Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثورات البلدان المحكومة بثورات

ليس انفجار الرفض الشعبي في الجزائر والسودان سوى دليل على سقوط هيبة السلطة وخروج الناس من الخوف

عندما اندلعت ثورات "الربيع العربي"، فان القاسم المشترك بينها كان الاندفاع الشعبي الى الشارع، لا قيادات ولا أحزاب بل مجتمع استعاد صوته (رويترز)

ليس بالانتخابات وحدها، ولو كانت نزيهة، تتكرّس الشرعية. فكيف إذا كانت مزورة كما هي الحال في معظم بلداننا؟ وكيف إذا كان الحاكم يجمع كل السلطات في يده، ويسلّط على المؤسسات مافيا فاسدة؟ وأساس الشرعية هو الرضا الشعبي الذي يتجدد أو يتبدد من خلال امتحان يومي للسلطة في مواد خدمة الشعب وحماية الوطن وتطوير الاقتصاد والعناية الصحية والتعليم وتأمين فرص العمل للجيل الجديد.

وليس انفجار الرفض الشعبي في الجزائر والسودان سوى دليل على سقوط هيبة السلطة وخروج الناس من الخوف، وبالتالي اهتزاز شرعية النظام. والسؤال هو: ما الذي يجمع بين الحراك الشعبي في الجزائر والسودان في العام ٢٠١٩ وبين ثورات ما سمي "الربيع العربي" في العام ٢٠١١؟

هذا ما يجمع الثورات؟

ثلاثة أمور أساسية، أولها أن هذه الثورات أو الانتفاضات، باستثناء "ثورة الياسمين" في تونس التي كانت الشرارة الأولى، حدثت في البلدان التي شهدت ثورات ويحكمها رؤساء باسم تلك الثورات وبعضها كان انقلابات عسكرية، ولا سيما ثورة الضباط الأحرار في مصر، و"ثورة المليون شهيد" في الجزائر، و"ثورة الإنقاذ" في السودان، و"ثورة الفاتح" في ليبيا، وثورة البعث في سوريا، والثورة على الإمامة في اليمن.

"جملوكية"

وثانيها أن النظام الجمهوري الثوري تحوّل على أيدي الحكام الأقوياء إلى ما سماه الدكتور سعد الدين إبراهيم "جملوكية"، إذ إن السلطة مدى الحياة وأحياناً وراثية، حسني مبارك 30 سنة، ولولا الموت لكان عبد الناصر لا يزال رئيساً، ولولا الاغتيال لبقي السادات رئيساً. معمر القذافي 40 سنة، حافظ الأسد 30 سنة وبعده بشار الأسد منذ العام ٢٠٠٠، علي عبد الله صالح 34 سنة، عمر البشير 30 سنة، وعبد العزيز بو تفليقة 20 سنة.

حكم العسكر

والثالث أن هذه الأنظمة التي حكم معظمها العسكر باسم الأحزاب، وجاءت بها انقلابات عسكرية أو حراكات تديرها أحزاب، فشلت في بناء دولة حقيقية، وقلّدت النموذج السوفياتي في الشمولية القاسية والاشتراكية الفاشلة، وعجزت عن تقديم نوعية التعليم العالي والمستشفيات المتقدمة، إلى حدّ أن الرؤساء يذهبون إلى العلاج في سويسرا وفرنسا وأميركا وبريطانيا ولبنان.

أكثر من ذلك، فإن هذه الثورات التي قام بها ضباط من أبناء الريف أهملوا الريف بعدما صاروا في السلطة، وإن حققوا إصلاحاً زراعياً، لا بل إن الثورات كانت مجرد إقامة سلطة مكان سلطة من دون تغيير جذري في البنية الاجتماعية لجهة تمكين المرأة وتكريس المواطنة بدل القبلية والطائفية، وحده الرئيس الذي اتهمه "التقدميون" بأنه "رجعي" وهو الحبيب بورقيبة، أحدث ثورة اجتماعية وربط تحرير الوطن بالتحرر الاجتماعي.

ثورات "الربيع العربي"

وعندما اندلعت ثورات "الربيع العربي"، فإن القاسم بينها كان الاندفاع الشعبي إلى الشارع، لا قيادات ولا أحزاب بل مجتمع استعاد صوته وتحرّك تلبية لدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. شيء مما ينطبق عليه المبدأ الماركسي أي "التراكم الكمي البطيء يؤدي إلى تحوّل كيفي سريع"، وشيء من الحرص على التظاهر السلمي، لكن الناقص هو التحضير للخطوة التالية بعد أن يتحقق شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأنظمة والقمع

وما حدث هو أن الأنظمة لجأت إلى القمع والعنف للدفع في اتجاه "عسكرة الثورة" إذ إن السلاح الأقوى في هذا الميدان في يدها، وهو أيضاً تقدم التيارات الأصولية المتشددة إلى واجهة الأحداث، سواء من خلال "الإخوان المسلمين" أو من خلال إقامة "داعش" و"جبهة النصرة". ولم يكن ذلك خارج رعاية قوى محلية وإقليمية ودولية عملت على توظيف التطرف العنيف في خدمة أهدافها المتناقضة والملتقية على هدف واضح هو منع الشعوب من إقامة أنظمة ديموقراطية وطنية.

ولا كان التحريك الطائفي- الديني غائباً في انقلاب "أنصار الله" الحوثيين على الثورة الشعبية في اليمن، كما في إنشاء عشرات التنظيمات في سوريا والعراق وليبيا ومصر والتي تحمل أسماء دينية تدّعي أنها تقاتل دفاعاً عن الخالق الذي ليس في حاجة إليها.

"إغراء التوتاليتارية"

ثم كان التدخل الإقليمي والدولي وتقاطر "مجندين" من أوروبا والاتحاد الروسي والصين وباكستان وأفغانستان وبلدان عربية عدة. ففي سوريا تدخل عسكري روسي وأميركي وإيراني وتركي وعربي، وفي مصر وليبيا دعم تركي وقطري للإخوان المسلمين، وفي ليبيا تنافس فرنسي- إيطالي، وتنافس بين دول عربية.

وفي اليمن دعم عربي للشرعية ودعم إيراني للحوثيين، وفي كل بلد بعثة أممية تحاول إيجاد تسويات سياسية من دون نتائج، والكل يصح فيه قول الفيلسوف الفرنسي جان فرنسوا ريڤيد "وراء صعود الديكتاتوريات قوة دفع هي إغراء التوتاليتارية".

في عز الموجات القومية واليسارية كانت الانتقادات العربية واسعة للنظام الطائفي المعلن في لبنان، اليوم يبدو العالم العربي، مع استثناءات محددة، كأنه "لبنان مستتر". لا بل إن الكلمة العليا صارت للمرجعيات الدينية الطائفية، وأهل "الاستقلالات عن الإمبريالية" يتبارون حالياً في فتح بلدانهم للقواعد العسكرية الروسية والأميركية والأوروبية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء