حاولت إيران في السنوات السابقة منع انخفاض قيمة عملتها المحلية، عن طريق ضخ النقد الأجنبي في السوق، وباعتراف عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني، فقد جرى ضخ 280 مليار دولار من النقد الأجنبي في السوق على مدار الـ15 عاماً الماضية، مما يعني أنه ضُخ 18 مليار دولار من النقد الأجنبي سنوياً للسيطرة على السوق، ورغم ذلك فشلت محاولات المركزي في وقف نزيف العملة المحلية للبلاد، في وقت أفلست فيه الحكومة من النقد الأجنبي لضخه في السوق.
وتعاني طهران تضخماً يزيد على 30 في المئة سنوياً، مقارنة بمعدل التضخم بالولايات المتحدة، الذي سجل 1.3 في المئة للأشهر الـ12 المنتهية في أغسطس (آب) 2020 حسب موقع حساب التضخم الأميركي، وبالنظر إلى العوامل الأخرى المرتبطة بمعدلات تفشي جائحة كورونا، التي تجاوزت، حسب إحصاءات وورلد ميترز، 432 ألف إصابة بالوباء، وكذلك تداعيات العقوبات الأميركية المفروضة على القطاعات الحيوية في البلاد، على رأسها النفط والبتروكيماويات، يجب أن تنخفض قيمة العملة الإيرانية 27 في المئة سنوياً مقارنة بالدولار الأميركي.
80 في المئة خسارة في العملة الإيرانية
وقال محمد رمضان، محلل الشؤون الإيرانية لـ"اندبندنت عربية"، "الحكومة الإيرانية تسعى لإبراز نفسها قوة سياسية ضد أميركا، وهذا يأتي على حساب خسائر اقتصادية كبيرة"، وأضاف "إيران دولة معادية الولايات المتحدة، ولا تأتمر بالأوامر الأميركية، لذلك نرى أن وضعها الاقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ، والهبوط الحاصل في العملة الإيرانية أكبر دليل على ذلك".
وتابع، "منذ توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة عام 2015 وخروج أميركا من الاتفاق في 2018 خسرت العملة الإيرانية أكثر من 80 في المئة من قيمتها، ومنذ يونيو (حزيران) الماضي حتى يومنا هذا خسر الريال أكثر من 30 في المئة من قيمته. بالتالي العملة في هبوط مستمر مرتبط بالهبوط الحاصل في أسعار النفط العالمية، فكلما تراجعت أسعار النفط هبطت العملة الإيرانية أكثر فأكثر".
واستكمل رمضان، "الحكومة الإيرانية لن تكون قادرة على الدفاع عن عملة البلاد، والنتيجة تضخم داخلي ومشكلات هائلة في الاقتصاد، الذي يواجه اليوم وضعاً سيئاً رغم التصريحات الوهمية للقادة الإيرانيين". واختتم "الوضع الاقتصادي في إيران سيئ، وما يهم قادة البلاد فقط تحقيق المكاسب السياسية".
التضخم السنوي وصدمة سعر الصرف
وعانت إيران صدمة ضخمة في أسعار الصرف، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار وحجم أكبر صادراتها، وهو النفط. وقال باتريك كلاوسون، زميل مورنينغستار ومدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لصحيفة ميديا لاين، "الريال يجب أن ينخفض أكثر".
وإضافة إلى التضخم السنوي، تعاني إيران ركوداً متعدد السنوات، وهو وضع وصفه الاقتصاديون بالركود التضخمي. وقال سيث فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، لصحيفة ميديا لاين، "ضعف العملة الإيرانية مرتبط بضغط العقوبات الأميركية، ومن المرجح أن يؤدي إلى انخفاض صادرات النفط وعوامل أخرى"، ويضيف أنه "مرتبط بالضغط الأميركي على النظام السوري من خلال قانون قيصر".
وجرى تمرير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، ليصبح جزءاً من قانون تفويض الدفاع الوطني، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات اعتباراً من الـ17 من يونيو (حزيران) ضد نظام الأسد، لارتكابه جرائم حرب ضد السكان السوريين.
وفي الثامن من مايو (أيار) 2018، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وفي الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، أعادت إدارة ترمب جميع العقوبات الأميركية التي أزيلت بموجب الاتفاق النووي الإيراني.
وقال سعيد قاسمي نجاد، كبير مستشاري إيران والاقتصاد المالي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، لـ"ميديا لاين"، "سوق الصرف الأجنبية تمر بعملية تصحيح. تتولى أساسيات السوق السيطرة على الرغم من قدرة طهران سابقاً على الحد من انخفاض قيمة الريال عن طريق زيادة العرض وخفض الطلب". وأضاف، "حركة الأسعار علامة على أن العقوبات حدت من وصول إيران إلى احتياطي العملة المتناقص والمقدر بأكثر من 70 مليار دولار".
جفاف صادرات النفط الإيرانية
وجفت صادرات النفط الإيرانية أيضاً بمتوسط قياسي منخفض بلغ 70 ألف برميل يومياً، إذ كان تصدير النفط المصدر الرئيس لتدفق العملة الصعبة إلى طهران. وتظهر أحدث البيانات أن إعادة العملة الناتجة عن الصادرات غير النفطية انخفضت بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية. بالتالي، فإن العملة الصعبة متوافرة الآن بشكل أقل. لذلك توجد مشكلة في جانب العرض، حسب قاسمي.
وأرجع عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي الإيراني، الانخفاض الكبير في العملة إلى جائحة كورونا، وقال إن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الـ19 من يونيو يدعو إيران إلى "وقف عرقلة الوصول إلى اثنين من المواقع النووية السابقة المشتبه بها".
استقرار في التجارة الخارجية
وكان همتي قد رفض في يناير (كانون الثاني) الماضي اتهامات التقاعس التي وجهت إلى المركزي الإيراني في ما يتعلق بالهبوط الكبير للريال وقال، في برنامج تلفزیوني حسب موقع إيران إنترناشيونال، "لقد تمكنا من تحقيق استقرار التجارة الخارجية، وصدرنا بـ31 ملياراً و900 ملیون دولار، في الأشهر الستة الأولى من العام، واستوردنا بـ31 ملياراً و800 ملیون، أي بفائض تجاري قدره 100 ملیون، وهذا شيء عظيم".
وأضاف رئيس البنك المركزي، "حتى الآن يقول جيراننا، وحتى الدول الصديقة، إننا في ورطة، وبنوك بلدنا لا تتعاون، لكن مع كل هذه المشكلات تمكنا من خلق هذا الفائض البالغ 100 ملیون دولار في الميزان التجاري، وهذا نصر عظيم".
ووعد همتي بخلق الاستقرار النسبي في سوق الصرف الأجنبية، والسيطرة على التضخم، وهي المهمة الرئيسة للبنك المركزي، من خلال عمليات السوق المفتوحة، كما وعد بجعل الاقتصاد قابلاً للتنبؤ، وهو ما أخفق المركزي في تحقيقه على امتداد ما يقارب تسعة أشهر.
وحسب ما ورد في تقرير لوكالة أنباء "إرنا" أمس الأربعاء. فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني، قال في اجتماع الحكومة، إن البلاد تعيش حالة "حرب اقتصادية" منذ عامين ونصف العام، ولا بد من تصديق أن العبء "يقع على عاتق الجميع".
ولا ينفك الرئيس الإيراني في الحديث في خطاباته، مراراً وتكراراً، عن تطور البلاد ونموها، رغم ظروف الحرب، ويعطي وعوداً للشعب لم يجرِ الوفاء بها، على الأقل حتى الآن.
المركزي الإيراني يواصل الضخ
ورصد موقع إيران إنترناشيونال، عن وسائل إعلام داخل البلاد، سعر شراء وبيع الدولار الأميركي خلال العام الحالي، إذ قال إنه تجاوز 25 ألف تومان في الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول)، إذ بلغ سعر الدولار الأميركي في طهران 25250 توماناً، في الثامن من الشهر ذاته.
لكن، سعر الدولار هذا ليس رقماً قياسياً جديداً، ففي الـ19 من يوليو (تموز) الماضي، ارتفع سعر الدولار في سوق الصرف الأجنبية بطهران إلى 26 ألف تومان بضع ساعات. وفي أواخر يوليو (تموز) الماضي، وأوائل أغسطس (آب) الماضي، بعد تقلبات حادة في أسعار العملات، ضخ البنك المركزي الإيراني نحو مليار دولار في سوق الصرف الأجنبية، وعاد سعر الدولار إلى 21 ألف تومان، لكنه استأنف اتجاهه التصاعدي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويأتي ضخ النقد الأجنبي في السوق، لمنع ارتفاع سعر الصرف، في حين أنه ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض احتياطي إيران من النقد الأجنبي في الداخل والخارج بمقدار 19 مليار دولار هذا العام، ويصل إلى 85 مليار دولار، وفي العام المقبل، سينخفض بنسبة 16 مليار دولار أخرى ليصل إلى 69 مليار دولار.
وإضافة إلى ضخ العملات الأجنبية في السوق، في أغسطس من هذا العام، أعلن مكتب المدعي العام في طهران حسب الموقع الإيراني، اعتقال 19 شخصاً، بسبب "الإخلال" في سوق الصرف الأجنبية.
ويعد اعتقال العاملين في سوق الصرف الأجنبية من قبل الأجهزة الأمنية والقضاء أجندة ثابتة للنظام الإيراني، للحد من أسعار العملات الصعبة، لكن هذا الأمر لم يكن مؤثراً حتى الآن.
إلى ذلك، كتب موقع "اقتصاد نيوز" في تقرير عن سوق طهران، في الثامن من سبتمبر أن جهود الحكومة لخفض الطلب في السوق باءت بالفشل، وأن الحكومة لا تملك "القدرة على المناورة للسيطرة على التقلبات".
ويأتي ارتفاع سعر الصرف في الوقت الذي أعلن فيه البنك المركزي الإيراني أن حجم التداول في الأسواق غير الرسمية "منخفض للغاية"، ويتراوح "بين خمسة وثمانية ملايين دولار".
وحسب وكالة "إيسنا"، شدد البيان في ذلك الوقت على أن المركزي يمر "بظروف صعبة من حرب اقتصادية"، ويوفر العملة "من خلال الجهاز المصرفي وشبكة مكاتب الصرافة المعتمدة".
لكن، التطورات الحالية في سوق الصرف الأجنبية بطهران تظهر أن تفسيرات البنك المركزي "لم تكن قادرة" على تلبية توقعات المتقدمين ونشطاء بيع وشراء العملات الأجنبية.