هل يُكتب لها النجاح؟
تسعى أحدث مخططات الإغلاق الجزئي إلى إقامة توازن دقيق بين الضرورات التي تفرضها الصحة العامة، والعناية بالحالات المرضية لغير المصابين بكوفيد داخل هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS، والاقتصاد وحريات الأفراد وحياتهم الاجتماعية فيما يواجهون احتمال قضاء ستة أشهر إضافية شبه معزولين عن أصدقائهم وعائلاتهم. ويبدو ضرباً من القسوة نوعاً ما، أن نشير إلى أن الفترة التي تمتد خلالها هذه القيود المتجددة تغطي فترة عيد الميلاد والاحتفال الاسكتلندي برأس السنة "هوغماناي"، وربما حتى عيد الفصح للعام 2021. والأهم أنها تغطي الموعد النهائي للفترة الانتقالية لبريكست، وهي كارثة اقتصادية ثانية نراها مقبلة علينا بكل وضوح، ولكن ما يمكن أن يُجنبنا إياها هو اتصال هاتفي واحد تجريه رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت مع بروكسيل.
سوف تكون فترة أصعب من الإغلاق الذي فُرض في فصل الربيع، مع أن المدارس والمتاجر والحانات والمطاعم ستفتح أبوابها، أقله لبعض الوقت. وتتشابه الإجراءات المفروضة في دول المملكة المتحدة الأربع إجمالاً، مع أنها أقسى في اسكتلندا، ومن المفترض أن تكون الرسائل هذه المرة أوضح من تلك التي أُذيعت خلال الأسابيع الماضية. وسوف تُفرض كذلك حالات إغلاق محلية خلال ما يسميه بوريس جونسون نقطة تحول أساسية. لكن يُمنع على الجمهور حضور المباريات الرياضية، وكانت عودة الجماهير متوقعة ابتداءً من شهر أوكتوبر (تشرين الأول)، كما أن المسارح ستظل مغلقة.
والنقطة الأساسية هنا هي، هل يتحمل الشعب هذا الإجراء؟ وإن تحمله، فإلى متى؟ لا شك أبداً أن ثقة الرأي العام في تعاطي الحكومة مع الأزمة تضعف، وهو ما ينطبق كذلك على (عدم) تعاطفه مع تجديد فرض القيود. وفيما شهدت فترة الإغلاق الأولى التزاماً كبيراً، لأن قلة من الناس توقعت وصول هذه الجائحة بهذا الشكل وفي هذا الوقت، ولأن الناس افترضوا حسن نية الوزراء، يسود حالياً شعور أكبر بكثير من الإحباط والتبرم من تغيير الحكومة مخططاتها ونكثها وعودها ونشرها رسائل متضاربة وفشلها الذريع في توفير نظام فحص وتقص قابل للتطبيق. ويطرح الناس تساؤلات محقة عن سبب غياب هكذا نظام في المملكة المتحدة بعد ستة أشهر من المحاولات، فيما بلغت الدول الأخرى مراحل أكثر تقدماً. وفي هذا الإطار، تصرف السيد جونسون بحكمة حين تفادى التكلم بتفاخر وتباه بشأن العمليات "الخارقة" والتطبيقات الرائدة عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد يسأل الرأي العام كذلك ما الفائدة من برنامج "كل خارجاً لتساعد" Eat Out to Help Out فيما قطاع التسلية والترفيه يواجه احتمال شبه الإغلاق مجدداً. وإلى ذلك، لماذا قيل لنا إنه علينا التوقف عن العمل من المنزل قبل أن يقال لنا بعدها بأسابيع قليلة فقط إنه علينا استئناف العمل من المنزل؟ صحيح أن الظروف قد تتغير بسرعة ما يفرض بالتالي أن تتغير الاستجابة الرسمية لها لكن النقطة التي تطرح نفسها هنا، هي سواء أدى تخفيف القيود إلى زيادة معدلات الإصابة وإلى إرغام الحكومة على كبح مسارها أم لا. يبدو أن اللوم يقع على انعدام الكفاءة وسوء التقدير وليس على سوء الحظ.
إن حالفنا الحظ، سيوجه الشعب استياءه وإحباطه وغضبه باتجاه الإدارة عديمة الكفاءة وليس باتجاه تحدي القوانين الجديدة، وهو ما سيخلف نتيجة عكسية ويؤدي إلى خسائر في الأرواح وإلى فرض قيود إغلاق أقسى بعد. ومع ذلك، بعد ما حصل في قضية (دومينيك) كامينغز (كبير مستشاري رئيس الحكومة الذي خرق الحظر والعزلة) وازدياد الشعور بالإنهاك، لن تُطاع الأوامر على الأرجح بالدرجة التي شهدناها في الربيع. وكل الكلام عن القوانين الجديدة القاسية والغرامات الباهظة وقمع الشرطة والتجسس وحتى تدخل الجيش هو كلام سخيف، لأنه لا يمكن للشرطة القيام بعملها سوى بموافقة الشعب. يغالي السيد جونسون في ما يتطلبه من شعب لا يكن له ولا لفريقه كبير الاحترام. وبعبارات أخرى، هو يسعى إلى إثارة المشاكل.
سوف يتطلب قطاع الأعمال والوظائف بعض الدعم من جديد، لكن خلافاً لما حصل في الربيع، لا يظهر أي مؤشر على أن الخزانة ستبسط يدها. فمخطط التسريح المؤقت، وهو التزام ضخم ومناسب، سينتهي قريباً، لكن الاقتصاد بعيد كل البعد عن العودة إلى طبيعته، وفي الحقيقة، سيؤدي تقليص مدة عمل الحانات والمطاعم ساعة واحدة إلى تخفيض عائداتها إلى النصف، فيما ستخسر نوادي البطولات غير الممتازة لكرة القدم ولعبة الرغبي Rugby والكريكت 80 في المئة من العائدات التي تجنيها من مبيعات التذاكر عادة. والضرر الذي سيلحق بالاقتصاد سيكون حقيقياً جداً، وهناك مبرر كبير للعمل لسد الفجوة المالية وتوزيع الإعانات إلى أن يصل اللقاح. يُفترض أن يعود الاقتصاد إلى وضعه شبه الطبيعي خلال سنة واحدة، إن توفر اللقاح في الموعد المطروح حالياً. وإن لم يُطبق نظام "التسريح المؤقت بنسخته الثانية" Furlough 2.0 سوف يعاني الاقتصاد من هبوط حر، ويستوجب إجراء عملية إنقاذ أصعب وذات كلفة أعلى لاحقاً. وفي كلتا الحالتين، سوف تتلقى المالية العامة ضربات قاسية جداً.
إن الوقت غير مؤات الآن من أجل التخطيط لبريكست قاس. نظراً لحلول هذه الموجة الثانية، على الحكومة الآن إرجاء الموعد النهائي للفترة الانتقالية لمدة عام. ليس الاقتصاد البريطاني قوياً لدرجة تسمح له أن يتحمل إغلاقاً ثانياً بسبب كوفيد، حتى وإن كان جزئياً، يُضاف إليه بريكست فوضوي بما يجلبه معه من تعريفات جزائية وقطع لسلاسل التوريد. لكن خلافاً لكوفيد، يمكن تفادي بريكست القاسي أو تأجيله، إذا توفرت الجسارة السياسية. وإن كان السيد جونسون عاجزاً عن إيجاد هذه الجسارة الآن، وإن وضع البلاد في مرمى هذه الضربة الاقتصادية الثنائية، فهو لا يستحق النجاة من هكذا خيانة لوطنه.
© The Independent