Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكاليف الدعم التركي لأذربيجان في القتال على قره باغ

"يحتاج أردوغان إلى اختلاق الأزمات أكثر من حاجته إلى الخبز والماء"

باشينيان بجانب نظيره الروسي ميخائيل ميشوستين خلال اجتماع مجلس الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في يريفان في 9 أكتوبر الحالي (أ ف ب)

تتطور الأحداث في تركيا بسرعة فائقة، فما تكاد تمر أزمة حتى تتبعها أخرى. ولا نجني، نحن الأتراك، من وراء ذلك سوى أننا في كل مرة نخسر بعض أصدقائنا، ونزيد عدد الخصوم والأعداء. فبينما كنا، قبل أيام، نناقش قضايا شرق المتوسط، وآيا صوفيا، والتوتر مع اليونان وفرنسا إذا بنا نتحدث عن قضية قره باغ.

نعم، وقفت أنقرة إلى جانب أذربيجان، ولكنها عندما أمْلت عليها حلولها الخاصة بها، تركتها في وضع صعب على الصعيد الدولي.

 ولكن ما لا نفهمه هو أن أنقرة اتخذت في هذا السياق مَواقف من شأنها أن تدفع بالأزمة إلى طريق مسدود، وتضعفَ موقف أذربيجان أثناء المفاوضات حول وقف إطلاق النار. حيث إن أنقرة بمشاركتها غير المباشرة في الحرب أسهمت في رفع مستوى التوتر عندما أرسلت إلى أذربيجان طائرات من دون طيار، بل وتتهمها أرمينيا بنقل مقاتلين سوريين الى المعارك في قره باغ رغم نفي تركيا هذه المعلومات.

فلماذا أصر رجب طيب أردوغان على الحرب بهذه الطريقة، في وقت كان يعرف جيداً أنه سيضع أذربيجان في وضع صعب على المستوى الدولي؟

أسباب أخرى
 

لن يكون من الصواب أن نحصر سبب إصرار أردوغان على الحرب، في الأزمة التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا، بل هناك أسباب أخرى أود أن أسردها كالآتي:

أجرت شركة استطلاع مقربة جداً من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بناءً على طلب الحزب، استطلاعين متتاليين، رجعت بعدهما بذات النتائج. ولِسبب من الأسباب سرَّبَ أحد الأطراف هذه المعلومات إلى كمال أُوزْ كِيراز، صاحب شركة "أوراسيا" للاستطلاعات، فقام الأخير بنشر هذه النتائج من دون أن يكشف عن هوية الجهة المسربة.

ودل هذان الاستطلاعان على أن ناقوس الخطر بدأ يدق بالنسبة إلى أردوغان وحزبه. فبالنسبة إلى سؤال: "هل ستصوت لحزب العدالة والتنمية فيما إذا أجريت الانتخابات في الأسبوع المقبل"؟، أجاب 35 في المئة فقط بـ"نعم"، فيما بلغت نسبة المصوتين لهذا الحزب في الانتخابات الأخيرة 43 في المئة.

وإليكم معلومة صادمة أخرى: فقد أجابت نسبة 41 في المئة من المستطلَعين فقط بـ"نعم"، على السؤال التالي، "هل ستصوِّت لأردوغان، في حال أجريت الانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل"؟.

ولم ينته الأمر بعد! فقد كان من ضمن الأسئلة استبيان حول مدى نجاح أكرم إمام أوغلو، الذي يترأس حالياً بلدية إسطنبول الكبرى، والذي يُحتمَل بقوة أن يترشح ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأجاب 56 في المئة بأنهم يعتبرونه ناجحاً.

وقال 57 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، إنهم يرون رئيس بلدية العاصمة أنقرة منصور ياواش ناجحاً، علماً بأن الأخير أيضاً من المرشحين المحتمَلين لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.


أصوات الأكراد

وأظهرت نتائج أحد الاستطلاعين، أن أكرم إمام أوغلو تحديداً يستطيع أن يحصد أصواتاً من مختلف الشرائح الشعبية في تركيا بمن فيهم الأكراد. بينما يُلاحَظ من خلال سياسات أردوغان الأخيرة ضد الأكراد، أنه قطع الأمل من الحصول على أصواتهم بشكل كبير، وبخاصة بعدما تحالف مع الأحزاب القومية. وهذا ما جعله يضرب على وتر القوميين، من خلال استغلال ورقة الوقوف إلى جانب أذربيجان، والضغط على السياسيين الأكراد واعتقالهم بشكل جماعي، وفصلهم في شكل تعسفي عن المناصب التي حصلوا عليها في الانتخابات البلدية الأخيرة. ويعرف أردوغان جيداً أن الشخص الذي يتلقى دعم الأكراد ويتحالف معهم، يُرجَح أن يكون منافساً قوياً في الانتخابات المقبلة. ولذلك يحاول أن يستعيض عن ذلك بأصوات القوميين، الذين يتعاطفون بشدة مع قضايا أذربيجان، بالإضافة إلى معاداتهم الشديدة للأرمن.

ومن المواضيع الأخرى التي بدأت تُناقَش في الكواليس السياسية في أنقرة شائعات تقول بأن الرئيس السابق عبد الله غل، سيترشح ضد أردوغان إذا حصل على دعم "حزب الشعب الجمهوري." ويُغضِب أردوغان احتمال مواجهة رفيق دربه السابق، في شكل لا يوصف.


متاعب اقتصادية

أضف إلى ذلك انخفاض قيمة الليرة التركية وتناقُص كمية العملة الصعبة في خزانة الدولة، التي تذوب يوماً بعد يوم. فقد بلغ العجز النقدي للخزينة في الفترة من يناير (كانون الثاني) – أكتوبر (تشرين الأول) 2020 مجرداً من الفائدة، مستوى 24 مليار دولار، بينما كان هذ العجز في الفترة ذاتها من العام الماضي يناير-أكتوبر 2019، عند 12 مليار دولار.

ويجعلنا هذا المشهد نفهم السبب وراء هذه التصرفات العدوانية التي يقوم بها أردوغان لينقذ الموقف الحرج لدى الرأي العام الداخلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غضب الكرملين

صحيح أن الخطوات التي اتخذتها أنقرة كانت تهدف في معظمها إلى التلاعب في السياسة الداخلية، ولكن يبدو أنها تسببت في قلب الأوضاع في السياسة الخارجية، خصوصاً، نقل أنقرة لمتشددين من سوريا وليبيا إلى قره باغ الذي أغضب الكرملين.

وصرح ألكسندر دينكين، رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في أكاديمية العلوم الروسية ومستشار الكرملين، أن "أردوغان يمتحن صبر بوتين، وبمرور الأيام يزداد شعور بوتين بعدم الارتياح. وفي ظل الادعاءات التي تشير إلى إرسال مقاتلين سوريين إلى أذربيجان، يُعتقد أن الخط الأحمر ربما تم تجاوزه في إحدى مناطق الاتحاد السوفياتي السابق".

إذاً، على الرغم من أن أردوغان لم يتجاوز (بالفعل) الخط الأحمر بعد، إلا أنه من الواضح أنه بدأ يُزعج بوتين. ويُلاحَظ أن الرئيس التركي فهم مغزى هذه الرسالة، فاتخذ الخطوة اللازمة لتهدئة الدب الروسي، فقرر إرسال المنصات إلى محافظة سينوب ليتم تفعيل عملية اختبار أنظمة الدفاع الجوي S-400 الروسية، بعد تأجيلها بحجة تفشي فيروس كورونا. ما يجعلنا ننظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لتهدئة الوضع مع روسيا.

ويمكنني القول بكل راحة إن أردوغان لم يقم بشراء تلك الصواريخ إلا لاعتبارات سياسية وليس لضرورة عسكرية. كما أن الحديث عن اختبارها يعود أيضاً إلى حسابات سياسية بحتة.

أما بالنسبة إلى تباطؤ الكرملين في التعامل مع قضية قره باغ، فإني أرى أن السبب وراء ذلك هو إستراتيجية موسكو الهادفة إلى "تأديب" رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي يرسم صورةً مؤيدة للغرب، وإجبارِه على الرجوع إلى الحضن الروسي.

وكان من الصعب جداً التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حال لم تتدخل روسيا في قضية الصراع على إقليم ناغورنو قره باغ، الذي تسبب في نشوب الحرب بين أذربيجان وأرمينيا.

وبالفعل، دعت موسكو وزيري خارجية البلدين إلى اجتماع يوم الجمعة (10 أكتوبر) وأُعلن في مساء ذلك اليوم عن التوصل إلى وقف إطلاق النار، كما كان متوقعاً.

وكان لافتاً أن تركيا لم تجد لها مقعداً على الطاولة التي تم التوصل حولها إلى هدنة بين البلدين، فرجعت أنقرة من الساحة خالية الوفاض مرة أخرى.

ويبدو أن أردوغان توقع وقف إطلاق النار، فسارع إلى اختراع أزمة أخرى، فطالب بفتح بلدة ماراش الواقعة شمال قبرص التركية، التي أغلقت منذ 46 سنة، بسبب النزاع بين القبارصة الأتراك واليونان عليها. وهذا يعني أننا على مشارف "أزمة أردوغانية" أخرى مع "قبرص اليونانية".

المزيد من تحلیل