يحركه سؤال واضح هو من سيفوز سواء كان ذلك في المنافسات السياسية أو المباريات الرياضية أو الجوائز الفنية أو أي شيء آخر، ما يعني أن الدافع الرئيس لدى الناس يتعلق بفضولهم الطبيعي عمن سينتصر.

الوهم بالدقة أم الجوع باليقين

وتعكس قياسات الرأي العام التي تستند لأساس علمي في الدراسات الاجتماعية والإعلامية الإحساس أو الوهم بالدقة، ما يجعلها تحظى بجاذبية كبيرة لدى عموم الناس، خصوصاً في الأوقات العصيبة، وعندما تتصاعد التحديات أو الانقسامات التي تواجه الأمة، غير أن هناك دافعاً آخر وراء استمرار هذه الصناعة، ألا وهو الجوع إلى اليقين والرغبة الدفينة للوصول إلى درجة من الاطمئنان بشأن المستقبل، وهو ما حاولت الصحافة الأميركية الاستفادة منه من خلال نشر استطلاعات للرأي قبل موعد الانتخابات، وهو ما نجده منشوراً في الصحافة الأميركية بشكل أولي منذ عام 1824، لكن منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أجرت  مؤسسات إخبارية كبيرة مثل صحيفة "نيويورك تايمز"، و "سي بي أس نيوز" استطلاعات للرأي خاصة بها.

نفوذ وتأثير

أما الآن فإن استطلاعات الرأي أصبحت أكثر نفوذاً وتأثيراً، إذ تعمل على التحفيز والتوجيه وتساعد في تصحيح الخطاب الذي تتبناه وسائل الإعلام الإخبارية حول الانتخابات الرئاسية، ولهذا فإنها تلعب دوراً حاسماً وضرورياً في تشكيل سباق التنافس بين المرشحين.

ولأن استطلاعات الرأي تتمتع بسجل متفاوت في مدى دقتها لتوقع النتائج في الانتخابات الرئاسية الحديثة، فقد أسهم ذلك في قدرتها على الاستمرار، وما يساعدها في ذلك هو عدم إلمام غالبية المواطنين بالأخطاء التي وقعت فيها عبر السنين، إضافة إلى حقيقة أن استطلاعات الرأي ليست دائماً على خطأ، فقد سجل التاريخ عشرات المرات التي نجحت فيها استطلاعات الرأي في توقع الرئيس الفائز بالانتخابات، وهناك نماذج يشار إليها في التاريخ الحديث يتذكرها معظم الأميركيين مثل توقع فوز بيل كلينتون على جورج بوش الأب في انتخابات 1992 وتوقع فوز باراك أوباما على السيناتور جون ماكين.

سباق خيل

ولطالما تم تشبيه استطلاعات الرأي في الانتخابات، بسباق الخيل نظراً لتركيزها طوال الوقت على من يتقدم ومن يتراجع في السباق الانتخابي، وهي استعارة لا يقبلها دائماً منظمو الاستطلاعات الذين يعتبرونها عملاً شاقاً ومريراً لأن الانتخابات الرئاسية تجرى على مدى أشهر عدة، وعادة ما تثير اهتماماً متزايداً عبر بناء التوقعات المتواصلة.

ويعتبر هؤلاء أن استطلاعات الرأي أشبه بلقطات سريعة لكاميرا ترصد آراء الناخبين وليست تنبؤات، لكنهم لا يمانعون في وصفها تنبؤات عندما تقترب النتيجة النهائية من تقديراتهم المنشورة.

ولا شك في أن استطلاعات الرأي، هي محاولة ورغبة من أجل تقديم رؤية مسبقة وتفسير ضمن عملية طويلة لا تنتهي أبداً، لذلك تستمر استطلاعات الرأي على الرغم من عيوبها وإخفاقاتها، ومن المؤكد أن الاستطلاعات ستظل سمة من سمات الحياة الأميركية، بغض النظر عن نتائج انتخابات الأسبوع المقبل.

المزيد من تحلیل