أظهر استطلاع جديد للرأي العام في المملكة المتحدة أن الناخبين البريطانيين فقدوا الثقة في قدرة رئيس الوزراء بوريس جونسون ووزير الصحة مات هانكوك على إلحاق الهزيمة بفيروس كورونا. ويرى أقل من ربع عدد الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة الاستقصائية (22 في المئة)، أنه سيكون معقولاً أن يتوقع الوزراء منهم مواصلة التقيد بالإجراءات المفروضة على جوانب حياتهم الاجتماعية والاقتصادية بعد فصل الربيع (المقبل).
وأجرت مؤسسة "بي إم جي للبحوث" BMG Research وهي إحدى أكبر وكالات أبحاث السوق في المملكة المتحدة، الاستطلاع لمصلحة صحيفة "اندبندنت". وكشف عن عمق الضائقة المالية التي يعانيها البريطانيون نتيجة وباء "كوفيد-19"، وتدابير الإغلاق التي فرضتها الحكومة لمواجهته. وبحسب النتائج، أكد أكثر من ربع الذين جرى استجوابهم (26 في المئة)، أن دخل أسرهم انخفض نتيجة تفشي الفيروس، في حين ذكر حوالى 3.4 في المئة، أي ما يعادل أكثر من 900 ألف عائلة أو منزل يقطنه فرد واحد، أن دخلهم انخفض بأكثر من نصف قيمته.
واستطراداً، أتى هذا البحث الاستقصائي الذي شارك فيه 1500 شخص في وقت يجهد فيه رئيس الوزراء كي يواصل التحكم بسياسته المناطقية في ما يتعلق بفيروس كورونا، خصوصاً بعد رفض مجالس محلية في شمال البلاد جهوده الهادفة إلى تشديد القيود المحلية، ومطالبة زعيم حزب "العمال" المعارض السير كير ستارمر تطبيق استراتيجية جديدة من الإغلاق المؤقت تُعرف بـ"كسر دائرة الانتشار" Circuit-Breaker، على المستوى الوطني، وهي إغلاق حاد يدوم أسبوعين أو ثلاثة أسابيع للتغلب على تصاعد انتشار الفيروس.
وتبين من خلال الاستطلاع أن 36 في المئة من الناخبين يثقون برئيس الوزراء البريطاني في قيادة الاستجابة للوباء خلال هذه المرحلة، في مقابل 44 في المئة لا يولونه تلك الثقة. وجاء تصنيفه العام بنحو (–8). وفي المقابل، جاءت أرقام وزير الصحة هانكوك أكثر إدانة، إذ جاء تصنيف ثقة الناس حوالى (–13)، ما يعني أن ما لا يزيد على 26 في المئة من البريطانيين ما زالوا يثقون فيه، في مقابل 39 في المئة غير راضين عن أدائه.
في سياق متصل، برز أن السياسي الذي يحظى بالمقدار الأكبر من ثقة البريطانيين هو وزير الخزانة ريشي سوناك، الذي جاء تصنيفه من حيث ثقة الناس (+19)، أي أن نسبة 44 في المئة من السكان تؤيده، في مقابل 23 في المئة لا يدعمون أداءه. ولا شك أن هذه النتائج تأتي على أثر دوره في تقديم ما يقرب من 200 مليار جنيه استرليني (أي حوالي 250 مليار دولار أميركي) دعماً من الدولة للناس، تشمل خطة دفع بدل إجازات مؤقتة للموظفين غير القادرين على العمل بسبب كورونا، بما يصل إلى 80 في المئة من أجر كل فرد.
وفي منحى متصل، ارتفع تصنيف رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا سترجن التي كان معدل ثقة الناس فيها (+13) أي (42 في مقابل 29 في المئة)، إلى (+ 22) أي (52 في مقابل 30 في المئة)، في حين جاء المعدل الإيجابي لستارمر أكثر تواضعاً، وسجل حوالى (+ 9) أي (36 في مقابل 27 في المئة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، تبين أن مستويات الثقة في الخبراء العلميين الرئيسيين الذين يعملون على مكافحة الوباء أعلى بكثير، إذ حقق كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا كريس ويتي معدل (+ 25) (41 في مقابل 16 في المئة)، فيما سجل كبير المستشارين العلميين السير باتريك فالانس معدل (+ 21)، (36 في مقابل 15 في المئة). وفي منحى ذو دلالة، بين الاستطلاع أيضاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشكل الشخصية الأقل صدقية لدى البريطانيين من حيث التعامل مع فيروس كورونا. ولم يحز سوى على ثقة 11 في المئة من الذين اُستطلعت آراؤهم، في مقابل 73 في المئة لم يوافقوا على أدائه.
وفي عودة إلى الموضوع المعيشي، لم يكن هناك بحسب البحث ما يشير إلى وجود تفاؤل لدى الأسر البريطانية بإمكان تحسين وضعها المالي في المستقبل القريب. فقد توقع نحو 25 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع انخفاضاً في دخل أسرهم بشكل أكبر خلال الأشهر الستة المقبلة. وستشهد هذه الفترة استبدال النظام القاضي بدفع بدل الإجازات المؤقتة المرتبطة بكورونا، الذي وضعه ريشي سوناك في تشرين الثاني (نوفمبر)، بنظام آخر أقل سخاء تدفع الحكومة بموجبه 22 في المئة من الأجور، أو ما يساوي 67 في المئة للشركات التي أُجبرت على الإغلاق في المناطق التي طُبق فيها المستوى الثالث من حال التأهب في مواجهة وباء "كوفيد".
وفي تطور متصل، ستشهد المرحلة المقبلة، تحديداً أبريل (نيسان) المقبل، تعليقاً للدعم المالي المؤقت المحدد بـ 20 جنيهاً إسترلينياً (حوالي 26 دولاراً أميركياً) تدفع أسبوعيا لزيادة الائتمان الشامل والائتمان الضريبي للعمل، المقدم كمساعدة للمطالبين على الصمود في وجه موجة كورونا. وكذلك لاحظ الاستطلاع نفسه أن الأشخاص الأكثر عرضة للخسارة المالية بسبب فيروس كورونا، تتفاوت أعمارهم ما بين 25 و34 عاماً، بمعنى أنها الفئة التي يُحتمل أن ينجب أفرادها أطفالاً. فيما أفاد 36 في المئة من هذه الشريحة أن دخل أسرهم انخفض، في مقابل 10 في المئة أفادوا أن دخلهم ارتفع. وعلى نقيض ذلك، أبلغ قرابة 8 في المئة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً عن خسائر مالية.
وفي ملمح آخر، بدت أسر الأقليات الإثنية أكثر ميلاً إلى الإبلاغ عن خسارة دخلها (35 في المئة)، بالمقارنة مع الأسر البريطانية من العرق الأبيض (24 في المئة). وفي تعليق على النتائج، أوضحت لويزا ماكغيهان مديرة السياسات في "مجموعة العمل في مواجهة فقر الأطفال" Child Poverty Action Group (مؤسسة خيرية بريطانية تعمل على التخفيف من الفقر والاستبعاد الاجتماعي)، أن نتائج الاستطلاع تعبر أيضاً عن تجربة المؤسسة مع الأسر التي لديها أطفال يعانون ضائقة مالية.
وفي حديث مع صحيفة "اندبندنت"، أضافت ماكغيهان، "بحسب ما تشير إليه هذه الأرقام سيكون أهالي الأطفال الصغار أكثر عرضة للمعاناة بسبب انخفاض الدخل والنقص في رعاية الأطفال والتكاليف الإضافية لتربيتهم". وأشارت كذلك إلى أن أبحاث المجموعة "وجدت أن ثمانية من كل عشر أسر متعثرة معيشياً، باتت أسوأ حالاً من الناحية المالية نتيجة الوباء. وبالرغم من ذلك، لم يكن هناك دعم مالي من الحكومة مخصص على وجه التحديد للعائلات التي لديها أطفال".
واستطراداً، رأت ماكغيهان أن رفع تقديم بعض المنافع الحكومية في فصل الربيع "لم يكن له معنى"، داعية في المقابل إلى زيادة قيمة مستحقات دعم الأطفال إلى 10 جنيهات إسترلينية أسبوعياً (حوالي 12.5 دولار أميركي)، بهدف مساعدتهم في مواجهة المصاعب المادية. وذكرت إيما ريفي الرئيسة التنفيذية في جمعية "تراسل تراست" الخيرية التي تدير مجموعة من بنوك الطعام لحالات الطوارئ ودعم الأشخاص الذين يعانون من أزمات، "أن عدداً متزايداً من الأشخاص شهدوا انخفاضاً في مستوى دخلهم أثناء الوباء، ما يشكل أمراً صادماً للغاية".
وأضافت، "إن هذا الواقع دفع بآلاف عدة من الأشخاص إلى استخدام بنوك الطعام للمرة الأولى. وما يحدث ليس سليماً. وإذا استمر الوضع ولم نتخذ إجراءات على المستوى الوطني، فإن أبحاثنا تشير إلى أن شبكة بنوك الطعام الخاصة بنا ستقوم بتوزيع ما يعادل ستة طرود غذائية في الدقيقة هذا الشتاء". واستكمالاً لتلك الصورة، رأت ريفي أنه "يمكن عكس هذا الواقع، فقد رأينا هذه السنة قوة ما يحدث عندما نقف جنباً إلى جنب في وجه الشدائد. لذا فإننا نحض الحكومة على الحفاظ على شرايين الحياة التي أنقذت كثيرين منا من الفقر المدقع خلال فترة تفشي الوباء".
ووفقاً للاستطلاع، فمن بين 26 في المئة من الذين أبلغوا عن تعرضهم لضربة في ما يتعلق بمواردهم المالية، أفاد شخص من كل ستة (16 في المئة) أن دخل الأسرة تراجع بنسبة أقل من 10 في المئة. وأشار ربع هذه الشريحة (25 في المئة) إلى انخفاض دخلهم الأسري بما يتراوح بين 10 و19 في المئة. وتضررت مداخيل حوالى 22 في المئة آخرين بما يتراوح بين 20 و29 في المئة، وفقد قرابة عشرة في المئة ما بين 30 و39 في المئة من مداخيلهم، فيما خسر سبعة في المئة ما بين 40 و49 في المئة (من مداخيلهم).
في المقابل، أوردت شريحة كبيرة تقدر بحوالى 13 في المئة من هذه المجموعة، ما يعادل 3.4 في المئة من السكان، أن وارداتها من الأموال انخفضت بأكثر من 50 في المئة بسبب الوباء.
وأظهر البحث أيضاً أن 49 في المئة من الناخبين يعتقدون أن الحكومة البريطانية كانت على صواب في إعطاء الأولوية للحد من عدد الوفيات الناجمة عن المرض، بينما رأى قرابة 30 في المئة أن لجم الأضرار التي تلحق بالوظائف وبالاقتصاد، يجب أن يستقطب الأولوية.
في منحى مواز، أشار الاستطلاع إلى أن صبر البريطانيين قد ينفد قريباً بسبب قيود الإغلاق التي أجبرتهم على التزام منازلهم وعدم ارتياد الحانات والمطاعم، والحد من الاختلاط الاجتماعي مع الأصدقاء وأفراد العائلة.
إذ أكدت أغلبية واضحة (65 في المئة) أن استمرار القيود الراهنة في منطقتهم حتى عيد الميلاد يشكل أمراً معقولاً، فيما لم تزد نسبة من رأوا عكس ذلك عن 19 في المئة.
من جهة أخرى، تتراجع تلك الغالبية إذا مددت القيود حتى ربيع السنة 2021، وفق اقتراح قدمه بوريس جونسون. إذ أورد حوالى 46 في المئة أن ذلك الأمر سيكون معقولاً، في مقابل 34 في المئة اعتبرته غير معقول.
وفي المقابل، يتراجع الدعم الشعبي للإجراءات المفروضة بعد هذا التاريخ تراجعاً كبيراً. وذكر حوالى 51 في المئة أنه سيكون من غير المعقول المضي في هذه التدابير حتى نهاية 2021، فيما رفض قرابة 59 في المئة أن تظل قائمة حتى 2022، بغض النظر عن العثور على لقاح أو علاج.
وفي ملمح آخر من استطلاع مؤسسة "بي أم جي للبحوث"، ذكر 13 في المئة ممن يقبلون الإغلاق، أنه سيكون من المعقول المضي في اتخاذ تدابير حتى 2022. ويبدو أن هؤلاء الأشخاص مستعدون للإبقاء عليها إلى أجل غير مسمى تقريباً، إذ أبدت النسبة ذاتها إلى حد ما موافقتها على إبقاء التدابير مستمرة حتى 2023.
وفي تعليق على النتائج، ذكر روبرت ستراذرز المسؤول عن الاستطلاعات في مؤسسة "بي أم جي" أن شعبية رئيس الوزراء بوريس جونسون سبق أن تعززت مع اندلاع الموجة الأولى من الوباء في المملكة المتحدة في فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2020. أما الآن، ومع تفشي الموجة الثانية من الفيروس، فيبدو أن ثقة الناس فيه انحدرت".
واعتبر أيضاً أن "انهيار الثقة قد يقلق على الأرجح أولئك الذين يعملون في المؤسسات الحكومية، في وقت يحاول فيه رئيس الوزراء طمأنة الناس إلى أن الإجراءات الجديدة التي طرحت الأسبوع الماضي ستكون كافية لوقف انتشار الوباء". وتساءل ستراذرز عن مدى استمرارية التماسك في شعبية وزير الخزانة سوناك بعد التراجع المقرر عن مخططات الدعم.
ووفق كلمات ستراذرز، "يمكن توقع أن تكون تصنيفات الثقة المتعلقة بوزير الخزانة ورئيس الوزراء متقاربة للغاية، نظراً إلى مدى التعاون الوثيق بينهما في العمل على رأس الحكومة.
في المقابل، يظهر هذا الاستطلاع بوضوح أن تصنيف الرأي العام لأداء الوزير سوناك وقدرته على التعامل بفاعلية مع نتائج تفشي الفيروس، حتى الآن على الأقل، جاءت أعلى بدرجة كبيرة.
وخلص إلى ملاحظة أنه "مع استمرار الموجة الثانية من الوباء، وحدوث تغيير حزم الدعم الاقتصادي بحيث تصبح أكثر استهدافاً وأقل سخاء، فإن استمرار هذا الاتجاه في التأييد لوزير الخزانة يصبح مسألة أخرى تماماً".
استجوبت شركة "بي أم جي للبحوث" 1500 شخص بالغ في المملكة المتحدة في الفترة الممتدة ما بين الثامن والـ 13من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
© The Independent