Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يجازف بوريس جونسون بخسارة سلاحه السري؟

خلافاً للأوضاع التي كانت سائدة خلال عقود مضت، يبدو أن النواب المحافظين قد أدمنوا التآمر والاقتتال الداخلي، ما قد يكلف رئيس الوزراء غالياً

الولاء هو "السلاح السري" للمحافظين لكن ذلك على المحك اليوم في ظل زعامة جونسون (أ ب) 

يجدر الإصغاء جيداً للسير غراهام بريدي، رئيس "لجنة 1922"، وممثل (إلى حد ما) للنواب المحافظين (في البرلمان)، خصوصاً إذا شاءت الصدف أن تكون الزعيم الحالي لحزب المحافظين. فقد انتهت قبل الأوان، مهمة أكثر من رئيس وزراء ممن سبقوا بوريس جونسون في المنصب، حين فقدوا ثقة "لجنة 1922". بيد أن جونسون يبدو مغروراً إلى درجة لا يأبه معها بالأمر. وقد يكون ذلك هو خطأه الأكبر حتى الآن.

تنقل "لجنة 1922" في الأوقات العادية مخاوف النواب المحافظين للوزراء بتكتم، وما تُبلغه إياهم يُؤخذ عادة على محمل الجد. لذلك، فإن لجوء السير غراهام إلى التحدث علناً عن قضايا تهم النواب (المحافظين)، يدل على مدى سوء العلاقات بين جونسون ونواب حزبه.

في الواقع إن السير غراهام لم يخف مشاعره، بل اعتبر أن الحكومة "تحكم بمرسوم" في أزمة كوفيد، وهي صيغة أخرى للقول إن الحكومة تتجاهل النواب، وإنهم غاضبون لهذا السبب.

لكن من المقرر أن يصوت مجلس العموم الأسبوع المقبل على "قاعدة الستة" (التجمعات التي تضم أكثر من ستة أشخاص غير قانونية)، والقيود الأخرى ذات الصلة بكوفيد المفروضة على حياة الناس العادية، وثمة تهديدات بتمرد نواب محافظين. وربما لن تستطيع الحكومة أن تفوز في هذا التصويت من دون دعم نواب حزب العمال المعارض، ما ينطوي على نوع من الإذلال للحزب الحاكم الذي من المفروض أنه يتوفر على أغلبية برلمانية ساحقة، تبلغ 87 مقعداً.

والنواب المحافظون مستاؤون أيضاً بسبب الطريقة التي يجري التعامل بها مع قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الإعلان المفتوح الأخير بأن المملكة المتحدة مستعدة لخرق القانون الدولي. وفي أعقاب هذا الإعلان، اضطرت القيادة إلى تقديم تنازلات متسرعة لتفادي الهزيمة حول "مشروع قانون السوق الداخلية" الذي طرح فكرة تجاوز اتفاق الانسحاب الذي أبرمته المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي. وقد يتعين عليها أن تقدم مزيداً من التنازلات عندما يصل مشروع القانون إلى مجلس اللوردات الذي يحظى فيه جونسون بقدر أقل من الإعجاب مما يلقاه في مجلس العموم.

قيل ذات مرة، على نحو له ما يبرره، إن الولاء هو "السلاح السري" للمحافظين. ونادراً ما عانت حكومات المحافظين في خمسينيات القرن الماضي من معارضة علنية من جانب نوابها، كما لم تخسر يوماً التصويت في مجلس العموم. بيد أن تلك الأيام تبدو موغلة في القدم حالياً، فالمحافظون الحاليون صاروا معروفين بتذوقهم للحروب الداخلية الفئوية، الأمر الذي يجعل حجم الأغلبية التي تتمتع بها الحكومة نظرياً أمراً عديم القيمة تقريباً،

هكذا تبدو حكومة جونسون حيث إنها نادراً ما تكون أكثر تحكماً في الأحداث من النظام الذي قادته تيريزا ماي والذي عانى من الضعف وانعدام الاستقرار.

يبدو النواب المحافظون على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية، وكأنهم قد أدمنوا التآمر والاقتتال الداخلي. ولعل الانقسام الذي شهده الحزب على مدى عقود من الزمن بشأن أوروبا، قد أعطى الاعتبارات الشخصية الأولوية على ضرورات الطاعة الحزبية، وغدا التحدي يحظى بنوع من القداسة التي تضعه في مصاف الشهادة، كما صارت عادات كهذه متأصلة في الحزب.

وفعلاً، بعض من يحشدون حالياً المعارضة لقاعدة الستة، هم أنفسهم من المشككين بشدة بأوروبا، والذين يصعب ضبطهم، ممن تسببوا بكثير من المتاعب لديفيد كاميرون ولتيريزا ماي حين كانا على رأس الحزب، ويستغل هؤلاء حالياً مهاراتهم  المتعلقة بنصب الكمائن في المعارك التي يخوضونها حول كوفيد.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن عدم الولاء تترتب عنه عقوبة بسيطة. وقد لاحظ النواب الطموحون أن بوريس جونسون قد استفاد من عدم ولائه لكل زعيم خدم في ظل قيادته، منذ مايكل هاورد. ولنداءات جونسون بغية رص الصفوف ووضع حد "للشقاق البائس حول أوروبا" وقع ساخر للغاية، نظراً لسلوكه خلال فترة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي. ولو فعل جونسون ما فعله في الخريف الماضي، وطرد من الحزب أولئك الذين يرفضون الانصياع للخط الرسمي، لخلق حزباً صغيراً جديداً يبقى خارجاً عن سيطرة أولئك المعنيين بإدارة الشؤون الحزبية وتنظيمها. وهذه المرة، لن تكون هناك انتخابات عامة تتيح له التخلص من أعدائه. وستكون هناك أسباب مختلفة لدى النواب الآخرين كي يوجهوا صفعات للحكومة.

وبعد عقد من الزمن على وصول المحافظين إلى السلطة، ثمة عدد ممن أسماهم رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور مرة "المحرومين والذين لم يملكوا شيئاً أبداً" من المحافظين الموزعين على المقاعد الخضراء في مجلس العموم خلف جونسون، من وزراء سابقين أُقيلوا من وظائفهم، ونواب يبالغون في تقدير مواهبهم، ويشعرون بالمرارة لأنهم تعرضوا للتجاهل ولم تجر ترقيتهم  إلى مستوى الوزراء.

كما أن هناك نواباً آخرين غير قليلين يفضلون الاحتفاظ بولائهم، لكنهم غير مرتاحين نهائياً للاتجاه الذي تمضي فيه الحكومة، ولعدم كفاءتها ورفضها للإصغاء إلى نوابها. والظاهر أن نواباً محافظين أنشأوا مجموعة يتبادلون بواسطتها الرسائل على تطبيق "واتساب" أطلقوا عليها اسم "ما الذي يجري بحق الجحيم" (What the f*** is going on?)

إن الطريقة التي يتعاطى بها جونسون مع نوابه مثيرة للفضول. ففي اجتماع أخير سادته الفوضى وعُقد عبر تطبيق "زوم"، أخفق في إضفاء سحره المفترض على الجلسة، وتصرف بكل تأكيد كمن يعتقد أن معظم زملائه من أعضاء البرلمان يستحقون الاحتقار، حتى ولو لم يحمل هذا الرأي فعلاً. وهو نادراً ما يذهب إلى غرف الشاي في البرلمان التي يتردد عليها النواب، فيما يفيد احتجاج السير غراهام العلني بأن رئيس الوزراء لايرى فائدة تذكر من الاستماع إلى نصائح النواب، ناهيك عن تنفيذها.

وقد كتب دومينيك كامينغز، كبير مستشاري جونسون في مدونته سابقاً أشياء عن افتقار النائب المحافظ العادي للذكاء وعدم تعاطفه مع الفقراء. إلا أن احتقاراً من هذا النوع العلني خطير فعلاً، لاسيما لم تعد تُعتبر الفائز الذي كنته. هكذا" حين تواصل ضرب الكلب لاتدهش إذا هجم عليك وعضك"، على حد تعبير أحد أتباع جونسون المستائين مما آلت إليه الأمور.  

كما أن حجم أغلبية جونسون يمثل أيضاً عقبة أمام كسب تأييد نوابه بالإجماع. فالفوز الانتخابي الساحق يجعل من السهل على النواب أن يتمردوا ويعربوا عن استعدادهم للدفاع عن مصالح أبناء دوائرهم الانتخابية، وهم يعلمون حق العلم أن الحكومة لن تخسر التصويت على الأغلب جراء وقوفهم هذا الموقف الحسن. إلا أن التمرد والدوران للمضي في الوجهة المعاكسة، لا تعتبران نتيجتين حتميتين عادة للأغلبية القوية. ونظراً لوجودهما فعلاً حالياً، فإن الحكومة ورئيس الوزراء في ورطة حقيقية.

والقضية الرئيسة حالياً تتمثل في الكفاءة، وخصوصاً قدرة جونسون على قيادة البلاد في السنوات الأربع المقبلة، ومن ثم الفوز بولاية جديدة تعيد نواب حزب المحافظين إلى مقاعدهم.

صحيح أن الوقت لايزال مبكراً للغاية للحديث عن ذلك الاستحقاق الانتخابي، غير أن مدى تراجع مكانة جونسون وسرعة هذا التراجع، تركزان العقول على الانتخابات المقبلة وتحملانها على التفكير بما سيجري.

الواقع أن أسهم جونسون بين الناخبين عموماً قد هبطت، لأسباب منها وصول كير ستارمر إلى زعامة حزب العمال المعارض، كما أن تفوق المحافظين على العمال من حيث الشعبية قد تبخر. وبعدما غاب جيرمي كوربين، الذي كان يوفر له خلفية يسهل استغلالها لتأجيج التصفيق من جانب أنصاره في مجلس العموم، بدا جونسون على حقيقته كسياسي سيء الأداء في البرلمان. وتوضح الشائعة الحالية أنه يجد صعوبة في تأمين متطلباته الحياتية اعتماداً على راتبه الذي يبلغ 150 ألف جنيه في السنة، كم هو بعيد عن الواقع الذي يعيشه شعب يواجه الآن جائحة ومشكلة بطالة واسعة في وقت واحد. وأن سلسلة من التراجعات المتعاقبة في الاتجاه المعاكس والسياسات الفاشلة قد ألحقت الأذى بالثقة التي كان يتمتع بها.

ثمة إحساس متعاظم بأن الحكومة تفقد سيطرتها على الأمور، وأن القدر المتبقي لها من التماسك يعود إلى تأثير كامينغز، وهو الشخص المكروه على نطاق واسع بين النواب المحافظين الذين لايثقون به. وقد سعى كثيرون منهم لطرده بسبب خرقه قواعد الإغلاق في الربيع، وهم لايزالون يرغبون برحيله. بيد أن التخلص منه قد يعني إخماد حرارة جونسون، الذي يتشبث بعناد بمستشاره الذي يبدو كمشعوذ لا فكاك له منه. وبغض النظر عن قبول النواب لهذا الواقع من عدمه، فهم لايدركون كيف قُيض لهذا الشخص غير المنتخب الذي لا ينتمي حتى للحزب الحاكم، أن يتمتع بهذه السطوة على رئيس الوزراء، ولماذا يؤثر في جونسون أكثر من جميع نواب الحزب العاديين ممن لا يحتلون مناصب حكومية؟

ومع ذلك، سيكون من مصلحة السير غراهام وزملائه البرلمانيين تقدير ميزان القوى المتبدل داخل الحزب بصورة دقيقة. ففيما يخسر جونسون تأييد بعض النواب، لايزال كثيرون في القواعد الحزبية يحبونه حباً جماً، ومن غير الواضح كيف ستستجيب هذه القواعد إذا كانت هناك محاولة لإطاحته في الحالات القصوى من خلال التصويت على سحب الثقة منه، أو من طريق أساليب متقنة أخرى.

ففي نهاية المطاف، استطاع بفضل الدعم الذي لقيه من أعضاء الحزب وقواعده أن يحقق فوزاً مقنعاً على جيرمي هانت منافسه على الزعامة العام الماضي. مع هذا، فإن تصنيف رضى ناشطي الحزب عن جونسون قد تراجع على نحو مقلق في الأشهر الأخيرة. ففي أعقاب فوزه الانتخابي الساحق في ديسمبر ( كانون الثاني) الماضي، حظي جونسون بتأييد واسع بين أعضاء الحزب بلغ +92.5، غير أن التأييد الذي يتمتع به حالياً وصل إلى + 24.6، وهو أقل بكثير مما ناله ريشي سوناك وزير المالية، على سبيل المثال.

وإذا كان جونسون سيأخذ بعين الاعتبار آراء نواب حزبه في الأسابيع المقبلة، الحبلى بالتحديات، فإن ذلك سيحدد طبيعة ولايته كرئيس للوزراء. فإن استطاع أن يشحذ طاقاته ويُبرز مواهبه الانتخابية فسيبقى على سدة الزعامة. إن خروجاً ناجحاً منظماً من الاتحاد الأوروبي، وإدارة أفضل لأزمة كوفيد علاوة على إجراء تعديل وزاري يجدد شباب الحكومة، من شأنها كلها معاً أن تعيد لجونسون بعضاً من هيبته الضائعة. لكن إمكانية حدوث هذه التطورات ضئيلة، إلى جانب سجله في الحكم.

© The Independent

المزيد من آراء