Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة في "كعب عالي" تضيق بالعالم الذكوري

عرض مسرحي لفرقة من الإسكندرية يستعين بالرقص بديلاً عن الحوار

من المسرحية المصرية "كعب عالي" (موقع الفرقة)

على خلاف كثير من الفرق المسرحية التي تنتمي إلى هيئة قصور الثقافة   (مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة المصرية)، تسعى الفرق المنتمية إلى مدينة الإسكندرية، بشكل لافت، إلى تقديم عروض نوعية تخالف ما اعتادت على تقديمه فرق هذه الهيئة، التي تهتم أكثر بالعروض الجماهيرية.

الأمر لايقتصر بالطبع على فرق الإسكندرية وحدها، فثمة فرق في محافظات مصرية أخرى تقدم مثل هذه التجارب النوعية، لكن الظاهرة في الإسكندرية أكثر حضوراً ولفتاً للأنظار، ربما لطبيعة المدينة الساحلية نفسها، وتقبل جمهورها لهذه النوعية من العروض، فضلاً عن وجود حركة مسرحية أكثر دينامية في المدينة، وانتشار مراكز ثقافية مصرية وأجنبية مهتمة أكثر بالمسرح النوعي، أضف إلى ذلك قربها من القاهرة، المركز الرئيس للمسرح في مصر، بل ومنافستها لها في بعض الأحيان باعتبارها مدينة مسرح بامتياز.

من بين فرق الإسكندرية، تبرز فرقة قصر ثقافة الأنفوشي، التي اعتادت في السنوات الأخيرة تقديم تجارب جد مختلفة، وربما تكون هي الأولى من بين فرق الأقاليم التي قدمت عروضاً راقصة، لم يعتد عليها مسرح قصور الثقافة من قبل.

الفرقة قدمت أخيراً، ضمن فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، عرضاً بعنوان "كعب عالي"، وهذا المصطلح "كعب عالي"، يشار به في الثقافة الشعبية المصرية إلى المرأة، كما يشار به إلى كل من هو ذو حيثية أو مكانة أوسطوة، لكن العرض قصد إلى المرأة تحديداً، منتصراً لها على الرجل، وساعياً إلى إبراز رغبتها في الانعتاق من عالمه البغيض (حسب العرض)، ومصوراً لحظات القهر التي تتعرض لها بواسطته منذ المهد وإلى اللحد كما يقولون.

نصوص شهيرة

لاحوار في هذا العرض (كتبه وأخرجه محمد الطايع)، سوى بعض الجمل أو المونولوغات، التي ترددها المرأة، استقاها المخرج من نصوص مصرية وعالمية شهيرة، منها "الطريقة المضمونة للتخلص من البقع"،  و"شفيقة ومتولي"، و"كارمن" وغيرها، جاءت كمفاتيح يمكن للمشاهد من خلالها أن يمسك بخطوط الحكاية أو رسالة العرض ومغزاه، بينما تكفل الرقص (صممه محمد ميزو) بالإلحاح على الفكرة، ومحاولة تفسيرها بشكل جمالي أكثر وضوحاً وتأثيراً.

يبدأ العرض بمجموعة فتيات، تقودهن واحدة منهن، وتقف أمام ميكروفون  ويرددن معاً بعض الكلمات عن الحرية والرغبة في الانعتاق من القهر الذي يتعرضن له. الوقوف خلف الميكروفون هنا وكأنهن في وقفة احتجاجية لمخاطبة المجتمع الذكوري وإعلان تمردهن عليه، المجتمع الذكوري في صورته السلبية التي لايعبأ فيها بمطالبهن، وتوقهن إلى تجاوز تلك النظرة المتوارثة عبر الأجيال، التي ترى فيهن مجرد أجساد لإشباع حاجات الرجال، من دون ملامسة الروح قبل التهام الجسد.

تنتهي الخطبة، أو الوقفة، وتسعى من تقود الفتيات إلى إيقاظ الرجل النائم على خشبة المسرح، الغافل عن أشواق المرأة وتطلعاتها، ونسمع مقطعاً من قصيدة الأطلال (أيها الساهر تغفو، تذكر العهد وتصحو، فإذا ما التأم جرح، جد بالتذكار جرح)، إشارة إلى تلك الجروح العالقة بروح المرأة، التي تتجدد، إما بالفعل الآني وإما بالتذكر، وتبدأ معركة راقصة محتدمة بين المرأة والرجل، تظهر مدى العنف الذي تتعرض له من جانبه، على الرغم من محاولاتها التقرب منه وإرضائه.

حالات شتى

يحفل العرض بمجموعة من الرقصات التعبيرية، التي تصور العلاقة بين الرجل والمرأة في حالات شتى، وكيف أن كل فعل إيجابي من جانب المرأة للتواصل مع الرجل، يقابل بفعل سلبي عنيف، يثقل على روحها حتى تنهار تماماً ويتم قتلها معنوياً.

ليس القتل المعنوي فحسب، بل إن المرأة هنا تقتل جسدياً أيضاً من خلال مشهد يتماس مع مسرحية "شفيقة ومتولي"، حين تتضح من الرقص فكرة تحريض أحد الرجال لمتولي على قتل شقيقته شفيقة، التي هربت من واقعها البائس لتعمل كفتاة ليل، وانحاز العرض لقضيتها. وهو انحياز للمرأة عموماً ضد كل أنواع القهرالجسدي والمعنوي، حتى لو كانت شفيقة في نظرالعرف الشعبي مذنبة، لكن العرض هنا يعتبرها مجنياً عليها وليست جانية.

المرأة في العرض هي شفيقة وكارمن وكل سيدة تعيش تحت وطأة القهر والظلم والتحرش، حتى علاقتها الحميمة بالرجل، فإن العرض يصورها فاشلة، ويصور الرجل الذي يباهي بفحولته غير قادر على إشباع رغبات المرأة، وكيف أن تصوراته عن نفسه مبالغ فيها.

دائرة لاتنتهي

في مشهد الختام، وبعد أن قُتلت المرأة التي تمثل شفيقة، نرى فتاة أخرى توقظ الرجل الذي كان نائماً في البداية، وعلى الخلفية الغنائية نفسها ، ليستيقظ ويبدأ في قهرها من جديد، وكأنها البنية الدائرية، أو الدائرة الجهنمية، التي لاتنتهي ولن تنتهي. ينهض الرجل ويبدأ في ممارسة اللعبة نفسها ، لعبة القهر والقتل المعنوي والجسدي، وكأننا أمام صرخة مدوية تطلقها المرأة وإن من دون صوت، ولكن من طريق فعل جمالي هو الرقص الذي تنوع بين اللين والشدة، بين الرقة والعنف، بين القوة والضعف، تلك الثنائيات التي تدور المرأة في إثرها وسط مجتمع ذكوري قاس ولايرحم.

ديكورات العرض صممتها (دينا عزيز)، جاءت عبارة عن ثلاثة بانوهات مرتفعة في يمين المسرح، ومثلها في يساره، وواحد في العمق، عليها بعض الرسوم البسيطة، وتشكل في مجموعها مايشبه السجن أو المكان البارد المقبض. وتكفلت الإضاءة (صممها محمد المأموني)، بتصوير تلك الأجواء ببرودتها وثقلها من خلال اللون الأزرق، وكذلك الأجواء المحتدمة أو أجواء التحرش أو العدوانية من خلال اللون الأحمر، بكل مايرمز إليه اللونان الأزرق والأحمر، اللذان غلبا على معظم المشاهد. فضلاً عن استخدام الغرافيك، الذي أعطى للديكورات أبعاداً أكثر عمقاً وتأثيراً، وبدت على بساطتها وكأن ثمة فضاءات عدة، وليس ديكور واحد ثابت لم يتغير طوال العرض على رغم ثباته.

"كعب عالي" تمثيل وأداء ريهام عبد الرازق، وسمير نصري، ومحمد هارون، وزكي محمد، ومحمد علاء، وإبرام مرقص، ومحمد مسعد، وإيمي عادل، وآية عادل.

المزيد من ثقافة