Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نحو تعريف جديد للعمل الإرهابي

نيوزيلنديون يمرون قرب ورود وضعت وسط كرايستشرش إحياءً لذكرى ضحايا مذبحة المسجدين. (أ.ف.ب)

في التاسع والعشرين من يناير عام 2017، اقتحم الشاب الكندي ألكساندر بيسونيت المركز الإسلامي في مدينة كيبيك سيتي الكندية. وقام بإطلاق النار على الموجودين من المسلمين مما أدى إلى مقتل ستة منهم قبل أن يقوم بتسليم نفسه للشرطة. كانت هذة الحادثة صادمة جداً لأهالي المدينة الهادئة التي لم تعرف من قبل هذا النوع من الجرائم. وأدت إلى ردة فعل غطت الدولة بأكملها، وأعرب الملايين من الكنديين عن تعاطفهم مع الجالية المسلمة وإدانتهم الشديدة لهذا الفعل. وعدت الحكومتين المحلية والفيدرالية هذه الجريمة في حينها (عملاً إرهابياً). وكرر المسؤولون في الحكومة ذلك في الإعلام مراراً وتكراراً. وقام الإدعاء برفع القضية إلى القضاء مطالباً بعقوبات على الجريمة بوصفها إرهاباً وليس قتلاً فقط. ولكن القضاء بعد ذلك كان له رأي آخر.

بعد مرور قرابة العام من هذه الجريمة، اكتملت التحقيقات بشأنها وانتهت جلسات المحاكمة الطويلة. وصدر أخيراً حكم القاضي بسجن المجرم لمدة أربعين سنة. وكان الحكم غير مرتبط بقانون الإرهاب الكندي. أي أن المحكمة رأت أن هذا العمل لم يكن عملاً إرهابياً. والسبب بذلك يعود إلى أن تعريف الفعل الإرهابي حسب القانون الكندي يقتضي أن يكون مرتبطاً بجماعة إرهابية. وبما أن المجرم قام بجريمته وحده، فلم يثبت لدى القضاء ارتباطه بجماعة إرهابية منظمة. وبالتالي فإن تعريف العمل الإرهابي لا ينطبق عليه. وهكذا تمت محاكمته على ست جرائم قتل من الدرجة الأولى. وصدر الحكم عليه بالسجن أربعين عاماً. وبناءً على عمر المتهم أثناء قيامه بالجريمة، فإن هذا يعني خروجه من السجن وهو في عمر التاسعة والستين تقريباً. وعدّ الرأي العام هذا الحكم صادماً ومخففاً. لاسيما وأن المجرم قد قرر استئنافه، مما يعني أنه قد يتم تخفيفه أكثر من ذلك في المستقبل.

إن قناعة القاضي في مثل هذه القضية ليست ذات أهمية حاسمة. ذلك لأن قانون الجريمة الكندي يقيده عندما وضع تعريفاً محدداً للعمل الإرهابي يشترط ارتباط المجرم بجماعة إرهابية. هذا يعني أن جميع الأعمال الفردية التي تشبه ما قام به الكساندر بيسونيت في كندا، وكذلك برنت ترانت في نيوزيلندا، حسب قوانين أغلب الدول الأوروبية لا ينطبق عليها الفعل الإرهابي. أما الجرائم التي يرتكبها مسلمون منتمون لمنظمات إرهابية مثل داعش والقاعدة فإنها، بسبب انطلاقها من جماعة إرهابية منظمة، ينطبق عليها تعريف الإرهاب تماماً. وبسبب جهل الكثيرين بهذا التعريف القانوني المعتمد للإرهاب يندلع غالباً الجدل الكبير كلما وقع عملٌ إرهابي ما. ويراقب الناس القنوات الإعلامية باهتمام لمعرفة التصنيف الذي سوف تطلقه على الجريمة في الأخبار. وعلى ذلك الأساس يتم محاكمة القناة الإعلامية بحدة كبيرة أحياناً حسب انحيازاتها وأجندتها المفترضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قوانين الإرهاب في العالم الغربي خصوصاً في حاجة ماسّة للتعديل. وخاصة ما يتعلق بتعريف العمل الإرهابي. وذلك لأن الظروف التي وضعت فيها هذه القوانين وتم التصويت عليها اختلفت كثيراً. إن الانتشار الهائل لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مكّن الكندي ألكساندر بيسونيت من أن يكون مصدر إلهام كبير للاسترالي لبرنت ترانت، رغم المحيط الشاسع الذي يفصل بين الدولتين. هذا الفضاء الافتراضي الذي تنتشر فيه ايديولوجيات الكراهية والتطرف هو بحد ذاته (منظمة إرهابية) مفتوحة المصدر Open-source  على حد تعبير خبراء البرمجيات. صحيحٌ أن ليس لها قائد وهيكل ونظام مؤسس، ولكنها تقوم بالمهمة نفسها، وبشكل أكثر تأثيراً وتدميراً من المنظمات الإرهابية التقليدية على الأرض.  

إضافة إلى ذلك، فإن أغلب الإرهابيين المسلمين الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية، مثل سائقي الشاحنات في نيس وتورنتو وبرلين لا ينتمون حقيقة لمنظمات إرهابية. ولكن الإرهابي المسلم يفضّل أحياناً أن ينسب جريمته إلى منظمة إرهابية ما لتعظيم شأنه وتعميق دوره. وإلا فهو في آخر المطاف يقوم بمهمته لنفس الدواعي السيكولوجية والآيديولوجية التي قام بها الإرهابي غير المسلم. إنها فردانية الإرهابي غير المسلم مقابل جمعيّة الإرهابي المسلم التي غابت عن ذهن المشرعين الذين وضعوا قوانين الإرهاب وتعريفاته. وإذا استمر هذا التفريق غير المنطقي في تعريف الإرهاب، فإن هذا يمنح فرصة لانتشار إرهاب الذئاب المنفردة. وفرصة لإسباغ الدور البطولي والنضالي الموهوم لدى هؤلاء الذئاب.

باختصار، لو أن ألكساندر بيسونيت حوكم حسب قوانين الإرهاب للبث في السجن إلى نهاية حياته. ولكن بسبب التعريف غير الملائم لظروف الجريمة سوف يخرج في السبعين من عمره. ولربما كان قادراً على ارتكاب جريمة أخرى أو، على أقل تقدير، أن يلهم غيره بارتكابها كما فعل ببرنت ترانت. وهذه الاحتمالية الخطيرة قد تتضاءل في حال أعيد تعريف الإرهاب. إعادة تعريف الفعل الإرهابي تضمن أيضاً محاكمة عادلة للمحرضين العشوائيين المنتشرين على شبكة الإنترنت مثلاً. فلا فرق بين خطاب كراهية يمارسه شخص ما بانتظام على الإنترنت وبين (مانفيستو) رسمي صادر عن جماعة إرهابية مثل داعش أو القاعدة أو حزب الله، ما دام أن كليهما سيؤديان نفس المهمة التحريضية التي تزهق فيها الأرواح.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء