أكد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج نيته الاستقالة من منصبه وتسليم السلطة نهاية شهر أكتوبر (تشرين) المقبل، مؤكداً التسريبات التي شغلت الرأي العام الليبي طوال اليومين الماضيين، وفاتحاً باب واسعاً للجدل والتساؤلات، من قبيل لماذا قرر السراج الاستقالة، ولماذا الآن، ومن البديل المحتمل لشغل منصبه خلال الفترة المقبلة؟
في المقابل، طرحت مصادر أخرى تساؤلات مغايرة عن تأثير هذه الاستقالة على عدد من الملفات الليبية، يتقدمها مسار الحوار السياسي الذي شهد تقدماً لافتاً خلال الأيام القليلة الماضية، وعلاقة تركيا بحكومة الوفاق، ومستقبل مصالحها الاستراتيجية في غرب ليبيا بعد أن لعب السراج دوراً بارزاً خلال السنوات الأخيرة لبسط يد أنقرة وهيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على العاصمة طرابلس ومصراتة، ومعظم مناطق الغرب الليبي.
وربط مراقبون بين استقالة السراج وزيارة غامضة له إلى البحرين، التي عاد منها قبل ساعات من إعلان الاستقالة، من دون الكشف عن طبيعة الزيارة، وبمن التقى رئيس الحكومة خلالها حتى هذه الساعة.
السراج يعلن استقالته
وأعلن السراج في كلمة تلفزيونية الأربعاء 17 سبتمبر (أيلول) استقالته من منصبه بموعد أقصاه نهاية الشهر المقبل، قائلاً في معرض تبريرها إن "حكومته لم تكن تعمل في أجواء طبيعية ولا حتى شبه طبيعية منذ تشكيلها، بل واجهت المكائد والمؤامرات داخلياً وخارجياً منذ يومها الأول "، متهماً أطرافاً لم يسمها بـ "العمل على عرقلة الحكومة بشكل متكرر، لتواجه صعوبات وعراقيل جمة في أداء واجباتها على النحو الأمثل "، ومشدداً على أن "استقالته ليست تهرباً من المسؤولية وإنما إقراراً بالواقع"، متابعاً "آثرنا الصمت لفترة طويلة لرغبتنا الصادقة في احتواء الجميع، والتوصل إلى توافقات مرضية لتعبر البلاد إلى شاطئ الأمان، لكن المناخ السياسي يعيش حال استقطاب حادة جعلت كل محاولات حل الأزمة غاية في الصعوبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحث عن الدوافع
وما إن ختم السراج كلمته التلفزيونية حتى بدأ نقاش وجدل واسع في ليبيا حول الدوافع الحقيقية من إعلان رئيس المجلس الرئاسي استقالته في هذا التوقيت، ودوافعه غير المعلنة من هذه الخطوة، والمرشحين المحتملين لخلافته.
وانحصرت التخمينات في عدد من الأسباب المحتملة، تتقدمها الخلافات الأخيرة داخل حكومة الوفاق، لاسيما بينه وبين وزير داخليته فتحي باشا آغا، والتصدع الذي تسببت به داخل بيت الوفاق، وطموح الرجل الشخصي خلال المرحلة المقبلة بانسحابه من المشهد في ما تبقى من المرحلة الانتقالية، استعداداً للانتخابات المرتقبة قبل نهاية العام المقبل. وذهب فريق آخر نحو ترجيح دور تركي في الضغط على السراج للاستقالة، طارحين تفسيرات مختلفة لهذا الاحتمال.
واستشهد الفريق الأول الذي يعتقد أن الخلافات الداخلية في معسكر طرابلس السياسي هي التي أجبرت السراج على الاستقالة، بتصريحات متتالية من شخصيات بارزة في المعسكر بدت سعيدة ومرحبة بالاستقالة، ووجهت نقداً لاذعاً له ولطريقة إدارته للحكومة خلال السنوات الماضية.
وقال عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني محمد عماري زايد، إن "الشرعية التي نستند إليها الآن ليست مرتبطة بشخص مهما كان مركزه ومنصبه، وإنما هي باتفاق سياسي كان أفضل الموجود"، مضيفاً في كلمة نشرتها إدارة التواصل والإعلام بالمجلس الرئاسي، "هذه الشرعية تعززت بدماء الشهداء في البنيان المرصوص وبركان الغضب وثوار ليبيا الذين حموا الدولة والتفوا حول المجلس الرئاسي، وسنسير بهذه الشرعية مهما كانت التبدلات"، داعياً إلى إيجاد "قيادة للدولة تحقق مطالب الشعب وتنهي الانقسام".
واعتبر عضو مجلس الدولة الاستشاري أبو القاسم قزيط أن السراج قدم استقالته على خلفية توجهات دولية نحو تشكيل مجلس رئاسي جديد، موضحاً أن "هناك ترتيبات دولية لتشكيل مجلس رئاسي جديد، والسراج تم الضغط عليه لتسوية المشهد السياسي في ليبيا سريعاً قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل"، ولم يستبعد قزيط أن تكون استقالة السراج تمت بالتنسيق مع أنقرة "فمن المتوقع كذلك أن تكون الاستقالة تمت بتنسيق مع تركيا، خصوصاً وأنه كان في البحرين في زيارة غامضة، ومن غير المستبعد أن يكون ذهب إلى تركيا فعلاً قبلها أو بعدها".
دور تركي
فريق آخر من المراقبين للمشهد الليبي تحدث عن دور تركي خفي دفع السراج إلى الاستقالة، تمهيداً لتسلم حليفها الأبرز في طرابلس فتحي باشا آغا زمام الأمور في العاصمة.
ويعتقد المحلل السياسي الليبي أحمد المهدي أن "السراج أجبر على الاستقالة من قبل أطراف قوية في طرابلس بدعم تركي، ليفسح المجال لخصمه السياسي فتحي باشا آغا ليتولى رئاسة الحكومة خلال الفترة المقبلة، وقال لـ "اندبندنت عربية"، إن "هذه كانت رغبة الإسلام السياسي الحليف لأنقرة والذي يدير فعلاً الأمور في العاصمة، مستدلاً بالصراع الذي وقع أخيراً بين الرجلين وانتصر فيه وزير الداخلية مستقوياً بميليشيات الإسلام السياسي، ما وضع السراج في حرج كبير، وهو الآن يحاول إنقاذ نفسه وماء وجهه من كل المآزق التي وضع نفسه فيها".
وعلقت تركيا على استقالة السراج على لسان وزير خارجيتها مولود تشاويش أوغلو الذي صرح أن "فايز السراج سيستقيل من منصبه حال الوصول إلى حل سياسي ووقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية"، مضيفاً خلال تصريحات صحافية أن ذلك يعني أنه "سيضحي في مرحلة متقدمة من أجل مستقبل بلاده، ولا توجد لديه أية تصريحات قال فيها إنه سيستقيل حالياً".
من جهته رفض المستشار السياسي السابق للسراج سامي الأطرش التعليق على الاستقالة لـ "اندبندنت عربية" قائلاً إنه "تفاجأ بها، ولم تختمر لديه فكرة واضحة حول أسبابها ودوافعها وحتى نتائجها".
إشكالات قانونية
هناك إشكالات قانونية في إعلان الاستقالة الخاص بالسراج لم يتم إيضاحها وفاتت كثيرين من الذين علقوا عليها، وحللوا محتواها وأسبابها، وأعلن السراج في بيان الاستقالة تسليمه مهماته التنفيذية نهاية أكتوبر، بينما يمتلك أيضاً مهمات تشريعية باعتباره رئيساً للمجلس الرئاسي وليس للحكومة فقط، ولم يوضح في كلمته إن كان سيسلمها أيضاً أم لا، بحسب رأي للصحافي الطرابلسي المعارض للسراج أحمد عاشور.
من جانبها، شنت عضو المجلس الأعلى للدولة آمنة أمطير هجوماً حاداً على رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، متهمة إياه بـ "استغفال الشعب"، وذكرت في تدوينة لها عبر حساباتها بمواقع التواصل، أن "المادة الرابعة من الاتفاق السياسي تنص على أن الحكومة إذا استقال الرئيس تصبح حكومة تصريف أعمال، ويكلف بالرئاسة أحد نواب الرئيس"، وتابعت موجهة حديثها للسراج، "من فضلك اقرأ الاتفاق السياسي الذي أتى بك وبلاش استغفال للشعب".