Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف اخترقت الباخرة "الشبح" المياه الإقليمية اللبنانية؟

طريقة جديدة للالتفاف على العقوبات التي يفرضها قانون "قيصر" على النظام السوري قد تورط لبنان في مسألة قضائية دولية

أحال الجيش اللبناني أربعة موقوفين بقضية الباخرة "جاغوار أس" على النيابة العامة (موقع مارين ترافيك)

قررت السلطات القضائية اللبنانية إعادة الباخرة "جاغوار أس" (Jaguar S) المحمَلة بـ 2987 طناً من البنزين، إلى اليونان وهي الوجهة التي انطلقت منها مقبلة الى المياه الإقليمية اللبنانية في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. وأشارت المديرية العامة للنفط في لبنان أن هذا القرار اتخذ بعدما نفت كل الجهات اللبنانية الرسمية علاقتها بالباخرة، وبيّنت أنها لم تأتِ بناءً لطلب أي جهة رسمية أو شركة خاصة، مشددةً على أن لبنان سيعيد الشحنة إلى اليونان بعد انتهاء التحقيقات

وتبيّن أن هذه الباخرة التي اكتُشف وجودها في ميناء الزهراني جنوب لبنان، محملة بحوالى 4 ملايين ليتر من البنزين وأرادت إفراغها في ميناء بانياس السوري سراً بعد القيام بمناورة توحي بأن الحمولة أُفرغت في لبنان للالتفاف على قانون العقوبات الأميركي "قيصر" الذي يحظر أي تعامل مع النظام السوري.
وبعد الحجز على الباخرة والتحقيق مع كادرها، اتضح أنها مشتراة لصالح شركة النعم السورية ومقرها حرستا في ريف دمشق، حيث يعتقد بأن الشركة يملكها أحد رجال الأعمال السوريين الذين يعملون لمصلحة النظام، وسبق أن تواصل مع نافذين في لبنان لإدخال شحنات البنزين عبر الأراضي اللبنانية كي تُهرّب إلى سوريا في إطار خطوة التفافية على قانون "قيصر". 


قضية قضائية دولية

ووفقاً للمعلومات فإن الجهات القضائية اللبنانية تركّز حول ما إذا كانت بواخر أخرى زورت "المانيفست" أو البيان الجمركي (وهو مستند يُدرج البضائع والركاب وطاقم السفينة أو الطائرة أو المركبة لاستخدامهم من قبل الجمارك ومسؤولين آخرين) للإيهام بأن وجهتها النهائية هي أحد الموانئ اللبنانية، لأن لذلك تبعات قانونية خطيرة على لبنان ومن المحتمل توريط البلاد ومصفاة الزهراني في قضية دولية كونها مملوكة من الدولة.
وتشير المعلومات إلى أن التحقيق سيركّز أيضاً على إمكانية تواطؤ عناصر من "مديرية الجمارك" بتسهيل دخول الباخرة "جاغوار أس" الى ميناء الزهراني ودور أحد المقرّبين من الأحزاب المهيمنة في منطقة الزهراني، الملقّب بـ "الزعيم"، والذي تردد أنه كان يجري اتصالات سياسية لعدم اعتراض المخطط المرتبط بتلك الباخرة.

لبنان "منصة"

وأظهر موقع "رادار" البحري لتتبع السفن، أن الباخرة وصلت إلى ميناء الزهراني في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، ویُظھر تحركھا أنھا أبحرت مسافة 25 میلاً باتجاه طرابلس، ثم عادت إلى محیط الزهراني في 27 منه حيث لا تزال راسیة حتى الآن. وفي المعلومات، فإن إدارة الجمارك ولدى التدقيق في المانیفست وبوليصة الشحن والعلم والخبر المقدَّم من الوكيل البحري تبیّن عدم وجود شركة مستورِدة للبضاعة الموجودة.

وأشار الموقع إلى أن سجل هذه الناقلة حافل بعمليات التخفي عن أجهزة التعقب، وأن ذلك يُعدّ "مخالفةً صريحة للقوانين البحرية الدولية"، ويُشتبه في أنها ناشطة في نقل النفط الإيراني إلى أكثر من دولة من بينها سوريا وفنزويلا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"مناورة" على "قيصر" 

من جهة أخرى، أشار مصدر أمني لبنان إلى أن الهدف من دخول الباخرة "جاغوار أس" إلى المياه الإقليمية هو التمويه على أجهزة تعقب البواخر عبر نظام تحديد المواقع العالمي الـ GPS، موضحاً أنه "بمجرد دخولها إلى أحد الموانئ اللبنانية يتم رفض تفريغ حمولتها وتصدر السلطات اللبنانية منع دخول بحقها وتطلب إعادتها إلى اليونان، مصدرها الأساسي، ويُختم المانيفست من إدارة الجمارك، فهذا كل ما تريده من لبنان"، مضيفاً أن الباخرة وهي في طريق العودة تقوم بتغيير مسارها إلى السواحل السورية بعد إطفاء الـ GPS، وتفرغ حمولتها في قوارب صغيرة على طريقة "من قارب إلى قارب" (ship to ship) انطلاقاً من شمال لبنان وطول الساحل السوري، "وبذلك تكون حصلت عملية احتيال والتفاف كبيرة على قانون قيصر".

وأكد المصدر ذاته أن "هدف هذه العملية ليس التهريب عبر الحدود اللبنانية - السورية، على اعتبار أن عصابات التهريب تستفيد من النفط المدعوم من قبل مصرف لبنان لتحقيق أرباح غير مشروعة وتتجاوز الـ 80 في المئة من قيمة النفط الموجود على تلك الباخرة"، مشدداً على أن "الهدف هو الاحتيال على العقوبات الأميركية عبر المياه الإقليمية اللبنانية".

استبدال "المرفأ"

في السياق، رأى نائب في البرلمان اللبناني (طلب عدم الكشف عن اسمه) أنه بعد انفجار بيروت بات المرفأ تحت الرقابة الدولية، وبخاصة بعد دخول قوات متعددة الجنسية تابعة لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) إليه، "أراد حزب الله أن ينقل نشاطاته إلى مرفأ آخر يقع تحت مرمى سيطرته"، مشيراً إلى أن المعلومات التي كشفت بأن تلك الباخرة نفسها وصلت في 12 يونيو (حزيران) الماضي إلى مرفأ بيروت وقامت بمناورة مدة يومين للايحاء بأنها تفرغ حمولتها، إلا أنها لم تفعل، وتشير إلى أن الهدف هو الالتفاف على قانون قيصر، "من دون أن يعلم أحد طبيعة الشحنة التي كانت تحملها"، مؤكداً أن "هذا الأمر لا يمكن ان يحصل لولا وجود جهة سياسية واضحة لها مصالح مع النظام السوري". وأضاف النائب اللبناني أنه وفق المعلومات التي وصلته، فإن "السفينة "الشبح" التي أتت حينها من اليونان، أطفأت جهاز الـ GPS الخاص بها كي لا يتم رصد حركتها عبر الأقمار الاصطناعية بعد دخولها المياه الإقليمية اللبنانية وتوجّهت بعد ذلك مباشرةً إلى مرفأ بانياس في سوريا حيث أفرغت حمولتها من المحروقات، وبذلك تكون قد أوحت إلى أجهزة التعقب بأنها كانت ترسو في مرفأ بيروت"، مشيراً إلى اعتقاده بأنه "لو لم يتم بالمصادفة اكتشاف الأمر وتسريبه إلى وسائل الإعلام لكانت الباخرة قامت بالأمر ذاته الآن وكررته مستقبلاً".

سلسلة توقيفات

في آخر التطورات القضائية المتعلقة بملف الباخرة "جاغوار أس" التي تم توقيفها قبالة منشآت الزهراني، أوقِف بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان، كل من الوكيل البحري للباخرة وقبطانها على ذمة التحقيق، وعلى خلفية دخول الباخرة المياه الإقليمية اللبنانية قبالة الزهراني جنوب لبنان وهي محملة بمادة البنزين، حيث تبيّن أنها لم تأتِ بناءً على طلب أي جهة رسمية أو أي شركة خاصة.

كذلك صدر عن قيادة الجيش اللبناني بياناً يشير إلى أن مديرية الاستخبارات أحالت على النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب وبناءً على إشارة مدعي عام التمييز كلاً من اللبنانيين: (ط.ح.ح)، (ط.ع)، (ه.ت)، (ع.ن.د) الذين تم توقيفهم بتاريخ 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لعلاقتهم بإدخال ناقلة النفط "جاغوار أس" إلى ميناء الزهراني بصورة غير قانونية. وتبيّن أن الوكيل البحري للباخرة الموقوف يدعى (ه- ت) متحدر من مدينة صيدا (جنوب) وصاحب الشحنة هو (ط-ع) من طرابلس (شمال).

في المقابل، أشارت التحقيقات الأولية في القضية إلى أن الوكيل البحري في الزهراني (ه. ت) لم يكن على علم بأن الوجهة الحقيقية للباخرة لم تكن الزهراني كما أن التواصل معه تم بشكل غير مباشر من خلال الوكيل البحري في الشمال، وأن الأخير صرح بأنها أتت إلى لبنان لصالح شركة HIF للمحروقات التي تملك خزّانات للوقود قرب منشآت الزهراني. إلا أن الشركة المذكورة نفت علمها بالباخرة وأنها طلبت شحنةً من البنزين أساساً.

التهريب الى سوريا

كشفت مصادر رسمية لبنانية أن "الباخرة كانت آتية من أذربيجان وهي تعمل على خط بين تركيا وألبانيا، ويبدو أنها كانت تريد تفريغ حمولتها في منشآت الزهراني تمهيداً لنقلها بالتقسيط عبر صهاريج إلى سوريا وعبر المعابر غير الشرعية".
ويأتي خبر توقيف الباخرة "جاغوار أس" في وقت يعاني قطاع المحروقات في لبنان أوضاعاً صعبة، حيث الشحّ سيد الموقف، بسبب عمليات التهريب نحو سوريا طمعاً بتحقيق أرباح طائلة، حيث يستفيد التجار من دعم مصرف لبنان لاستيراد المحروقات وفق سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار (1515 ليرة) ثم تُهرَّب إلى سوريا لبيعها بأسعار مضاعفة.

المزيد من العالم العربي