Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي تداعيات العقوبات الأميركية على إثيوبيا؟

تجاهلت أديس أبابا حقائق تاريخية في تعاطيها مع الموقف التفاوضي لسد النهضة

تتمسك إثيوبيا بسد النهضة باعتباره مشروعاً وطنياً (أ ف ب)

بعد إعلان الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا، بسبب ملئها سد النهضة من دون الاتفاق مع مصر والسودان، صرحت الحكومة الإثيوبية بشيء من الثقة بأن هذه العقوبات لن تستمر طويلاً، نظراً لعوامل عدة منها العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا التي تدعمها خصوصية العلاقة الإثيوبية الإسرائيلية، وتعاون الولايات المتحدة مع إثيوبيا في مواجهة تنظيم "داعش" في الصومال.

وبينما تنتظر إثيوبيا من الولايات المتحدة إعادة النظر في قرارها بشأن خفض المساعدات، تأمل ألا تتضرر العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. ويعيد هذا الإعلان التحفظ الإثيوبي السابق على تدخل أطراف أخرى في النزاع، خصوصاً الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في فبراير (شباط) العام الحالي بالفشل، مما جعل إثيوبيا توجه اتهامها للولايات المتحدة بتحيزها إلى القاهرة.

دعم أميركا

تجاهلت إثيوبيا في تعاطيها مع الموقف التفاوضي لسد النهضة حقائق تاريخية يختلط فيها السياسي والعسكري مع الجغرافي، والجيولوجي مع العِرقي والثقافي، ابتدأت منذ اكتشاف منابع النيل وارتباطها بتوطيد أركان نظام الخديوية في مصر، وتركيز اهتمامها للسيطرة على منابع النيل، إذ شجّعت في عهد محمد علي باشا الرحالة الأوروبيين على استكشاف منابع النيل عام 1863، وظل ذلك الاهتمام قائماً حتى عهد الخديوي إسماعيل باشا، الذي رفع العلم المصري بالقرب من خط الاستواء عام 1871.

كان اعتقاد إثيوبيا أن سياسة الاستعمار البريطاني للسودان تنصبّ على مياه النيل، ودُعم ذلك الاعتقاد بإبراز توقيع اتفاق 1959 بين مصر والسودان، ثم قرار مصر بناء السد العالي الذي شرعت فيه فعلياً عام 1960 وافتتح رسمياً عام 1971، من دون استشارة دول المنبع، مما أفرز كثيراً من التعقيدات والحساسيات والتفاعلات السياسية في منطقة حوض النيل. وكرد فعل لمشروع السد العالي، فكرت إثيوبيا في استثمار مياه النيل في ستينيات القرن الماضي بدعم أميركي لإجراء دراسات على النهر، ومعرفة إمكان توليد الطاقة الكهربائية. وقد كان التحرك الأميركي الذي كان داعماً لنظام هيلاسيلاسي الحاكم في إثيوبيا آنذاك لمقابلة دعم وتمويل الاتحاد السوفياتي بناء السد العالي في مصر، وارتباط الرئيس جمال عبدالناصر به. ليس هذا وحسب، إنما ذهب الترويج الإثيوبي إلى سعي مصر للهيمنة على مياه النيل بعد إعلان الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في ديسمبر (كانون الأول) 1979 نيته توجيه جزء من مياه النيل إلى القدس، فهددت إثيوبيا بإجراء تغييرات في مجرى النهر بالقوة العسكرية.

موقف إسرائيل

اكتسبت إثيوبيا موقفها القوي من كونها دولة منبعاً لكل مياه النيل الأزرق البالغة 84 مليار متر مكعب، أي حوالى 86 في المئة من إجمالي مياه نهر النيل، وكذلك خروجها من حال الحرب الداخلية والخارجية، وتحسن ظروفها الاقتصادية بعدما حملت لقب "ثالث أفقر دولة في العالم" خلال العقد الأول من الألفية. كما أن موقع إثيوبيا في جزء مهم من القرن الأفريقي، بمحاذاة الممرات البحرية الاستراتيجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، يشكل أهمية حيوية كبرى. ثم إن دخول إسرائيل كحليف تاريخي لها عمل على تشكيل صمام أمان قوي تجاه أية نزاعات مستقبلية، إضافة إلى الوعود الإسرائيلية بالدعم في مجال إدارة المياه والزراعة والطاقة والفضاء والتكنولوجيا.

وإضافة إلى العلاقات التاريخية وخصوصيتها بين إثيوبيا وإسرائيل، وتوظيف ورقة اليهود الإثيوبيين في إسرائيل، فإن الموقف الإثيوبي اكتسب قوة إضافية كأحد عناصر الاستراتيجية التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2016 تحت شعار "العودة إلى أفريقيا"، واستطاعت إسرائيل أن ترعى الطموح الإثيوبي منذ البداية بمبدأ الفائدة المتبادلة بين الدولتين، وما توجّه إسرائيل نحو منطقة القرن الأفريقي إلا لتمثل بعداً آخر لهذا التوسع.

ازدواجية العلاقات

شهدت الممارسات التكتيكية لإثيوبيا مرحلة جديدة، إذ رأت أنه ليس في مصلحتها الاستعانة بإسرائيل بشكل مباشر، تماشياً مع موقفها الرافض للتدخل الدولي. ولكن في الجانب الآخر، أقدمت مصر عام 2018 على الاستعانة بإسرائيل، وما شجعها على الإقدام على هذه الخطوة هو مطالبة إسرائيل لها بالتدخل والتوسط لدى حركة "حماس" والفصائل الأخرى في قطاع غزة لوقف مسيرات العودة الفلسطينية. تلك التحركات نحو إسرائيل لحل الأزمة اعتبرت مكملة لتحركات المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق أفريقيا بالإنابة إيريك ستروماير، الذي زار ووفده كلاً من مصر والسودان في مارس (آذار) 2017 للعب دور الوساطة، سعياً إلى حل أزمة سد النهضة بين الدول الثلاث، فيما لم يتمكن من زيارة أديس أبابا لإعلانها وقتها عدم جاهزيتها لاستقبال الوفد. عاودت أميركا محاولتها بعدها ممثلة في زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية السفير دونالد ياماموتو على رأس وفد رفيع المستوى إلى إثيوبيا.

عدّت إثيوبيا الخطوة المصرية تحدياً لرفضها إشراك أي طرف دولي في أزمة سد النهضة، وكانت رفضت اقتراحها بإشراك البنك الدولي. هذا السبب من ضمن أسباب أخرى أدى إلى وصف إثيوبيا لمصر بعدم الجدية، وظهر هذا من قبل في طرح مصر والتلويح باتفاق 1959 الموقع بينها وبين السودان التي تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه نهر النيل، بينما تمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب، وربما تكون ازدواجية التعاطي الإسرائيلي بين إثيوبيا ومصر شتتت بنود المفاوضات في ما بعد، وحولتها إلى مناورة سياسية تجاوزت حدود مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب، إلى قضايا إقليمية أخرى، إذ إن استجابة إسرائيل بدعم أميركي لطلب مصر بالتوسط لدى إثيوبيا تقابلها معالجة ملف العودة الفلسطينية.

مكافحة الإرهاب

تعمل إثيوبيا إلى جانب الولايات المتحدة على مواجهة حركة الشباب الصومالية وتنظيم "داعش" في الصومال وامتداده نحو إثيوبيا، وتزايد نفوذ هذه الجماعات بسبب هشاشة الوضع الأمني في منطقة القرن الأفريقي، فوجد الإرهاب تربة خصبة نسبة لتداخل العوامل الأيديولوجية مع الأفكار المتطرفة، وحالات عدم الرضا العام من عدم المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نفذت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) عشرات الغارات الجوية ضد المتطرفين في الصومال، ولكن لا تزال الجهود الأميركية بحاجة إلى مزيد من الدعم المحلي وانتهاج أسلوب مغاير يعتمد على إيجاد التوازن، وفقاً لآليات الاضطراب في منطقة القرن الإفريقي.

تبدو الاستراتيجية الأميركية قابلة للتعميم في أجزاء عدة من العالم، خصوصاً في مناطق النزاعات، ولكن عند تنزيلها على واقع منطقة القرن الأفريقي، فإن تطبيقها يكون وفقاً لما يضمن استمرار نفوذها وامتيازاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية بعيدة المدى.

ولا تجد الولايات المتحدة غضاضة في مزاوجة علاقاتها بين الواقعية الكلاسيكية، والانخراط بالقدر نفسه في مجموعة واسعة من القضايا مثل الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.

وهذا النوع من إدارة العلاقات جعل توقُع ما يمكن أن يفضي إليه وقف التعاون مع إثيوبيا في مكافحة الإرهاب من آثار، بعيد المدى. قد يكون مستوى تأثير تهديدات انتشار التنظيمات المتطرفة في القرن الأفريقي على المصالح الأميركية في الحاضر والمستقبل، أكبر من مجرد هجمات إرهابية. وينبع الخطر من أنه ربما تزال سلطة هذه التنظيمات بالقوة العسكرية، لكن سيظل الخوف من استمرار أيديولوجيتها التي لا تزال تتولد بين وقت وآخر في أشكال مختلفة ومتطورة.

حمولات سياسية

فضلاً عن تمسك إثيوبيا بهذا السد، وتحويله إلى مشروع وطني استنفر الداخل من أجل التبرعات والاستثمارات الوطنية، بعد رفض انتظار دعم البنك الدولي، فإنها تسوّق له كملبّ لطموحها في إنتاج نحو 6400 ميغاوات من الكهرباء تكفي للاستهلاك المحلي وتصدير ما يتبقى منها إلى دول الجوار مثل السودان وكينيا وجيبوتي، لكن متخصصين ذكروا أن النسبة المقدّرة للتصدير لا تتناسب وحجم التوقعات الإقليمية، ويعكس مشروع سد النهضة جدلية المشاريع التنموية الناهضة من ركام الحروب والصراعات داخل البلدان الأفريقية، والاجتهاد في تسليحها بالمشاعر الوطنية وإثقالها بحمولات سياسية مما يعرضها لحسابات جـيوبوليتيكية في شأن مدى تأثيرها على غيرها من دول الإقليم. وهنا تدرك دول الإقليم التي من المفترض أن تكون شريكة بشكل ما في هذه المشاريع، خطورتها عليها مما قد يؤدي إلى نزاعات أخرى على الأرض، أو في الفضاء السياسي والدبلوماسي.

إن المنظومة المائية لنهر النيل لا تقف عند التقويم الإثيوبي وتجاهل مصر والسودان من ناحية، ودول حوض النيل من ناحية أخرى، وإنما تعتمد على استصحاب الآثار السياسية، إضافة إلى الفنية التي ركزت عليها دولتا المصبّ، وذلك لوضع استراتيجية تحافظ على الأمن والسلم القوميين، فأحد أهم النقاط التي تجاهلتها إثيوبيا هي عدم إخضاع النزاع لمبدأ التعاون الإقليمي لتحقيق الانتفاع والاستغلال العادل لمياه النيل، وغض الطرف عن العوامل التاريخية، وهو ما أسهم في دخول أطراف خارجية إلى حلبة الصراع وتأجيج الخلافات والتأثير في القرارات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل