Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بينالي برلين يقدم نضال المرأة لنيل حقوقها عبر التاريخ

منبر عالمي مفتوح للتجريب ومناقشة المفاهيم الفنية المعاصرة

بينالي برلين يقدم كفاح المرأة لنيل حقوقها (الخدمة الإعلامية في البينالي)

"التصدع يبدأ من الداخل"، هو عنوان شعري أُختير كثيمة لبينالي برلين الدولي المقام حالياً في العاصمة الألمانية حتى 1 نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل. إستعار القيمون على البينالي هذه الثيمة من نص للشاعرة والكاتبة إيمان مرسال تحت عنوان "عن الأمومة والعنف" تستكشف خلاله مرسال طبقات الأمومة المتعددة وتفند أدبياتها المعاصرة. في هذا النص تفكك الكاتبة فكرة التضحية المرتبطة بالأمومة، وتنقب عبر هذه الشروخ التي تخلفها عملية الميلاد لتستكشف ما بها من جمال وألم وحزن وسعادة.

خلافاً لهذا النص الذي يقدم قراءة جديدة للعلاقة المُربكة بين القديم والجديد، والذي استعار منه القيمون ثيمة البينالي، ثمة نصوص وتجارب أخرى أعتُمدت كنقاط ملهمة للورش وحلقات النقاش والتجارب التي استمرت لأكثر من عام كامل. شارك في فعاليات البينالي فنانون من جنسيات مختلفة من أجل الخروج بصيغ بصرية متعددة لعدد من القضايا، كالاختلاف والتنميط، وقبول الآخر. بين النصوص التي اعتُمدت كمرجعية لهذه الورش وحلقات النقاش يبرز نص للفنان البرازيلي الراحل فلافيو دي كارفاليو. يتحدث كارفاليو في نصه هذا عن إحدى التجارب الآدائية له، والتي أجراها في ثلاثينيات القرن الماضي بعنوان "التجربة رقم 2 ". في تجربته المُشار إليها اخترق كارفاليو حشداً كبيراً من المشاركين في إحدى المناسبات ، وسار في الاتجاه المعاكس مرتدياً قبعته، وهو ما عُدّ وقتها إهانة بالغة لمشاعر الحاضرين، ما أدى إلى الاعتداء على الفنان من قبل الجمهور الغاضب. يحكي كارفاليو في هذا النص عن هذه التجربة المثيرة وأسباب القيام بها ودوافعه المتمثلة في تسليط الضوء على فكرة الاختلاف. تجربة كارفاليو كانت محور الورشة الأولى من ورش البينالي الأربعة والتي عقدت بالتتابع بداية من سبتمبر 2019 .

هذا الامتداد الزمني الذي أقيمت خلاله ورش العمل على مدار عام كامل كان تهيئة متعمدة لهذه الدورة الاستثنائية، ما أتاح الفرصة للمشاركين المنتمين إلى ثقافات ودول مختلفة الانغماس سوياً في العديد من الفعاليات والنشاطات التي تستشكف نقاط الاختلاف والتقارب فيما بينهم، والخروج في النهاية بأعمال تؤكد على هذه المضامين الإنسانية المشتركة التي سعى القيمون إليها. تكشفت أثناء هذه الفترة- كما جاء في بيان البينالي- العديد من التصدعات وعوامل الفُرقة، كما تكشفت أيضاً الكثير من التحديات التي قد تجمعنا كبشر أو تفرقنا.

تأثر بينالي برلين هذا العام بلا شك بالاضطراب الذي أصاب الحياة الثقافية في العالم أجمع في أعقاب انتشار وباء كورونا، فقد فرضت التساؤلات المرتبطة بالحدث ووقعه الثقيل نفسها على معظم النقاشات وورش العمل التي نظمت، ما انعكس بالتالي على نتاج هذه الورش وطبيعة الأعمال المرتبطة بها. تشير ثيمة البينالي في بعض جوانبها إلى هذه الثغرات التي ينطوي عليها النظام العالمي، فقد كشف هذا الانتشار الواسع للوباء الذي تعرض له العالم عن إمكانية تضامننا، لكنه أظهر كذلك الفروق والضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الآخرون، كعدم المساواة في تلقي الرعاية الطبية اللازمة، واعتبارها نوعاً من الرفاهية لدى البعض.

تحتفي هذه الدورة كذلك بنضال المرأة وكفاحها من أجل نيل حقوقها عبر التاريخ، من طريق إتاحة الفرصة للعديد من الجمعيات والمنظمات النسوية للمشاركة في حلقات النقاش والفعاليات المقامة. وقد وقع الاختيار هذا العام على أربعة نساء من أميركا الجنوبية كقيمين على هذه الدورة، وهن ماريا بيريوس، وريناتا سيرفيتو، وليزيت لاغنادو، وأوغوستين روبيو. تضمنت الأطروحات التي نوقشت خلال ورش العمل الممتدة تساؤلات عدة حول العادات والتقاليد والأفكار المتولدة عنها، والتي تتمثل في العديد من العناصر التي نتعامل معها، كالملابس مثلاً، والتي تحولت وظيفتها من الحماية والعناية، إلى حاملة للثقافة والتاريخ، أو حتى كحصن مرن نستتر خلفه ونحتمي به.

منذ تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي يسعى بينالي برلين إلى تقديم نفسه كمساحة مفتوحة للتجريب، ونقد ومناقشة المعايير والمفاهيم المعاصرة، مع الاهتمام أكثر بالفنانين الشباب والأقل شهرة بهدف إعطائهم الفرصة لتقديم أنفسهم إلى قطاعات واسعة من الجمهور، فكان منذ تأسيسه أشبه ما يكون بالمعمل الفني، وهو يعد اليوم واحداً من بين أكثر البيناليات الدولية أهمية في الفن المعاصر. ولعل إطالة أمد هذا النشاط الفني المصاحب للبينالي هذا العام يتسق مع هذه النسخة من البينالي تحديداً، والتي من بين أهدافها التعاطي نقدياً مع نموذج البيناليات نفسها وأساليب إدارتها وأهدافها ومردودها الفعلي على مفهوم الفن وتطوره التاريخي وعلاقته أيضاً بالمجتمع.

المزيد من ثقافة