Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإسلاموفوبيا" فخ غربي أم صناعة إسلامية؟

هكذا نشأ المفهوم واستثمر فيه الخميني و"الإخوان المسلمون" واليمين المتطرف وتركوا الشعوب والديانات تكتوي بناره

مشهد من تأبين ضحايا "شارلي ايبدو"  (وكالة الصين)

عندما تبدأ قمم الجليد في القارة القطبية بالانهيار، فإن علماء المناخ يعتقدون أن على العالم تحسس الخطر ومحاسبة النفس، خصوصاً أرباب الصناعات الأكثر تلويثاً للكوكب الذي عيل صبره، وفاق ما يعاني مع السنين طاقة احتماله.
هذا مثال من مجال بعيد، إلا أن بإسقاطه على حالة ما يسمى ظاهرة "الإسلاموفوبيا" تتضح العلاقة المتشعبة بين الظاهرة والأطراف المختلفة. فحينما ترى السجال بين الثقافات وتبادل الإهانات، فإن الباحثين خلف الكواليس يعتقدون أن ما يطفو على السطح من ذلك مجرد نتائج لا أكثر لحفنة أفكار وسياسات قديمة ومتجددة، الجاني فيها أحياناً هو من يصور نفسه الضحية. إن كان الغربي الذي يشكو اقتحام الرايات السود سكينته، أو الإسلامي الذي "يقتل الحسين، ثم يسأل عن حكم دم البعوض"، وفقاً لما يروى عن أكبر أئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة النعمان. فكيف بدأت الحكاية؟

العودة إلى جذور "فولتير" وأبعد

بالنسبة إلى عدد من الباحثين المهتمين برصد حالة "الخوف من الإسلام"؛ تعود جذور الظاهرة إلى قرون بعيدة من الصراع بين الإسلام والمسيحية وعهود الحروب الصليبية والاستشراق ثم الاستعمار، التي يقول الأكاديمي الجزائري محمد عدار "أبقت على بذور التوجس من المسلمين ودينهم في الأدبيات الغربية، التي يتحدث بعضها قديماً وحديثاً؛ إما عن حتمية الصراع مع الإسلام كدين، أو عن لمز معتنقيه العرب والمسلمين بالتخلف والبربرية".

ويرى أن هذا المنحى صدقت نبوءته أكثر عندما وجد الغربيون في دول مثل "فرنسا وبريطانيا وبلجيكا" أولئك المسلمين وهم يشاركونهم ميادينهم العامة في بروكسل ونظيراتها، حتى جاءت قوافل اللاجئين الجدد فأشعلت نيران التوجس أكثر، وكأنها صادقت على مخاوف مفكرين غربيين مثل برنارد لويس، حذروا من الغزو الإسلامي وأحياناً "أسلمة أوروبا" وحتمية الصراع بين الثقافتين. وفي فرنسا التي كانت مواقف السياسيين فيها موضع الجدل هذه الأيام، ذكر عدار، "أن أحد رموز فلسفة عصر الأنوار فولتير، شكل بالمستوى نفسه (قمة التناقض)، فبينما يرى في كتاب ألفه عام 1763 أن "الإسلام أروع دين جاء من الإله"؛ أهدى كتاباً إلى البابا يحمل عنوان "محمد أو المتعصب". وهو كتاب قال الخبير في الثقافة الفرنسية، إنه تحول إلى مسرحية حملت مضامين مسيئة لنبي الإسلام إلى غير ذلك من الأفكار المتجذرة التي تفسر شهية الجمهورية العلمانية والمتأثرين بها نحو الإساءات للأديان أو التسامح مع ذلك السلوك على الأقل.

 

 

لولا هؤلاء ما كانت "الإسلاموفوبيا"؟

وعند التسليم بهذا الطرح، فإنه يعني أن "الإسلاموفوبيا" ليس إلا مصطلحاً جديداً لظاهرة قديمة، تتأثر بعوامل عدة صعوداً وهبوطاً. لكن هذا ليس كل شيء، فمن الزاوية الأخرى يجد باحثون كثر، بينهم مسلمون أن شيوع التوتر تجاه المسلمين ودينهم في الدول الغربية، ما كان ليتم بالمستوى الحالي لو لم تكن الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979 من القرن الماضي التي اتخذت لعن الغرب شعاراً لها، وبعدها "الصحوة" الإسلامية السنية المنافسة، ثم أحداث 11 سبتمبر (أيلول) التي أججت الصراع أكثر، وما تلاها من عمليات إرهابية في لندن ومدريد ومعظم العواصم الأوروبية.

وهذا ما يسنده السياق التاريخي للمصطلح نفسه وفقاً للرأي الغربي الذي أطلقه، إذ يوثق الباحث في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس وليد الزيدي في دراسته عن "جذور الإسلاموفوبيا"، أن المصطلح الذي يعني "الرهاب الإسلامي"، جاء من اللغة الإنجليزية، حيث استخدم للمرة الأولى عام 1997 عندما قامت خلية تفكير، بريطانية التوجه، تدعى "رنيميد ترست" باستخدامه لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام والمسلمين.

ويقر بأن المفهوم منذ البداية كان محل جدل بين الباحثين في صدقيته ودلالته، ناهيك عن توظيفه، فبينما يبسطه جورج هاردي على أنه "فخ وضع العقلانية الأوروبية والروحانية المسلمة في حالة احتدام مستمر"؛ يعترض فريد هاليداي على المصطلح كلية، ويرى أن "القضية تتعلق بظهور العداء للمسلمين كشعوب أو جاليات مهاجرة، في إطار بيئة تاريخية واستراتيجية واجتماعية معينة، ولا تتعلق بالاعتراض على الإسلام كدين". وهكذا يرجح الزيدي تبعاً لذلك أن هاليداي لا يعتبر بهذا الوصف العداء للمسلمين منظومة فكرية متكاملة في حد ذاته، بل هو "شبه أيديولوجيا" يرتبط ظهورها بوجود مشكلات بالأساس.

لكن التطور الأكبر جاء وسط الاستثمار الهائل من التنظيم الدولي "للإخوان المسلمين" للحريات في الغرب وكذلك معاناة الجاليات بعد نشوء أعمال العنف، في الترويج لأيديولوجيته، التي يرجح باحثون مثل الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد، أنها مرجعية حركات العنف ذات الطابع المتطرف في كل العالم من القاعدة وداعش وأخواتهما، إلى نظام ولاية الفقيه في إيران الذي قال، إنه استلهم أيضاً أهم أدبياته من "الإخوان المسلمين"، على الرغم من انتمائه لمذهب مغاير.

استراتيجية "فتح فرنسا"

بينما يؤصّل الكاتبان الفرنسيان ألكسندر فال وإيمانويل رازفي في كتابهما "المشروع: استراتيجية الفتح والتسلل للإخوان المسلمين في فرنسا وحول العالم"، لأحد الأسس التي شكلت عصب الإسلاموفوبيا في شقيها الآتي من المجتمع الغربي، والآخر الذي يرجح أن التيارات الإسلامية كانت سبباً فيه، وهو "العزلة" بوصفها أحد المفردات التي كانت محور الشك الأوروبي خصوصاً فرنسا، وأحيائها المهمشة التي تصنف كأحد مصانع التطرف فيما بعد، بفعل عدد من المؤثرات.

وذكرا أن المنظّر الرئيس لفكرة العزلة كان الداعية المصري يوسف القرضاوي، الذي يقولون، إنه وإن كان يؤيد شكلاً الحوار مع غير المسلمين، فإنه في المضمون يدعو إلى الفصل بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا والحضارة الأوروبية، ويدعو لأن "يكون للمسلمين مجتمعاتهم الصغيرة ضمن المجتمع الكبير، وإلا ذابوا فيه كالملح في الماء".

 ولهذه الغاية يقترح القرضاوي على المسلمين الاستفادة من خبرة اليهود التاريخية، إذ يتساءل "ما الذي حافظ على الخصوصية اليهودية طيلة القرون الأخيرة في المجتمعات الأوروبية؟"، مضيفاً حسب الباحثين أن ما حافظ على الأفكار والعادات هو العصبة الصغيرة التي تسمى "الغيتو اليهودي"، فلتسعوا إذن إلى إقامة "الغيتو الإسلامي" الخاص بكم في أوروبا".

 ويحاول الباحثان في الكتاب الصادر 2019 إثبات أن سياسة الانطواء الإسلامي تأتي في سياق نظرية "المشروع الكبير" الذي كتبه تنظيم "الإخوان المسلمين"، ويعمل على تطبيقه في أوروبا وأميركا منذ عقود.

ومع أن التنظيم نفى علاقته بالمشروع المذكور، فإن حصول الشرطة السويسرية على وثيقته السرية لدى اقتحامها فيلا الزعيم الإخواني يوسف ندا بعد 11 سبتمبر (أيلول)، إلى جانب مضمونه الذي يتواءم مع فكر الجماعة، يرجحان أن التنظيم يعمل وفق تلك الاستراتيجية فعلياً. 

 

 

أنصار النازية وأحفاد حلفائها

وما يميز المشروع "الإخواني" في نظر المؤلفين هو أنه "ليس مؤامرة سرية، لهجوم غير مرئي لا يعرفه سوى عدد قليل من كبار المسؤولين. لا أهداف خفية، ولا استراتيجية مخفية عن أعين "الكفار". على العكس تماماً. كما كان الحال مع جميع أسوأ المشاريع الشمولية، من لينين إلى هتلر وماو، كل شيء مكتوب في النصوص التأسيسية، كل شيء يعلن، أبيض وأسود".

ويصفان في خلاصة الكتاب المتداولة، بأنهما توصلا إلى أدلة لا يمكن دحضها بأن "ديمقراطيتنا (فرنسا) تواجه هجوماً عالمياً، تم تصوره في قطر وتركيا، هناك حيث يأمل المنظرون في "إعادة أسلمة" المسلمين، مع تفتيت المجتمع". وأكدا أن أدوات الجماعة في تحقيق ذلك هو "الانخراط في الشركات والإدارات وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان والنقابات والتلاعب بالنخب. لكن الهدف المعلن "للإخوان المسلمين"، الذين كان آباؤهم المؤسسون من أنصار النظام النازي، واضح، وهو إقامة خلافة عالمية"، حسب قولهما.

وكان تنظيم "الإخوان المسلمون" وجماعات القوى الإسلامية التابعة للعثمانيين، تحالفت مع المعسكر النازي ضد الغربي. ولفت الأمير السعودي بندر بن سلطان، أخيراً، إلى أن رهان الفلسطينيين في ذلك الحين كان أيضاً على النازيين، كما كان بعد ذلك على صدام حسين  ثم تركيا وإيران الآن. وهي رهانات رجح أنها ستخسر مثل سابقتها.

منبر "الإخوان المسلمين": نؤمن بإسلام فرنسي

لكن أدبيات "الإخوان المسلمين" وتنظيرات قياداتها المعاصرة في أوروبا والعالم، تنفي صلتها بالعنف الذي تقول إنها تدعو إلى نقيضه، وهو الحوار والتعريف بسماحة الإسلام بالحسنى. حسبما يذكر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (أصبح مسلمو فرنسا) عن نفسه، وهو الذي يعرف بأنه واجهة "الإخوان المسلمين" في باريس.

ويقول الاتحاد، على صفحته الرسمية على الإنترنت، إن مبادئه، تقر الحاجة إلى "إقامة إسلام فرنسي أصيل، محترم للإطار الجمهوري، بعيداً عن الخلافات أو الخصومات السياسية أو العرقية أو غيرها. التعاون والتنسيق مع كل من يعمل للصالح العام. أهمية الجمع بين المجتمع المدني والسلطات العامة والسلطات الدينية والأخلاقية التعايش المثمر وضرورة الحوار والتبادل بين الثقافات من أجل الإثراء المتبادل، وتعزيز العيش الكريم معاً واحترام التنوع".

في جانب المسؤولية عن ظاهرة الإسلاموفوبيا يرى الباحث الأميركي من أصل مصري توفيق حميد أن المسلمين بدلاً من لوم الغرب على نبذهم، عليهم مراجعة أنفسهم، فالحل بأيديهم وليس غيرهم، وذلك لأن "كراهية الإسلام لم تكن موجودة بهذا الشكل في الغرب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلينا أن نسأل أنفسنا لو أن الغرب لديه كراهية للإسلام كيف سمح بدخول ملايين المسلمين كمهاجرين إليه، ولماذا قبل وجود آلاف من المساجد والمكتبات الإسلامية في بلاده كما نرى في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية؟"

واعتبر أن البرهان الأكبر على ذلك هو عدم انصراف نوازع الكراهية نفسها إلى أديان في المشرق مثل البوذية والهندوسية والسيخ، على الرغم من وجود أعداد ينتمون إليها بمئات الملايين، مما يعني وفقاً لنظريته أن الكراهية، أتت كرد فعل على سلوك المسلمين، وليست تعبيراً عن حقد مبطن أصيل ضد الإسلام عند الإنسان الغربي.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل احتكرت "الإسلاموية" الإسلام؟

هناك اتجاه ثالث يذهب إلى أن ظاهرة الخوف من الإسلام، نجمت بعض تجلياتها عن استثمار غير نزيه من جانب طرفين أحدهما غربي، والآخر إسلامي، يخدم مشاريعهما الأيديولوجية والسياسية، إبقاء حالة التأزم حية. فبالنظر إلى جماعات الإسلام السياسي التي حرضت أدبياتها منذ حين على التوجس من الغرب حتى في عقر داره، اتهمتها سارة خان على الأقل في بريطانيا، بأنها تتخذ "الإسلاموفوبيا" ذريعة لتجنب النقد، فترمي مخالفيها بأنهم يكرهون الإسلام ويمارسون العنصرية ضد معتنقيه.

وقالت خان، المكلفة في عهد تريزا ماي بمكافحة التطرف، "لقد عاينت الأمر، ويجب أن أقول إنه على وجه الخصوص مع الإسلامويين في هذا البلد، مع الجماعات الإسلاموية التي اختطفت قضية وحركة مناهضة العنصرية، التي يجول منتسبوها في كل مكان، ويصفون أي شخص ينتقد الأيديولوجيا الإسلاموية بالمروج للإسلاموفوبيا، إن المرات التي صنفت فيها على أنني، رغم كوني مسلمة، مروجة للإسلاموفوبيا، لا حصر لها"، كما ترجم عنها الباحث محمد الدخاخني.

ومع أن هذا الاتجاه لا يمكن تعميمه على كل الشكاوى من التمييز ضد الإسلام، فإن المشاهد على الأرض وفق الباحث في مؤسسة راند في واشنطن لورينزو فيدينو؛ أن الحركات الإسلاموية خصوصاً "الإخوانية" منها، استفادت من دفاعها عن الإسلام والمسلمين في كسب الأصوات، خصوصاً في البلديات ذات الكثافة الإسلامية وقت نشوب سجالات الرسوم المسيئة أو سن قوانين ضد المحجبات. وأعاد ذلك إلى أن صلات بعض تلك الجماعات بميادين العنف والحركات المتطرفة في الدول الإسلامية، عادة ما تكون معلومة لدى أجهزة الاستخبارات فقط، ويصعب إحاطة المجتمعات المحلية والسياسية بخيوط لعبتها.

الخطاب الشعبوي أصبح مربحاً

في الجانب الغربي صار الهجوم على الإسلام والمسلمين مقبولاً بعد أن كان عملاً مشيناً يصدر غالباً من اليمين المتطرف، الذي اكتسب شعبية بدوره في عدد من المجتمعات الغربية، وصارت زعيمته في بلد كفرنسا بعد أن كان حزبها منبوذاً، صارت تحصد الأصوات حتى كادت تزحف نحو الإليزيه في الانتخابات الماضية، بما أغرى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يوصف بأنه وسطي بالدخول في هذا الوحل، وهو الذي ربطت بلاده في عهد رئاسته علاقات سياسية وعسكرية وطيدة بدول إسلامية.

الموقف الرسمي الفرنسي الجديد المؤيد للكاريكاتير المسيء، لشدة ما كان مستغرباً، أحوج شخصيات معتدلة محسوبة على فرنسا بشكل أو آخر إلى مساجلته علناً، فنددت خارجية المغرب ومجلسها العلمي الأعلى بالرسوم المهينة للنبي محمد، في خطوة نادرة من الرباط، التي ظلت بشهادة باريس نفسها أشد إيماناً بمقاربتها ثقافياً وتفكيراً وإسلاماً في بعض الأحيان.

 

لكن تدثر الإليزيه بالعلمانية في موقفه الذي أثار جدلاً واسعاً، لم يأخذه بعض العارفين بالأمور على محمل الجد، فشخصية إسلامية عرفت فرنسا عن قرب عبر "السوربون" هو شيخ الأزهر أحمد الطيب، وصف موقف ماكرون من دون أن يسميه بأنه "مضاربة رخيصة"، ولذلك رأى التحرك القانوني ضده هو الحل العملي الذي أخذت فيه مؤسسة حكماء المسلمين الإماراتية التي يترأسها زمام المبادرة، ولكن ضد صحيفة "شارلي إيبدو" الناشرة وليس الرئيس الذي دافع عن الفعل. إلا أن هذا التحرك في نظر الزميل منصور النقيدان غير مفيد، إذ "يمكن في المقابل أن ترفع جهات وأفراد دعاوى بأثر رجعي، ضد مؤسسات فتوى إسلامية قد تكون حرضت على العنف والإرهاب".
بينما يعتقد أعداد من الباحثين والمفكرين العرب أن تصريحات ماكرون يمكن وضعها في ميزان نظيرتها الصادرة عن الرئيس الأميركي ترمب في المواسم الانتخابية، والتركي أردوغان في مغازلة الجماهير بالتصريحات الشعبوية، لكنها لا تلبث أن تذروها رياح الأفعال على الأرض.

تأجيج الإرهاب

إلا أن ما يدفع دول الاعتدال العربية مثل السعودية ومصر للتحرك هو الخشية من ركوب المتطرفين المسلمين الموجة، فبحسب الدراسات التي نشر إحداها مركز الملك فيصل في الرياض العام الماضي، تشكل أزمنة الاستفزاز الدينية والمذهبية ربيع التجنيد عند تنظيم داعش وخلاياها النائمة. وسريعاً ما صادق تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على تلك المخاوف حين بادر إلى ركوب الموجة، وأعلن فرعه الذي يخوض حرب عصابات مع الفرنسيين شمال مالي أنه "لا خير فينا إن لم نثأر لنبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام"، وهو الذي كان عقد صفقة قبل أسابيع مع الفرنسيين، انتهت بإطلاق رهينتها المحتجزة لديه. إلا أن ما كرون حتى الآن يدافع عن موقفه، وأنه "لا شيء يجعلنا نتراجع أبداً".

 

وسواء حقق الساسة الفرنسيون ونظراؤهم الإسلاميون، أهداف تحريك مياه الإساءات الدينية أو لم يحققوها، فإن الثابت لدى شرائح أخرى من الباحثين أن سحر ذلك التوظيف سينقلب على الساحر. فكما دفع الغرب من قبل ثمن تفريطه في الملكية الإيرانية وتمكين عرّاب نظام ولاية الفقيه روح الله الخميني من الحكم، سيدفع ثمناً مماثلاً لاحتضانه الإسلام السياسي، الذي أراد ابتزاز دول عربية وإسلامية به.

ووفقاً للباحث التونسي مصطفى بن تمسك، فإن المحصلة من ذلك هي أن "أميركا وبريطانيا والغرب وجدت في الإسلام السياسي الأداة المثلى لمقاومة المد الشيوعي والقومية العربية، وبعد أن انتهى الخطر الشيوعي والقومي على المصالح الغربية في المنطقة تقرر الانتهاء من حركات الإسلام السياسي وتصفيتها بعد أن انتهت مهامها، ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وانقلب الطرفان من حليفين إلى عدوين". وإثر ذلك يلاحظ شيوع حرب الاتهامات، اختلاق مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، ومن ثم عولمة الإسلاموفوبيا لتتجاوز الشأن الانتخابي في أوروبا، إلى شيطنة العرب والمسلمين عبر الإعلام.

خطأ ترميز الخميني يتكرر

ولا يذهب عن هذا المنحى بعيداً الكاتب في هذه الصحيفة، أمين الزاوي الذي اعتبر أن "الأنظمة الأوروبية التي احتفلت بالخميني طويلاً، وصنعت منه نبياً جديداً، لا تدري بأنها بصنيعها هذا رفعت للتوحش الإسلاموي سقفاً في ديارها، وهو ما تعانيه شعوبها اليوم، ها هي أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، التي اختارت أن تستقبل الخميني وتحميه وتعيده على متن شركتها "إير فرانس" ليحط بطهران في شكل "نبي"، ها هي اليوم تعيش ثمرة ما جنته من هذا التحالف الذي أفقدها جزءاً من صورتها، بل وكأننا نشعر بأن فولتير ومونتسكيو وسارتر ودريدا وألتوسير يتقلبون في قبورهم من أثر ما أصابهم من خيانة فكرية".

وإلى حين تنجح الدول العربية والإسلامية وحلفاؤها من المعتدلين الغربيين، في إيجاد تسوية لما يمكن أن يوفر أرضية خصبة لمتطرفي الضفتين، أنشأت منظمة التعاون الإسلامي التي تشكل المنبر السياسي للدول المعنية بالأمر، مرصداً لـ"الإسلاموفوبيا"، يوثق القوانين والتصريحات والحوادث التي تصنف على أنها تعادي الإسلام والمسلمين، مدفوعة بنجاحها في كسب قضية في الدرجة الابتدائية أمام محكمة العدل الدولية، رفعتها ضد دولة ميانمار، بعد ما قالت المنظمة إنها انتهكت حقوق الأقلية المسلمة فيها.

ما يستفاد من "معاداة السامية"

وذكرت التعاون الإسلامي، أنها رصدت أن "التعصب القائم على الأيديولوجيا والعرق قد برز بوصفه تهديداً رئيساً يعرض السلم والأمن العالميين للخطر في عالمنا اليوم. ووسط هذه الظروف، فإن الإسلام والمسلمين في كثير من الدول يتعرضون للتشويه، ديناً وإنساناً". ولفتت إلى أنه وفقاً لتقارير مرصد الإسلاموفوبيا التابع لها "خلال السنوات القليلة الماضية، وصلت الكراهية والتعصب ضد الإسلام إلى حد مقلق، مع تنامي وتيرتها".

لكن الأزمة في نظر البروفيسور الجزائري بو مدين طاشمة، أوسع من أن تعالج بمواقف عابرة أو ردود فعل، ففي كل بلد غربي يوجد فيه مسلمون، هناك تحديات حقيقية، لا تزال من دول حلول جذرية، بل يصعب حتى تصورها بالنسبة إلى العديد من المهتمين خارج الدولة الواحدة. وخلص في بحث له في هذا المسار إلى أنه "على عكس نجاح اليهود في العداء للسامية قضية مجتمعية ترفضها النظم الديمقراطية والقيم الإنسانية وليس فقط اليهود، لم ينجح المسلمون بعد في بلورة رؤية إنسانية تخاطب هذه المجتمعات تكون مستمدة من الإسلام". 

المزيد من تحقيقات ومطولات