Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسرار العراق تعود مع عودة الأرشيف من أميركا إلى بغداد

غالباً ما تستخدم الاحزاب الوثائق التي بحوزتها للهجوم على بعض الشخصيات

الأرشيف الذي تم نقله إلى واشطن في عهد حكم بريمر لا يعني كل أرشيف الدولة العراقية (أ ف ب)

ملايين الوثائق التي أرشفت حقبات مهمة لتاريخ العراق تعود إلى بغداد، بعد أن تحفظت عليها الولايات المتحدة ونقلتها في عام 2004 عندما كان العراق تحت حكم بول بريمر الذي عينه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش آنذاك رئيساً للإدارة المدنية، وجرى الاحتفاظ بالوثائق في البداية في فيرجينيا الغربية، قبل إرسالها إلى مؤسسة هوفر، بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، بعد ترميم الأرشيف وإصلاحه على إثر تعرضه للتلف.

ستة ملايين وثيقة سرية توثق النصفين الأول والثاني من القرن الـ20، كما تضم أرشيف حزب البعث والقيادة القومية والقطرية، وأيضاً أرشيف الجالية اليهودية، كلها كنوز تؤرخ التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتسلط الضوء على جوانب مبهمة من تاريخ العراق الحديث.

تأجيل عودة الوثائق

ويوضح عبد الأمير الحمداني، وزير الثقافة السابق، أهمية عودة الأرشيف إلى العراق، لأنه يؤرخ تاريخ العراق في النصفين الأول والثاني من القرن الـ20، ويقول لـ"اندبندنت عربية" "في عام 2018 كانت هناك مفاوضات بين الجانب العراقي ممثلاً بوزارة الخارجية والأمن الوطني والعدل والثقافة مع الجانب الأميركي أسفرت عن طلب الأميركيين إرجاء إعادة الأرشيف إلى عام 2021، وحجتهم في ذلك، أنهم بذلوا أموالاً وجهوداً في ترميمه، ويرغبون في عرضه ببعض الولايات الأميركية في معرض جوال".

محتويات الأرشيف

ويوضح عباس كاظم، مدير برنامج العراق في المجلس الأطلسي، أن أرشيف الدولة العراقية الذي أعيد "يضم ملايين الوثائق للمدة الزمنية بين عامي 1968 و2003، وهي وثائق حزب البعث وقضية الكويت وشمال العراق، وتضم أيضاً أرشيفاً عسكرياً وآخر لمديرية الأمن وأرشيفاً يخص محافظات معينة".

ويقول كاظم لـ"اندبندنت عربية"، "الأرشيف يحمل كثيراً من الأسرار، فهو يتطرق إلى شخصيات كثيرة، بعضها رحل عن العالم، والبعض ما زال يمارس عمله في الدولة العراقية، وآخرون ابتعدوا عن دائرة الضوء"، ويرى أن هذا الأرشيف "يضم كنوزاً مهمة لمن يريد التنقيب عن مراحل تاريخ العراق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأرشيف ومخاوف العبث به

الوثائق التي يضمها هذا الأرشيف الضخم تتطرق إلى شخصيات مهمة، ولا يستبعد أن يُستغل للابتزاز ضد أشخاص وردت أسماؤهم بالوثائق، ومن الممكن أن يتعرض، وهو في العراق إلى التلف أو السرقة، كونه يمس شخصيات تعمل في الحكومة الحالية، ويستبعد كاظم هذا الاحتمال كون الأرشيف مؤمناً بالكامل، لأنه تحول إلى مادة رقمية، فضلاً عن المادة الأصلية الورقية، وهو حسب رأيه "لن يكون عرضة للتلف أو الضياع"، لكنه يتخوف أن تتعرض المادة الورقية للتلف، بسبب سوء التخزين أو السطو على بعض محتوياته، لكن ضياعه بهذه الطريقة لا يشكل أي خطر، لأنه بالأساس تحول إلى مادة رقمية.

الوثائق المنقولة لا تعني أرشيف الدولة العراقية بأكمله

ويوضح المؤرخ رشيد الخيون لـ"اندبندنت عربية"، أن الأرشيف الذي نُقل إلى واشطن في عهد حكم بريمر "لا يعني كل أرشيف الدولة العراقية، فقد نهبت الأيدي الأوراق التي تطايرت بعد سقوط النظام، ولدى الأحزاب والأشخاص وثائق كثيرة، وهذا الأرشيف اشتُهر كونه ارتبط بمؤسسة الذاكرة، وانتقل إلى واشنطن، وهناك رمم وأُرشف ونُسخ".

وفي السياق نفسه، يوضح عباس كاظم أن هذا الأرشيف "جزء بسيط من حجم أرشيف الدولة العراقية. توجد عشرات الوثائق التي لم تخرج من العراق، وما زالت موجودة في حوزة أشخاص ومؤسسات وأحزاب غالباً ما يستخدمونها للهجوم على بعض الشخصيات".

عرض الوثائق الآن قد يؤدي إلى تفعيل عاطفة الثأر

ويتخوف المؤرخ رشيد الخيون أن عرض هذا الأرشيف على الرغم من أنه تاريخ يستفيد منه الباحثون والمؤرخون، قد يؤدي إلى تفعيل عاطفة الثأر، "ففكرة مؤسسة الذاكرة اقتدت بالتجربة الألمانية، لكن لا يُحتفظ بوثائق النازية كي يندفع المواطنون إلى السباحة في الدماء، إنما لغرض الاستفادة منه في كتابة التاريخ"، ويوضح الخيون أن التجربة العراقية في عرض الوثائق "كانت مريرة"، فعمليات القتل والانتقام نفذت بعديد من العاملين السابقين في الدولة بعد سيطرة الميليشيات على الأرشيف العسكري للدولة العراقية، "الأرشيف العسكري سيطرت عليه ميليشيات تابعة لإيران، فجرى قتل كثير من ضباط الجيش وطياريه، ثأراً منهم".

الوثائق بين الدراسة والانتقام

ويرى فايز الخفاجي، الباحث والمؤرخ في تاريخ العراق المعاصر، أن الوثائق هي المصادر التي لا تكذب، ومن حق الباحث الاطلاع على ما جاء في هذا الأرشيف. ويضيف الخفاجي لـ"اندبندنت عربية"، "على الرغم من أهمية ما يمثله هذا الأرشيف من مادة غنية للدراسة والبحث، فإن هناك قضايا تخص الأمن الوطني من الخطأ أن تظهر للعلن، فقد تكون متاحة لدول أخرى تستغل ما يهدد الأمن الوطني العراقي". وهو مع أن تعلن الوثائق التي لا تمس أمن العراق. ويرى الخفاجي أن هناك شخصيات في الحكومة الحالية "قد تمنع" نشر الأرشيف، لأن فيه ما يمسها ويمس تاريخها.

أما المؤرخ رشيد الخيون فيوضح أنه بالغالب ما استخدمت الوثائق للانتقام، فالوثائق التي نهبت من الدوائر الحزبية والأمنية "استُفيد منها في عملية الاجتثاث، وبحماقة"، حتى صار الاجتثاث مكسباً للجماعات الإرهابية، "فماذا يُنتظر من الضابط أو الموظف الذي يُقطع رزقه، غير اللجوء إلى أي طريقة كي يعيش؟" ويوضح الخيون أن هناك مجموعات أرشيف لدى الأحزاب، لم يجر الحديث عنها، ومنها ما بدأت تلك الأحزاب تسريبه طعناً على أشخاص آخرين، بمعنى أن عملية السيطرة على الأرشيف من قبل الأحزاب لم تكن من أجل حفظ التاريخ، إنما كان الهدف منها العبث بالمجتمع، ويرى الخيون أن "كتابة التاريخ عبر تلك الوثائق بحاجة إلى مؤرخين خالين من الكراهية والحقد، لا يكتبون التاريخ من خلال الوثائق من أجل التشهير".

متاح لجميع الباحثين

أما عباس كاظم فيرى أهمية بقاء هذا الأرشيف متاحاً لجميع الباحثين، فالأرشيف مهم لمن يرغب في أن يفهم مرحلة حزب البعث وما قبله، وهو سيحسم الجدل بشأن شخصيات اختلف العراقيون حولها، ففي الأرشيف "ما يوضح حقيقة هؤلاء الأشخاص والجرائم التي ارتكبوها".

ويقول كاظم، "توجد مبالغة في المخاوف من إمكان ابتزاز بعض الشخصيات عبر وثائق هذا الأرشيف". مؤكداً أنها "وثائق مهمة إن استُخدمت للبحث والدراسة ستجعل القضايا المبهمة أكثر وضوحاً، وستجعلنا نفهم التحولات التي مرت بالعراق، لكن الخوف يبقى قائماً من ضياع الأرشيف وتناقل وثائقه بين الأحزاب لغرض التسقيط والابتزاز، فتضيع قيمة الوثائق وتضيع معها محاولات فهم ماضي العراق وحاضره".

المزيد من تقارير