Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تتجنب غينيا عنف نتائج انتخابات الرئاسة؟

الجيش يدعم الرئيس الحالي حفاظاً على امتيازاته والديمقراطية التوافقية تقي البلاد خطر الانقسامات

تخوف من نشوب أحداث عنف وتصعيد أمني عرقي في غينيا تحيط بأجواء انتخابات الرئاسة بالبلاد (أ ف ب)

ينتظر مواطنو غينيا كوناكري نتيجة الانتخابات الرئاسية، ويتخوفون من أن تأتي بالرئيس المنتهية ولايته ألفا كوندي ليمكث فترة رئاسية ثالثة، مما يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات الأمنية والإثنية التي نشبت منذ عام، بسبب التعديل الدستوري الذي أجراه بغرض الترشح لولاية ثالثة.

وإضافة إلى الرئيس الحالي، يخوض الانتخابات مرشحون عدة، أبرزهم رئيس الوزراء السابق سيلو دالين ديالو الذي اختاره حزب اتحاد القوى الديمقراطية الغينية المعارض ليمثله. وترقباً لإعلان الفائز في الانتخابات، قبل إيداع الطعون أمام المحكمة الدستورية، تقف البلاد أمام احتمالين، إما فوز الرئيس كوندي أو المرشح ديالو، وفي الحالتين يتوقع حدوث تصعيد أمني عرقي قد يمتد ليكمل دائرة العنف في منطقة غرب أفريقيا المتوترة.

التشبث بالسلطة وموقف المؤسسة العسكرية

وصل الرئيس ألفا كوندي إلى السلطة عام 2010، وأُعيد انتخابه في عام 2015 وسط رفض واسع، صاحبته أعمال عنف واعتقالات، قمعتها السلطة ومهدت لترشح الرئيس مرة ثالثة بعد تعديل الدستور، عن حزب تجمع الشعب الغيني الحاكم في غينيا كوناكري.

في المقابل، شغل دالين ديالو منصب رئيس الوزراء من عام 2004 إلى 2006 في عهد الرئيس السابق لانسانا كونتي. واشتعلت الاحتجاجات على تعديل دستور عام 2010 الذي أجري بحجة أنه وضِع أثناء الفترة الانتقالية. وعلى الرغم من الاحتجاجات التي قادتها أحزاب المعارضة بمشاركة حزب دالين ديالو الذي قال إنه "لا يعترف" بالدستور الجديد، أُعلن في 14 أبريل (نيسان) الماضي دستوراً للبلاد.

وتزايدت حالات رفض الدستور الجديد الذي وسّع صلاحيات الرئيس وجعله متحكماً في إصدار القوانين، والسيطرة على القضاء والمؤسسة العسكرية، التي تدعمه للوصول إلى ولاية ثالثة، لأن فوز دالين سيكون وبالاً عليها، نظراً إلى رسوخ قَدمِها في الدولة، مما يهدد بنزع امتيازاتها، كما يمكن أن يقيم محاكمة لقادة عسكريين متهمين بتنفيذ مذبحة ضد قومية الفولاني عام 2009.

وأدى تزايد السلطات في يد الرئيس إلى اتهامه من جماعات المعارضة وأقربائه ودائرة حكمه القريبة بالفساد، خصوصاً في قطاع التعدين. وكحال غالبية الدول الأفريقية التي يستشري فيها الفساد، فقد أضعف هيكل الدولة الغينية، وأطال بقاء أغلب المواطنين على حافة الفقر، يعانون نقص الخدمات الأساسية، على الرغم من وعود كوندي بتحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد إثر ترشحه لانتخابات 2010 و2015، إضافة إلى توقعات إقليمية بأن تكون هذه البلاد الغنية بالطاقة، ثاني قوة اقتصادية في أفريقيا بعد نيجيريا.

وعلى الرغم من الممارسة الديمقراطية، فإن الفوز المتكرر للرئيس كوندي، الذي تبرره المعارضة بحدوث تزوير للعملية الانتخابية خلال دورتيها السابقتين، خلق حالاً من عدم الاستقرار السياسي، وانقساماً مجتمعياً وصراعاً على السلطة. وظهر ذلك في استعداد كوندي لقمع أي احتجاجات على النتيجة المفترض إعلانها، مبدياً تشبثاً بالسلطة.

تأجيج الصراع ومشروع دولة الفولاني الكبرى

وتلعب الإثنيات المتعددة في غينيا دوراً في تأجيج الصراع السياسي على الحكم، وهي سمة ملازمة للمجتمعات الأفريقية، أفرزت تأثيراً كبيراً في التنمية وبناء الدولة، ولهذا تُقابَل محاولة فرض إثنية معينة برفض كبير، كما لم تتمكن غينيا من فرض هوية الدولة القومية، وهو تحدٍّ يواجه معظم الدول الأفريقية.

وتبرز قومية الفولاني بوضوح في المشهد السياسي الغيني، وتتوزع هذه القومية البالغ تعدادها 19 مليون شخصاً على 15 دولة أفريقية، و تشكل في غينيا كوناكري نحو 64 في المئة من مجموع السكان، إلا أنه لم يتسلم أحد من هذه القومية السلطة منذ الاستقلال.

ومع أن هوية الفولاني متصاعدة، ولا يتحقق تجاهها عنصر الطمس الذي يمارَس في الدول التي تتألف من إثنيات متصارعة، إلا أن الفولانيين في غينيا كوناكري لا ينظرون إلى صعود قوميتهم للسلطة في غرب أفريقيا، وتحديداً في نيجيريا والسنغال والغابون وغامبيا.

من ناحية أخرى، يُتوقَع أن يتسبب توزّع هذا المكوّن العرقي على امتداد غرب أفريقيا، وفي جمهورية مالي خصوصاً، بظهور تعصب إثني يمكن أن يؤسس لمناخ مقاومة مسلحة. ولتحقيق أهدافها يمكن أن تتحالف قومية الفولاني مع الجماعات الدينية المتشددة، بخاصة أنها من الأغلبية المسلمة في غينيا، كما أنهم يتعرضون للتمييز الذي أدخلهم في صراعات، مثل ما حدث في أفريقيا الوسطى.

أما التمييز الذي يواجهه الفولانيون في غينيا كوناكري، فهو نتاج وقوفهم بوجه الاستعمار الفرنسي، وعدم المواءمة بينهما حتى بعد الاستقلال، إذ إن الخلاف الكبير بين فرنسا كراعية لمستعمراتها السابقة في غرب أفريقيا وقومية الفولاني، يتمحور حول طموحهم في إقامة مشروع دولة الفولاني الكبرى الممتدة من غرب إلى وسط أفريقيا، وهو مشروع مناهض للمصالح الفرنسية والقوميات الأخرى.

حشد إثني ودعم خارجي

وتتصارع الآن جماعتا مالينكي التي ينتمي إليها الرئيس الغيني ألفا كوندي، وجماعة فولاني التي ينتمي إليها المعارض سيلو دالين، وتسهم محركات عدة في إذكاء هذا الصراع الذي نشأ منذ أول انتخابات ديمقراطية شهدتها غينيا في عام 2010، بعد سنوات من الحكم العسكري.

ويُعدّ التفاعل بين القوى المجتمعية أهم المحركات في عملية بناء الدولة، إذ إن التجاذبات والاستقطابات القومية والخارجية ساهمت في تعقيد مسألة الاندماج في هيكل المواطنة، ورسخت سيطرة الولاءات العرقية على الولاء الوطني، مما خلق عجزاً استغله المتنافسون السياسيون، فاستفاد المرشح سيلو دالين ديالو من الدعم المالي السخي الذي وفرته له قوميته التي ينشط معظم أفرادها في التجارة، إذ مولوا نشاطاته السياسية، كما لعبوا الدور ذاته مع مرشحين آخرين في غرب أفريقيا، وصلوا إلى سدة الحكم في بلادهم.

لكن يقف أمام صعود ديالو، دعم خارجي للرئيس ألفا كوندي، نظراً إلى توافق برنامجه مع المشاريع الفرنسية، إضافة إلى تشدد جماعة المالينكي بأن يظل رئيساً لولاية ثالثة، ومن هنا يبرز الاستخدام السياسي للإثنية من قبل المرشحيَن بحشد كل مجموعة لمرشحها، ما يزيد التوتر الإثني وتأجيج قضية الهوية وسط انقسامات متزايدة.

منع التصعيد والديمقراطية التوافقية

بعد استقلال غينيا في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 1958، وهي الفترة التي شهدت استقلال أغلب الدول الأفريقية، ثم خضوع غالبيتها لحكم عسكري اختارته الدول المستعمرة بديلاً عنها من أجل حفظ الأمن والسيطرة على استشراء النزعة التحررية التي لازمتها، وضبط النزاعات المبنية على التنوع العرقي والديني والثقافي، وبعد أن استطالت العهود العسكرية، انتقلت بعض هذه الدول إلى حكم مدني نتجت منه تجارب مشوهة أدت إلى عودة العسكر مرة أخرى، ولهذا جرت الاستعانة بالديمقراطية التوافقية للخروج من دائرة انقسامات المكون الاجتماعي. وقد يبدو هذا حلاً لضمان عدم الانزلاق الأمني لغينيا، ووقف تفتت مكوناتها الإثنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد خوض هذه التجربة في بعض البلدان الأفريقية ذات الطبيعة المشابهة لغينيا، فإن نسبة نجاحها ضئيلة، لأن الديمقراطية التوافقية التي طُبقت في تلك البلدان قامت على أساس تحالف المكونات المجتمعية مع تنوعها، إذ أنه يُفترض احتفاظ أي أقلية بحق الاعتراض على طبيعة الممارسة السياسية ومواجهة تسلط الفئة الحاكمة، وهو ما لم تُتِحه أشكال الديمقراطية التمثيلية في غينيا.

في هذه الحال، يُتوقع أن يُعقَد تحالف بين قومية الفولاني والمجموعات الموالية لها ضد جماعة مالينكي، مما يهيئ لإقامة دولتهم الكبرى حتى ولو لفترة من الزمن. أما الاحتمال الآخر فهو تحالف جماعة مالينكي مع الجماعات الموالية لها أيضاً مستعينةً بالدعم الخارجي، إلا أن شكل الحكم هذا يحتاج إلى إطار قانوني لدعم الممارسة، حتى لا يعوق انسياب الديمقراطية، وهو ما لا يوافق عليه الرئيس كوندي، وهنا تبدو الديمقراطية التوافقية اختلافاً في محل يُفترض فيه التوافق.

وبنظرة شاملة إلى المحيط الأفريقي، كما الشأن في كل البؤر المشتعلة في القارة السمراء، تتمثل الخلافات التي تباعد بين مكونات هذه القوميات في غينيا، إضافة إلى الاختلاف الإثني، في الخلافات الدينية أو الأيديولوجية أو الديموغرافية العميقة. وعلى الرغم من التهدئة بين هذه المكونات، فإن التحركات الدولية والإقليمية لرأب الصدع بين أطراف النزاع، تلعب دوراً في إيجاد حلول لمنع تطورها إلى تصعيد عسكري، يمكن أن يتطور إلى حرب شاملة محتملة، أو على الأقل سيؤدي إلى حال من الحرب واللاحرب، بما يؤثر في استقرار المنطقة ويتجاوز الحدود الجغرافية إلى غرب أفريقيا.

المزيد من تحلیل