شهدت سواحل العاصمة اليمنية البديلة عدن، منتصف الأسبوع، ظهور كتل مائية غريبة، قال عنها السكان إنها تلوث بحري غمر شواطئ المدينة لمسافة تزيد على عشرة كيلومترات.
وتحدث مواطنون عن تكرار حوادث التلوث البحري، بسبب نفايات السفن التجارية من خلال تخلّصها من الزيوت في مياه البحر، في ظل ضعف الرقابة من الجهات الحكومية في عدن.
وكانت سواحل المدينة شهدت خلال مارس (آذار) من العام الحالي، تغير لون مياه البحر ونفوق عدد كبير من الأسماك، مما أثار اهتمام الرأي العام المحلي. بالتوازي مع ما يحدث في عدن، شهد ساحل غرب مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، نفوق كميات كبيرة من أسماك العيد.
وشاهد مراسل "اندبندنت عربية" أثناء مروره يوم الأحد الماضي في الطريق الأسفلتي المحاذي لشاطئ البحر غرب المكلا، كميات من الأسماك النافقة على جانبي الطريق، وتجمهر حولها سكان محليون، فيما قال صيادون في المنطقة إن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، بل تكررت أكثر من مرة، وإن بحر المكلا تعرض في السنوات القليلة الماضية للتلوث بسبب مخلفات البواخر ومجاري الصرف الصحي التي اختلطت بمياه البحر العربي.
نزول ميداني
في المقابل، نفى فريق الرصد في الهيئة العامة لحماية البيئة، وجود أي آثار تلوث زيتي أو نفطي في سواحل عدن خلال هذا الأسبوع، إلا أنه أقر بوجود حالات تلوث سابقة في سواحل المدينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته، قال مدير عام الإدارة العامة للرصد والتقييم البيئي في الهيئة العامة لحماية البيئة وليد الشعيبي "باشرنا التحرك فور تلقينا خبر التلوث، وقضت توجيهات قيادة الهيئة ممثلة بوكيل وزارة المياه والبيئة لقطاع البيئة المهندس عمار العولقي بالنزول إلى المنطقة المعلن عنها ملوثة، والتحقق من ذلك وتقييم الأثر البيئي. ونتيجة ذلك، شكلت الإدارة العامة للرصد والتقييم فريقاً من المتخصصين مع فرع البيئة في عدن، وبالفعل نزل الفريق وأجرى مسحاً للمنطقة بالكامل، وخلص تقرير الخبراء إلى أنه لا وجود لحالة تلوث زيتي أو نفطي على الساحل الممتد من المحطة الكهروحرارية وحتى المنطقة الحرة في كالتكس، كما أنه لا وجود لأي آثار تلوث نفطي في الكائنات البحرية، يؤدي إلى نفوقها وتكدسها على الشاطئ أو على سطح البحر".
وأضاف "ظهرت بعض البقع المحدودة أثناء فترة المدّ البحري بسبب انجراف كرات الدامر مع الموج، لكن ذلك لا يعني أن هناك تلوّثاً نفطياً أو كارثة بيئية".
تهديد البيئة
وأقر المسؤول في حماية البيئة بحدوث حالات تلوث بحري سابقة، مستعرضاً التهديدات التي تواجه البيئة البحرية في عدن، إذ أوضح أن "المنطقة البحرية لخليج عدن وباب المندب تعرّضت في السابق للتلوث الذي تسببه مياه التوازن للسفن الناقلة للنفط، وغيرها من المواد التي تدخل المياه الإقليمية، وترسو في ميناء المنطقة الحرة، أو ميناء المعلا في العاصمة عدن، وهو أمر حاصل مع عدم وجود الرقابة البيئية على مياهنا الإقليمية، بخاصة بعد الحرب التي شنها الانقلابيون الحوثيون على المدينة، والتي فرضت واقعاً أصبحت فيه البيئة آخر الاهتمامات سواء من قبل التحالف العربي أو الحكومة على حدّ سواء، وهناك مهددات كثيرة على البيئة البحرية في مدينة عدن، من أهمها عمليات القتل الجائر التي تتعرض له الأحياء البحرية، بخاصة تلك المهددة بالانقراض، ومنها السلاحف الخضراء والسلاحف صقرية المنقار والحبّار، التي تُستغل من قبل ضعاف النفوس وأصحاب المطاعم لتقديمها كمأكولات، مستفيدين من ضعف الرقابة والأجهزة الأمنية في المدينة، غير مكترثين بالأهمية البيئية والاقتصادية لهذه الأنواع من الأحياء البحرية".
زحف عمراني
وتطرق الشعيبي إلى عمليات السطو والبسط العشوائي والزحف العمراني على محميّات عدن الرطبة، وهي محميّات بحيرات البجع والمملاح والحسوة والوادي الكبير والفارسي، كاشفاً عن تدمير ممنهج لأراضي تلك المحميّات بغرض تبييض الأراضي ومن ثم استغلالها في عمليات البناء العشوائي.
وأردف "هناك الملوثات بالمواد البلاستيكية المنتشرة بشكل كبير ومخيف على طول وعرض السواحل والشواطىء في مدينة عدن، مع غياب شبه كامل لأي برامج وأنشطة توعوية وحملات للنظافة فيها، إضافةً إلى عمليات الصيد الجائر من جانب بعض شركات الاصطياد في مياه خليج عدن، حتى أصبحت مياهنا الإقليمية مرتعاً لعدد من الشركات التابعة لكثير من الدول التي تعمل من دون حسيب أو رقيب، زد على ذلك تلوث المياه البحرية في موانئ العاصمة عدن، نتيجة تسرّب الزيوت من السفن الراسية في هذه الموانئ، تحديداً في ميناء عدن وميناء الزيت في البريقة وميناء الاصطياد السمكي في حجيف والدوكيار، حيث تنتشر في هذه الموانئ عشرات السفن وقوارب الصيد التي تعود ملكيتها إلى متنفذين في الدولة اليمنية، وتوقفت عن العمل بعد عام 2011، إذ إن أصحابها تركوها راسية هناك، من دون أي صيانة أو اهتمام حتى تآكل جسم السفن وغرق البعض منها، ومنها ما هو جانح وآخر على وشك الغرق، ما أدى إلى تلوّث خطير في البيئة البحرية. كما ازداد ضخ مياه المجاري من دون معالجة إلى البحر مباشرة، بسبب عدم القدرة الاستيعابية لأحواض المعالجة، وتوقّف مضخات المعالجة في كابوتا المنصورة ومحطة المعالجة في العريش في خور مكسر، على خلفية أضرار لحقت بها بسبب الحرب الحوثية على مدينة عدن، ولا توجد معالجات حتى الآن".
لا حياة لمن تنادي
وختم الشعيبي حديثه بالقول "على الرغم من مناشداتنا المستمرة ورفع عدد من التقارير بهذه الانتهاكات والتهديدات بحق البيئة، وعلماً أن البعض منها صدر حكم قضائي بإخراجها من هذه الموانئ، لكن للأسف الشديد لا حياة لمن تنادي كما أن بلادنا لا تمتلك أي إمكانيات ووسائل لمجابهة أي تلوث نفطي في ما لو حصل".
وأضاف "لن نستطيع أن نتعامل معه أو مع نتائجه الكارثية على البيئة البحرية والشعاب المرجانية، مما يعني تدمير الحياة البحرية بشكل كبير جداً، والتعامل مع تلك النتائج الكارثية يحتاج الى سنوات طويلة".
أضرار على البيئة
كما حذّر مستشار وزارة الثروة السمكية نادر باوزير بدوره من التساهل في ما يتعلق بتكرار بعض ملامح التلوث البحري في سواحل بحر العرب وخليج عدن، بخاصة في مدينتي عدن والمكلا.
ونوّه باوزير إلى البحث العلمي الذي قدمه في مؤتمر وزراء الأسماك العرب المنعقد في صنعاء عام 2002، الذي تحدث خلاله عن أهم الأضرار البيئية والاقتصادية الناتجة من انفجار الناقلة الفرنسية ليمبورغ الذي وقع العام ذاته في ميناء الضبه النفطي بمحافظة حضرموت، وما أحدثه من تسرّب كميات كبيرة من النفط الخام لأكثر من 350 ألف برميل، انتشرت من الضبة في محافظة حضرموت شرقاً إلى بئر علي في محافظة شبوة غرباً.
وتابع "كان لانفجار ليمبورغ وجنوح ناقلة النفط شامبيو على سواحل المكلا وهي محملة بمادة المازوت، آثاره البيئية الكبيرة من تسرب النفط وتلويثه للبيئة البحرية، ومن أهمها تأثر معدات وأدوات الاصطياد لقطاع الصيد التقليدي الذي يعمل فيه عشرات الآلاف من اليمنيين وتقلص الإنتاج السمكي وتضرر المشاريع الاستثمارية السمكية والسياحة".
وأضاف أن "السواحل الجنوبية لليمن وسواحل السعودية وعُمان وجيبوتي والصومال معرضة للتلوث، نظرا إلى أن الرياح يمكن أن تنقل هذا التلوث بين الدول المجاورة، لافتاً إلى أن "مدينة عدن تقع على الخط الملاحي الدولي، الذي تمرّ عبره يومياً عشرات السفن، فتضع حمولتها بنظام الترانزيت وتفرّغ شحنات البضائع والوقود المكرر، بينما يعمد عدد من البواخر إلى تفريغ كميات كبيرة من ماء التوازن مباشرة في مياه البحر، بدلاً من أن يضخ إلى خزانات خاصة كما هو مفترض".