Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريون يواجهون الغلاء وانعدام فرص العمل بصيد الأسماك

تشهد سوق السمك وافدين جدداً من الهواة وسط نزاع مع أصحاب المراكب الكبيرة

يسعى الصيادون السوريون إلى تأمين قوتهم اليومي من خلال الصيد ضمن المياه الإقليمية (اندبندنت عربية)

بعدما تقطعت سُبل عيش السوريين داخل بلادهم على إثر الغلاء الفاحش وانخفاض المستوى الاقتصادي للبلاد، تفاقمت الأزمات لترهق المواطن السوري المنكوب، وفي مقدمها فيروس كورونا وتداعيات الإغلاق. وبات لا خيار أمام مَن يعيشون على سواحل المتوسط سوى التفتيش المضني في قاع البحر، علهم يظفرون بكفاف يومهم ورزق عائلاتهم.

ويتنامى عدد الصيادين على الشواطئ بشكل لا مثيل له، فمنذ انبلاج الفجر يتوافد الباحثون عن خيرات البحر وأسماكه، بصحبة صناراتهم وشباكهم الخفيفة، حاملين معهم سلال القش، بينما تشق القوارب طريقها في المياه الإقليمية.

وتنشط جولات الصيد بالقوارب على امتداد شواطئ اللاذقية وطرطوس أو بمحاذاة الجروف الصخرية في هاتين المدينتين اللتين تدينان بالولاء السياسي المطلق للنظام، وقُتل كثير من المتحدرين منهما في المعارك مع فصائل المعارضة منذ عام 2011.


واقع مر

هنا وعلى مقربة من صخور لا يفرق الشاب جودت بينها وبين حياة قست عليه وعلى أهله، بعدما فقدَ أخوين له في الصراع المسلح، ففارق أحدهما الحياة في معارك جنوبي البلاد لدى خدمته الإلزامية في جيش النظام، بينما لقي شقيقه الأكبر مصرعه في معارك الشمال، بعد تطوعه للحرب إلى جانب الميليشيات الرديفة لقوات النظام.

يناجي جودت في كل يوم البحر عله يعود بما يكفيه عيش اليوم، لم يعد لوالدته الكبيرة بالسن سواه، هو الوحيد الذي يعول عليه في تأمين شؤون العائلة وحاجاتها، بعدما ترك دراسة الحقوق في مدينة حمص وسط البلاد، باحثاً عن عمل من دون طائل.

يُفصح هذا الشاب وهو بمقتبل الثلاثين من العمر عن محاولاته المتلاحقة لطلب العمل بعدما بات الظفر بوظيفة حكومية مهمة شبه مستحيلة على الرغم من تقديم الدولة مقاعد مخصصة لأهالي الذين يسقطون في صفوف قواتها. إلا أن الفرص القليلة، والعدد الكبير من القتلى في مدينة لا يخلو بيت فيها من قتيل جراء الحرب، كلها عوامل تجهز على أمل الوظيفة، وتدفعه أخيراً إلى البحر الذي أحبه منذ الصغر.

ولا تكاد تتوقف المطاعم أو المحلات التجارية في مدينة مثل اللاذقية، وهي تحمل بين أضلعها خليطاً من نسيج وأطياف دينية متعددة، أبرزها سنية وعلوية ومسيحية وأرمنية، عن تلقي سؤال يتردد كثيراً: "هل توجد فرص عمل لديكم؟".

ويستغرب صاحب إحدى المنشآت السياحية بمرارة في حديثه لنا، من كون غالبية الباحثين عن العمل جامعيين.

ويسعى معظم أهالي المدينة وريفها إلى الالتحاق بوظائف في أجهزة الأمن والجيش، منذ عقود طويلة، أو يعملون في الوظائف حكومية أو بالقطاع السياحي الخاص. ويندفع الشبان إلى تلك الخيارات الوحيدة المتاحة أمامهم، لا سيما في ظل ندرة الأعمال التجارية والصناعة التي تشتهر بها مدينتا حلب شمالاً ودمشق جنوباً، التي تستوعب من جهتها أعداداً أكبر من حيث الوظائف وفرص العمل.

يأتي ذلك على الرغم من انتقال كم كبير من مصانع ومعامل مدينة حلب الصناعية إلى اللاذقية وريفها من بعد عام 2012 إبان الأحداث المسلحة، نظراً إلى توفّر البيئة الآمنة فيها.

ويذكر الشاب جودت أنه بحث كثيراً عن أي عمل يسد الرمق، إلى أن حظي أخيراً بفرصة في أحد المقاصف الشعبية، إلا أنه قال "ما لبثتُ بدأت عملي حتى جاءت جائحة كورونا في مارس (آذار) الماضي لتُغلق المكان برمته، وأعيش مع أمي وإخوتي الصغار على مساعدات الأقارب وأصحاب الخير".


السلة الوفيرة

حال الشاب جودت تشبه أحوال كثيرين من الشبان الذين يعتاشون على ما يغدقه البحر لهم في سلال القش خاصتهم، ويضعون نُصب أعينهم الأمل في الهجرة، طلباً لتامين حياة كريمة لأسرهم.

ولا يجد كثير من الشبان غضاضة من تحول صيد السمك من هواية لهم إلى مصدر أساسي للعمل، في ظل فقدان أعمالهم مع الضائقة التي تمر بها البلاد. كما يزداد الوضع سوءاً مع شبه انعدام السياحة الداخلية التي لطالما اشتهر بها ساحل سوريا الممتد بمساحة 180 كيلومتراً، حيث كان يتوافد المصطافون السوريون لقضاء عطلة الصيف، كما كان مقصداً للسياح العرب، لا سيما الخليجيين منهم قبل الحرب الأخيرة.

وزاد المشهد المأساوي سوداوية الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي والإغلاق الجزئي المتكرر لمنشآت السياحة، التي يعتمد الأهالي في اقتصادهم عليها بالمقام الأول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الدخول بالاحتراف

ويحاول أحد الصيادين الحديث على مضض عن احترافه العمل بقارب صيد منذ أشهر. دفعه إلى ذلك التفكير بتأمين قوت اليوم، لكنه نجح بزرع شيء من التفاؤل والأمل في صوته "ستُفرج، فبعد الضيق الفرج، ونحن بخير ما دام هذا البحر يغدق علينا خيراته".

بتؤدة وحذر يضع الصياد غلة رزقه في سوق السمك، أو ما يُطلق عليه شعبياً اسم "ساحة السمك" الواقعة في منطقة الرمل الجنوبي، ويحاول التفاوض بشراسة مع تجار السوق، لكسب أي مبلغ مرتفع في أثناء تقييم الأسماك من قبل شخص متخصص يُمسك ورقة وقلماً ليحصي وزن الأسماك على ميزان تجاري ضخم (قبان)، ويدفع المال إلى الصيادين وينصرف.

وتتزاحم في هذه السوق خيرات البحار، وتعج في عيني الناظر فوضى الألوان والكميات والأسماك الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، عدا عن القريدس وأصناف الحيوانات البحرية الأخرى.

ويتوافد المتسوقون في ساعات الصباح والظهيرة من كل يوم، وسط فوضى منظمة تتسلل إلى أنوفهم رائحة (زنخة) منبعثة من الأسماك التي وزعت حسب النوع والشكل واللون.

ويقبل المستهلكون على عدد من الأنواع، مثل نوع البلميدا الأرخص سعراً، إذ يبلغ ثمن الكيلو دولاراً واحداً، وكذلك السردين، بينما الأسماك الغالية لها جمهورها الخاص، التي ترتفع أسعارها وتتفاوت من عشرة آلاف ليرة سورية أي ما يعادل خمسة دولارات أميركية للكيلوغرام الواحد، إلى 50 ألف ليرة (25 دولاراً).

وتفيد البيانات، التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" من "الهيئة العامة للثروة السمكية" عن اهتمام متزايد في الاستزراع السمكي، إضافة إلى تقديم الرعاية والدعم للصيد النظامي وفق الشروط المطلوبة للصيد بالمياه العذبة والصيد البحري.

وبيّن مصدر من الهيئة عن حصول الفرد السوري من غذاء السمك بمقدار لا يتجاوز كيلوغراماً واحداً، وهي كمية قليلة جداً، مقارنة بمعدل حصة العربي، التي لا تقل عن ثمانية كيلوغرامات، ويبلغ عدد القوارب 1300 قارب تخضع للرقابة والكشوف المستمرة من قِبل مديرية الموانئ.


في الشباك

من جهتهم، يحاول الصيادون الجدد أن يثبتوا أنفسهم في سوق السمك، محاولين التأقلم مع العمل الجديد، عبر إبراز كفاءتهم لمعلميهم وطريقة صيدهم.

ويتخلل الأحاديث الجانبية لكبار الصيادين عن مغامراتهم باصطياد الأسماك الكبيرة، منها سمكة القرش التي كثر اصطيادها أمام سواحل ريف اللاذقية، قبالة مدينة جبلة. وتباهى أحدهم باصطياد سمكة يبلغ وزنها مئتي كيلوغرام، بيعت إلى أحد المطاعم بثمن مرتفع.

وفي غضون ذلك، وفي ظل الواقع المرير الذي يعيشه الصيادون، لا تتوقف المشكلات أو الخسائر عن ملاحقتهم في سوق السمك. ويتنهد الصياد السبعيني، أبو علي في أثناء حديثه إلينا عن خسارة يوم واحد قد تضر بكل المكاسب. بيد أن الشعور بعودة القارب "من دون رزق يشكل خسارة من الصعب تعويضها بسهولة، وسط ندرة الوقود التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة، عدا عن أجور الصيادين" التي يتكفل بتغطيتها.

وعلى الرغم من ذلك، روى أبو علي نوادر ومواقف طريفة صادفت شباكه، فعوضاً عن السمك تظهر أشياء يرميها الناس والسباحون. وقال "لا تلتقط شباكنا فقط الأسماك، بل كثير من الأغراض المضحكة والغريبة، مثل ألعاب الأطفال وقوارير المياه أو عبوات للمشروبات الروحية وملابس داخلية".


السمكة الكبيرة تأكل الصغيرة

ويواجه الصيادون الصغار هذه الأيام مزاحمة من قِبل المراكب وسفن الصيد الكبيرة التي مُنعت من الصيد في المياه الدولية بعد حوادث متكررة مع الطرف التركي.

ومع اقتصار الصيد داخل المياه الإقليمية، يقول أحد الصيادين "باتت أسماكنا الصغيرة بخطر بعد قدوم السفن الكبيرة التي أخذت تنتشر في أماكن انتشارنا، وتحاول الاقتراب بين الفينة والأخرى إلى مواقعنا".

المزيد من العالم العربي