Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غموض جولة بريكست يعقد مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

انتهاك قانون الانسحاب لما وقعته الحكومة مع أوروبا يهدد بفقد المصداقية في التزام لندن بتعهدات دولية

الغموض يحيط بمستقبل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي  (رويترز)

زاد الغموض بشأن جولة المفاوضات الثامنة والحاسمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، التي يفترض أن تبدأ اليوم الثلاثاء في لندن، بعدما كشفته صحيفة "فاينانشيال تايمز"عن قانون جديد أعدته الحكومة البريطانية ويكشف النقاب عنه هذا الأسبوع يتجاوز بنود الاتفاق الانتقالي بين بريطانيا وأوروبا الذي وقعه رئيس الوزراء بوريس جونسون مع بروكسيل في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي ليكون حاكماً للفترة الانتقالية بين خروج بريطانيا من أوروبا (بريكست) رسمياً مطلع يناير (كانون الثاني) هذا العام والتوصل إلى اتفاق نهائي بنهاية العام.

وكان المسؤولون البريطانيون استبقوا الجولة الثامنة من المفاوضات بتصريحات تشير إلى زيادة احتمال بريكست من دون اتفاق. وصرح رئيس فريق المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست في مقابلة مع صحيفة "ذا ميل أون صنداي" بأن الحكومة البريطانية مستعدة لكل الاحتمالات وأنها جادة في احتمال "الخروج من دون اتفاق"، في ما بدا تشدداً مع أوروبا كي ترضخ في اللحظة الأخيرة وتتنازل في نقطتين في غاية الأهمية لأي اتفاق شامل مستقبلي بين بريطانيا وأوروبا.

وفصل وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب النقطتين، في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز"، وهما حقوق الصيد في المياه المشتركة بين أوروبا وبريطانيا وقاعدة المساواة في المعايير. وبالطبع ألقى باللائمة على الاتحاد الأوروبي بأنه يتشدد في المفاوضات ولا يريد القبول بمطالب بريطانيا. وبينما تحظى الخلافات حول حقوق الصيد، وأنواع الأسماك والكميات المسموح بها كحد أقصى للصيادين البريطانيين ومن دول أوروبا المطلقة على القنال الإنجليزي وبحر الشمال، باهتمام إعلامي فإن المشكلة الحقيقية هي تساوي المعايير التي تصر عليها أوروبا.

فالاتفاقية التي ستحكم علاقة بريطانيا بأوروبا (إذا تم التوصل إليها بحلول 15 أكتوبر المقبل) يجب أن تتضمن التزاماً بريطانياً بمعايير تضمن ألا تكون لها ميزة تنافسية عن المنتجات والخدمات الأوروبية كشرط لوصول بريطانيا الكامل للسوق الأوروبية من دون قيود.

ويعني ذلك ببساطة أن تلتزم بريطانيا بعدم تقديم دعم حكومي للأعمال والصناعات بما يجعل السلع والخدمات البريطانية أقل كلفة مقابل نظيرتها الأوروبية. وتنسحب المعايير المتساوية على أمور أخرى غير دعم دولة للأعمال والشركات، مثل المعايير البيئية والشروط الصحية وغيرها وكذلك لوائح وقوانين العمل.

ويرى المتشددون بشأن البريكست في حزب المحافظين الحاكم أن موافقة بريطانيا على تساوي المعايير يعني انتقاصاً من السيادة البريطانية التي من أجلها خرجت بريطانيا من أوروبا. بينما لا يمكن لبريطانيا المخاطرة بالعلاقة مع أوروبا التي تمثل نحو 60 في المئة من تعاملاتها التجارية والاقتصادية الخارجية.

انتهاك اتفاق

وجاء كشف "فاينانشيال تايمز" عن "قانون السوق الداخلي" الذي ستتضمنه ميزانية الخريف حين يعلنها وزير الخزانة ريشي سوناك في نوفمبر (تشرين الثاني) ليضيف مزيداً من التعقيد على مفاوضات البريكست ويشير إلى احتمال أكبر لأن تنتهي جولة المفاوضات الثامنة هذا الأسبوع من دون أي تقدم. فالقانون الذي ينتهك بنود "اتفاق الانسحاب"، الموقع العام الماضي والذي بموجبه خرجت بريطانيا رسمياً في أول يناير ويحدد مهلة عام للتوصل لاتفاق دائم قبل البريكست النهائي في أول يناير 2021، يعني أن بريطانيا تتجاهل تماماً المعايير الأوروبية المطلوبة لضمان بريكست باتفاق.

ويتعلق القانون بمعايير السوق بين أقاليم بريطانيا/ إنجلترا واسكوتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، وضمن بنوده – كما كشفت الصحيفة – تجاهل تام لما يسمة "بروتوكول إيرلندا الشمالية" ضمن اتفاق الانسحاب مع أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان البروتوكول قد تم التوصل إليه كحل وسط لتفادي وجود حدود عملية صارمة في الجزيرة الإيرلندية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا (التي تظل عضواً في الاتحاد الأوروبي). بالتالي يتعين على الأعمال والشركات ملء شهادات رسوم وضرائب على التعاملات التجارية بين إيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا، كما يتعين إبلاغ السلطات الأوروبية بأي دعم حكومي بريطاني للأعمال والشركات في إيرلندا الشمالية.

وقبل الأوروبيون العام الماضي بهذا البروتوكول كحل وسط لتسهيل موقف حكومة بوريس جونسون كي لا تتضرر اتفاقيات داخلية بريطانية، مثل اتفاقية "الجمعة الطيبة" التي تحكم علاقة إيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة.

لكن مشروع القانون الجديد يتجاوز تماماً ما تم الاتفاق عليه مع الأوروبيين ويجعل القانون البريطاني هو الملزم في أي نزاع ويتجاوز مسألة الإبلاغ عن الدعم الحكومي لبروكسيل كما يجعل ملء استمارات الجمارك والرسوم غير ملزم.

وبمجرد نشر تقرير الصحيفة صباح الاثنين توالت ردود الأفعال، وخرج بعض وزراء الحكومة البريطانية على شاشات "بي بي سي" و"سكاي نيوز" يدافعون عن القانون ويعتبرون أنه يستهدف "سيادة كاملة لبريطانيا" على قوانينها وإجراءاتها وهو لب الهدف من البريكست.

لكن أحزاب المعارضة، وعدداً من السياسيين والاقتصاديين المستقلين، حذروا من أن انتهاك بريطانيا لاتفاقية دولية وقعها قبل عام يفقدها الصدقية دولياً ويجعل أي اتفاق بينها وبين أي دولة أو تكتل محل شك لوجود سابقة بأن "بريطانيا لا تحترم تعهداتها الدولية" في الاتفاقات.

وعلق أحد المحللين بالقول، إن بريطانيا بهذا الانتهاك للاتفاق "لا تستطيع ادعاء أي ميزة أخلاقية ولا يمكنها انتقاد الصين على القانون الذي سنته بشأن هونغ كونغ"، وأثار عاصفة من الاحتجاجات من الغرب وفي مقدمة المحتجين بريطانيا.

مستقبل بريكست

وعلى رغم أن جولة المفاوضات بين لندن وبروكسيل ما زالت قائمة، إلا أنه في ظل التطورات الأخيرة يرجح كثيرون في بريطانيا وأوروبا أنها لن تسفر عن أي تقدم. بل على العكس، قد يعقد الانتهاك البريطاني لاتفاق الانسحاب أي تفاهم محتمل حول قضايا تساوي المعايير أو غيرها من القضايا الخلافية.

كذلك يتباعد احتمال تراهن عليه حكومة بوريس جونسون وهو أن تضطر أوروبا في اللحظة الأخيرة للتنازل والقبول باتفاق لصالح بريطانيا كما حدث في مفاوضات الاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي وكندا. فبرأي الخبراء، يختلف وضع بريطانيا عن وضع كندا ليس فقط بحجم التعاملات بينها وبين الاتحاد الأوروبي ولكن بحكم تداخل العلاقة في الإجراءات والقوانين على مدى نحو نصف قرن من عضوية بريطانيا في الاتحاد، بينما كندا لم تكن يوماً عضواً في الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن الاحتمال الأرجح الآن هو بريكست من دون اتفاق، بما لذلك من تبعات على الاقتصاد البريطاني. وعلى رغم أن أوروبا تتضرر أيضاً من بريكست من دون اتفاق إلا أن الضرر أكبر على بريطانيا واقتصادها. وسبق وتسربت أخيراً خطط الحكومة البريطانية لمواجهة تبعات بريكست من دون اتفاق من نقص الأغذية والأدوية واحتمالات حدوث أعمال نهب وشغب واسعة النطاق في البلاد والاستعداد لإنزال الجيش إلى الشوارع للسيطرة على الأوضاع.

واعتبر ذلك مؤشراً آخر على أن حكومة حزب المحافظين تتجه نحو بريكست من دون اتفاق، وتماطل فقط في المفاوضات – كما يتهمها الأوروبيون – لإلقاء اللوم في فشلها على الاتحاد الأوروبي. وكي يمكن التوصل لاتفاق، يحتاج الطرفان للانتهاء من كل نقاط الخلاف بحلول منتصف الشهر المقبل حتى يتسنى صياغة الاتفاق قانونياً (الذي يتوقع أن يزيد على 400 صفحة) والمصادقة عليه من البرلمان البريطاني والبرلمان الأوروبي ليدخل حيز التنفيذ في 1 يناير 2021.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد