Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة تونس في مسلسل "القمم الدائرية"

بعد هزيمة 1967 صار الهدف العربي في القمم "إزالة آثار العدوان"

لا تحضير جدياً يسبق القمة ولا نقاش عميقاً خلالها (أ.ف.ب)

حال القمة من حال الأمة. ونحن أمة مسكونة بالأزمات. ما كان بين التوقعات، ولو توحدت قراءات العواصم العربية في الوقائع، ان تكتمل القراءة الواحدة بعمل واقعي جامع. ولم يكن بين الرهانات أن تخرج قمة تونس عن المألوف في طقوس القمم العربية. فنحن في مسار انحداري نخوض، في أحسن الأحوال، ما تسميه القواميس العسكرية "القتال التراجعي". ونحن ننظر الى الوراء في حزن، والى الأمام في خوف من "الآتي الأعظم" الذي حذّر منه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

"الدولة الوطنية" التي قال الأمين العام للجامعة احمد ابو الغيط ان كلمة العرب اجتمعت على التمسك بها، ونبّه الرئيس اللبناني ميشال عون إلى مخاطر مشروع لإسقاط مفهومها كدولة "واحدة جامعة" لمصلحة "كيانات عنصرية طائفية"، تفتقد في كثير من البلدان العربية الشرط الأساس لتكوينها: أن يسود مفهوم المواطنة ويكون أهلها مواطنين لا رعايا. ألم يصف أرسطو الدولة قبل آلاف السنين بأنها "جماعة مواطنين عاقلين أحرار لا جماعة مؤمنين"؟ والعالم العربي هو اليوم أكثر من أيام السلطنة العثمانية والإنتدابات البريطانية والفرنسية وسواها، مسرح يلعب فوقه لاعبون دوليون واقليميون بالقوة، واحياناً بطلب من بعض أهله. أما شبه الغائب وشبه الحاضر، فإنه الدور العربي الواحد.

قمة تونس هي الثلاثون في سلسلة القمم العربية الدورية التي بدأت عام 1964 بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر. كان جدول الأعمال يتركز على بند مهم: منع اسرائيل من تحويل روافد الأردن. لكن حسابات الصدام العسكري مع العدو وموازين المصالح الدولية قادت إلى قرار أخف: قيام الدولة العربية بتحويل الروافد. وحتى هذا القرار، فإن تنفيذه توقف لأن العدو شنّ غارات على مواقع التحويل من دون مجيء الحماية العربية كما في حال لبنان.

في ذلك الوقت كانت القمم العربية تبحث في تأمين متطلبات الخيار العسكري لتحرير فلسطين، وتقرر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري. وبعد هزيمة 1967 صار الهدف العربي في القمم "إزالة آثار العدوان"، أي استعادة سيناء والجولان والضفة الغربية. وعلى الرغم من تنامي ظاهرة المقاومة الشعبية وتولي زعيم "فتح" ياسر عرفات رئاسة منظمة التحرير، وتخطيط سوريا ومصر لحرب رمضان عام 1973 وما انتهت إليه، فإن مسلسل التراجع تسارع: اتفاقات فك الارتباط في سيناء والجولان. معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل التي أخرجت مصر من الصراع العسكري. معاهدة وادي عربة بين الأردن واسرائيل. الجولان بقي محتلاً. كذلك أجزاء من الضفة الغربية. وحده جنوب لبنان تحرّر بالمقاومة، وإن بقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وأجزاء من قرية الغجر تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ما صار الغائب الدائم عن جدول الأعمال في القمم العربية هو الخيار العسكري. وما جرى فرضه على المسرح منذ حرب "عاصفة الصحراء" التي أخرجت القوات العراقية من الكويت هو عملية سلام، بقيت عملية من دون تسوية شاملة وسلام. لا بل ان الإنقسام بين فتح وحماس صار انفصالاً كامل الأوصاف بين السلطة الفسطينية في الضفة وسلطة حماس في غزة. وكل المحاولات والمساعي المصرية والسعودية والروسية وسواها لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية اصطدمت بحواجز عدة بينها حرص أميركا واسرائيل على بقاء الإنقسام كضمان لإنهاء حل الدولتين. وبينها حسابات قادة في فتح، واستحالة ان يتخلى تنظيم من تنظيمات الإسلام السياسي عن السلطة حين يمسك بها، ولو كان مقاومة وطنية مثل حماس.

والمعادلة صارت من المسلمات: التحديات امام العرب تتعاظم، والقدرة على المواجهة تتناقص. ما كان تحرير فلسطين ثم إزالة آثار العدوان صار حلماً اسمه التمسك بشعار "الأرض مقابل السلام"، وسط كابوس الإصرار الإسرائيلي على الإحتفاظ بالأرض ورفض السلام والرهان على فرض الاستسلام. وها هي قمة تونس توحي انها شهدت "معجزة" الموقف العربي الواحد الذي أدان قرار الرئيس دونالد ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل والإعتراف ب "السيادة الإسرائيلية" على الجولان. وما كان الخطر الأكبر على العرب وهو الكيان الصهيوني وسياسته التوسعية بالقوة، أُضيف اليه خطران جديدان هما المشروع الإيراني التوسعي والمشروع التركي التوسعي في العالم العربي ضمن لعبة جيوسياسية كبيرة.

بيان القمة في تونس "أدان سياسة الحكومة الإيرانية وتدخلاتها المستمرة في الشؤون العربية والتي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية". والسؤال هو: ما هي الإجراءات العملية بعد الإدانة؟ هل يكفي ان يذهب العرب إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ليتحقق قرار "اتخاذ جميع الإجراءات العملية اللازمة لمواجهة قرار اي دولة تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل أو تنقل سفارتها إليها"؟  وما هي الفرصة الفعلية لترتيب "آلية دولية متعددة الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة لرعاية عملية السلام"؟

أوضاع الكثير من البلدان العربية مقلقة. والعادة هي العودة الى الشغل كالمعتاد بين القمة والقمة المقبلة. فلا تحضير جدياً يسبق القمة. ولا نقاش عميقاً خلالها. ولا تغيير ملموساً بعدها. وأبرز الأمور التي حدثت جرت بقرارات انفرادية او ثنائية من خارج قرارات القمة. وأقل ما ينطبق على القمم العربية هو أنها نوع من "القمم الدائرية". دوران حول النفس والقضايا المتراكمة. جدول الأعمال والبيان الختامي تجميع لما يطالب به كل بلد. والقمم دائماً في الخطاب الرسمي "ناجحة وتاريخية". لا شيء مثل القمم الأوروبية التي تُعقد للبحث في موضوع واحد أحياناً. فإذا نجحت كان به. وإذا فشلت اعترفت بالفشل وعملت على طريقة المثل الفرنسي القائل: "خطوة الى الوراء من أجل قفزة إلى الأمام".

ولا تحولات في مسار القمم العربية من دون ان تبدأ التحولات الجذرية داخل كل بلد عربي.

المزيد من آراء