Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال فناني أوروبا تتجاوز حصارها داخل المتاحف المصرية المغلقة

مختارات من الفن الأوروبي" معرض في القاهرة لرسامين أوروبيين من حقبات عدة

متحف محمد محمود خليل في القاهرة مقفلا بعد تعرضه للسرقة (موقع المتحف)

في عام 1903 اقتنى السياسي والثري المصري محمد محمود خليل لوحة للفنان الفرنسي الشهير أوغست رينوار من أحد غاليرياهات باريس. اقتنى خليل هذه اللوحة لقاء مبلغ قدره 400 جنيه مصري فقط. كان ثمن اللوحة مرتفعاً حينها بالقياس إلى أسعار الأعمال الفنية وقيمة العملة المصرية وقتها، لكنه إذا ما قُورن بالأسعار المُعلنة لأعمال الفنان الفرنسي الشهير حالياً سيُعد مبلغاً زهيداً للغاية. ففي العام الماضي تخطى تقييم إحدى لوحات رينوار الشهيرة، وهي لوحة "حفل راقص في مولان" المعروضة في متحف أورساي في باريس مبلغ 200 مليون دولار، وهي لوحة ذات حجم كبير رسمها رينوار في سبعينيات القرن الماضي. أما اللوحة المشار إليها، والتي اشتراها الثري المصري، فهي لوحة ذات حجم متوسط، مرسومة بالألوان الزيتية على القماش، لكنها لا تقل قيمة بأي حال عن أعمال رينوار المميزة، وتمثل سيدة شابة ترتدي رابطة عنق من التِل الأبيض يشوب وجهها الحُمرة. هذه اللوحة التي اقتناها محمد محمود خليل مثَّلت فيما بعد نواة لمجموعته الفنية الكبيرة التي جمعها من أنحاء أوروبا وتركها بعد رحيله، وتضم لوحات مهمة لكبار الفنانين الغربيين، هذا خلافاً للتحف والتماثيل وأنواع السجاد والفازات النادرة والثمينة.

هذه المجموعة الفنية المميزة التي قام الثري المصري بجمعها خلال النصف الأول من القرن الماضي يضمها اليوم متحفه المُطل على نيل القاهرة، وهو بناية أنيقة مشيدة على الطراز الفرنسي ومكونة من ثلاثة طوابق. ويُعد هذا المتحف واحداً من أهم المتاحف الفنية في مصر، نظراً للثروة الكبيرة من الأعمال الفنية التي يضمها، فهو يحوي عشرات الأعمال للعديد من فناني القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في أوروبا، بينها أعمال مهمة لأدوار مانيه وأوغست رينوار وسيزان وفان غوخ وغوغان وأوغست رودان، وغيرهم من رموز الفن الغربي الحديث. وتمثل هذه الأعمال نماذج لأغلب الاتجاهات الفنية التي ظهرت خلال القرن التاسع عشر، وحتى بدايات القرن العشرين. بين مقتنيات المتحف مثلاً توجد لوحة "الحياة والموت" لغوغان، وهي لوحة ذات شهرة واسعة، كما يضم المتحف كذلك مجموعة كبيرة من التماثيل واللوحات الاستشراقية والكلاسيكية المهمة.

محاولات سطو

ومنذ تأسيسه تعرَّض متحف محمود خليل لعدد من محاولات السطو على مقتنياته، تعلق أبرزها بإحدى لوحات فان غوخ الشهيرة، وهي لوحة "زهور الخشخاش" التي جرت أكثر من محاولة لسرقتها، ففي منتصف الثمانينيات اختفت اللوحة من المتحف ليُعثر عليها بعد أشهر في ملابسات مثيرة. ورغم عودة اللوحة للمتحف مرة أخرى فقد شكك البعض في أصالتها، زاعمين أنها استبدلت بها نسخة مطابقة أثناء إعارتها للعرض في الخارج. غير أن هذا الادعاء قد تم دحضه فيما بعد بإخضاع اللوحة لعدد من الفحوص الدقيقة أثناء مشاركتها في أحد المعارض بالعاصمة الفرنسية، لتثبت بالدليل القاطع أصالة العمل. غير أن العمل نفسه تعرض مرة أخرى للسرقة في عام 2010؛ أي بعد هذه الحادثة بثلاثين عاماً، ففي صبيحة أحد أيام شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2010 اكتشف أمناء المتحف عند تفقدهم مقتنياته اختفاء لوحة "زهرة الخشخاش" التي كان يتخطى ثمنها التقديري حينها 50 مليون دولار، وعلى خلفية الضجة الإعلامية التي أثيرت حول هذا الأمر تمت إقالة مسؤولين في وزارة الثقافة، وحوكم عاملون وموظفون بتهمة الإهمال.

وعلى الرغم من هذه الضجة التي أثيرت حينها وعمليات البحث والتحقيق لم تظهر اللوحة المختفية حتى اللحظة، لتظل لُغزاً محيراً ومثيراً للتكهنات والاستنتاجات. وفي أعقاب هذه الحادثة اضطرت وزارة الثقافة المصرية إلى إغلاق المتحف نهائياً بحجة التطوير، وهو لا يزال مغلقاً حتى اليوم أمام الزائرين، رغم هذه الثروة الفنية الكبيرة والمهمة التي يضمها.

بعض مقتنيات هذا المتحف بما فيها لوحة رينوار المعروفة بـ"ذات رابطة العنق من التِل الأبيض" يمكن رؤيتها حالياً ضمن مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الغربية المعروضة في مجمع الفنون بضاحية الزمالك في القاهرة تحت عنوان "مختارات من الفن الأوروبي". ويستمر هذا المعرض حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ويضم أكثر من مئة قطعة فنية تمثل نماذج من مقتنيات بعض المتاحف المصرية الأخرى إلى جانب مقتنيات متحف محمد محمود خليل. ويُعد المعرض بالفعل فرصة استثنائية لرؤية هذه الأعمال قبل أن تتوارى مرة أخرى داخل ظلمة المتاحف، والتي تُعاني غالباً الإهمال وضعف الترويج لما تحتويه من كنوز فنية، هذا خلافاً للإغلاق المستمر وغير المبرر لبعضها، كما في حالة متحف محمد محمود خليل، وكذلك متحف الجزيرة الذي يضم أيضاً عشرات من الأعمال الفنية النادرة لفناني الحداثة الأوروبية.

المزيد من ثقافة